الثلاثاء، 29 أبريل 2025

02:33 ص

نهاية التحالف الأطلسي؟ تغيرات جذرية بين أوروبا والولايات المتحدة

الإثنين، 28 أبريل 2025 11:06 م

التحالف الأطلسي

التحالف الأطلسي

تحليل/ كريم قنديل

لطالما شكل التحالف بين أوروبا والولايات المتحدة، حجر الزاوية للنظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، علاقة استراتيجية تداخلت فيها المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية لعقود، لكن مع تسارع الأحداث العالمية في السنوات الأخيرة، باتت هذه العلاقة تشهد تحولًا جذريًا. 

فالتصعيدات السياسية، والتوترات الاقتصادية، وتزايد الانقسامات العسكرية، كلها عوامل تشير إلى أن العلاقة بين ضفتي الأطلسي، قد تكون على وشك دخول مرحلة جديدة، مرحلة لا تشبه ما عهدناه من قبل.

التحالف الأطلسي

تباعد اقتصادي، اتفاقات بدأت في التلاشي

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة وأوروبا مليئة بالتحديات التي لا يمكن التغاضي عنها، حيث تصاعدت التوترات الاقتصادية بشكل كبير، بدءًا من فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية على الصلب والألومنيوم الأوروبيين في عهد الرئيس ترامب، وهي خطوة لم تكن مجرد مناورة تجارية، بل كانت إشارة واضحة إلى بداية التراجع في العلاقة الاقتصادية الأطلسية. 

فالتوترات هذه لم تنته، بل استمرت في التراكم، لا سيما بعد سعي أوروبا لفرض ضرائب على الشركات الكبرى، مثل أبل وجوجل، وهو ما قوبل برد فعل أميركي حاد يهدد بتصعيد النزاعات التجارية.

أما في مجال الطاقة، فقد شكل مشروع "نورد ستريم 2" نقطة خلافية حادة بين الحليفين، حيث ترى الولايات المتحدة في هذا المشروع تهديدًا لأمن أوروبا في ظل تزايد اعتمادها على الغاز الروسي، بينما ترى بعض الدول الأوروبية فيه بديلًا اقتصاديًا حيويًا، وهذا الانقسام يعكس بشكل واضح عدم التوافق على السياسات الاقتصادية الحيوية التي كانت تجمع بين الطرفين لفترة طويلة.

شعار التحالف الأطلسي

 

السياسة من التعددية إلى الأحادية

ولم يكن التباين في السياسة الخارجية بين الولايات المتحدة وأوروبا أقل وضوحًا من التباين الاقتصادي، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب، عكف على تبني سياسة "أميركا أولًا"، وهو ما ترجمه بوضوح إلى انسحاب من الاتفاقات الدولية الكبرى، مثل اتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني. 

وكانت هذه التحولات بمثابة إشارات للأوروبيين بأن الولايات المتحدة لم تعد الشريك القوي الذي يمكن الاعتماد عليه، وأنها أصبحت تميل أكثر إلى العزلة.

وفي المقابل، تمسكت أوروبا بمبادئ التعاون الدولي والعمل الجماعي، معززة من مواقفها في قضايا مثل التغير المناخي والهجرة والأمن الدولي، لكن رغم ذلك، باتت أوروبا تدرك أن هناك فجوة متزايدة بينها وبين واشنطن في تفسير وتحليل القضايا العالمية الكبرى، وهذا التباين السياسي يهدد باستمرار الانقسامات داخل التحالف الغربي، ما يجعل التنسيق بين الطرفين أكثر صعوبة.

الجانب العسكري

 

الأمن والدفاع، أوروبا تستعد لاستقلال استراتيجي

ومع التوترات السياسية والاقتصادية المتزايدة، أصبح من الواضح أن أوروبا بدأت تسعى نحو مزيد من الاستقلال في مجالي الدفاع والأمن، ورغم الضغوط الأميركية المستمرة على حلفائها الأوروبيين لزيادة إنفاقهم الدفاعي، فإن بعض الدول الأوروبية، بدأت في تطوير قدراتها العسكرية بشكل مستقل. 

وتعتبر مبادرات مثل صندوق الدفاع الأوروبي والتعاون الهيكلي الدائم (PESCO)، خطوة ملموسة نحو بناء سياسة دفاعية أوروبية مستقلة، ما يثير القلق في واشنطن بشأن تقليص الاعتماد على الدعم العسكري الأميركي.

هذا التحول لم يعد مجرد رد فعل على السياسة الأميركية الحالية، بل يمثل رغبة حقيقية لدى أوروبا في تأكيد قوتها العسكرية الذاتية، ومع تزايد الدعوات الأوروبية لتحقيق الاستقلال الاستراتيجي، يصبح من الواضح أن حلف الناتو لم يعد مرادفًا للاستراتيجية الدفاعية الغربية الوحيدة، حيث أن هناك تحركات نحو إرساء موازين جديدة في السياسة الدفاعية الأوروبية.

التحالف العسكري

 

تداعيات التحول، ماذا يعني العالم في المستقبل؟

إن تفكك التحالف الأطلسي سيكون له عواقب بعيدة المدى على النظام العالمي، ففي حال استمرار التباعد بين الولايات المتحدة وأوروبا، سيضعف التحالف الغربي، ما يفتح الباب أمام القوى الكبرى، مثل الصين وروسيا لملء الفراغ. 

وهذه القوى ستستفيد من الانقسامات الأوروبية الأميركية، لتوسيع نفوذها في مناطق كانت تعتبر تقليديًا ضمن دائرة التأثير الغربي، أما على الصعيد الاقتصادي، فإن تصاعد التوترات التجارية والنزاعات حول السياسات الاقتصادية، قد يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي عالمي، ويعزز احتمالية حدوث انقسامات كبيرة في أسواق المال والتجارة العالمية. 

وقد نشهد أيضًا تغيرًا في تدفقات الاستثمارات، مع تحولات من الغرب إلى الشرق، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على النمو العالمي في المستقبل القريب.

شعار التحالف الأطلسي

 

نهاية التحالف الأطلسي أم بداية فجر جديد؟

ما يحدث بين أوروبا والولايات المتحدة، ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو تحول بنيوي في طبيعة العلاقة بين القوتين العظميين، ومن الصعب القول إن هذه العلاقة ستعود إلى ما كانت عليه في الماضي، لكن الأكيد أن العالم أمام مرحلة جديدة، تتشكل ملامحها الآن. 

والعلاقات عبر التحالف الأطلسي، لن تكون كما كانت، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة نهاية التحالف، بل قد يكون بداية شراكة جديدة تقوم على التوازن والندية، شراكة تتكيف مع عالم متعدد الأقطاب وتغيرات جيوسياسية واقتصادية غير مسبوقة.

إن العالم يقف اليوم عند مفترق طرق، حيث يصبح من غير الممكن تجاهل التغيرات التي تطرأ على العلاقات الدولية، فما إذا كان هذا التحول سيؤدي إلى نهاية التحالف الأطلسي أم إلى إعادة هيكلة جديدة، فإن ذلك يعتمد على كيفية تعامل القادة الغربيين مع هذه التحولات. 

نحن أمام فرصة حقيقية لصياغة شراكة أكثر تطورًا، بعيدة عن الهيمنة، وأكثر توافقًا مع التحديات العالمية الجديدة.

نبذة تعريفية عن الكاتب كريم قنديل 

كريم قنديل باحث ومحلل اقتصادي بـ وحدة الدراسات والتقارير الاقتصادية، بموقع "إيجي إن" المتخصص في الاقتصاد والصناعة كأول موقع من نوعه في مصر والشرق الأوسط.

Short Url

search