الذكاء الاصطناعي العامل، السباق الاقتصادي نحو المستقبل الذي لا ينتظر أحدًا
الإثنين، 28 أبريل 2025 10:07 م

الذكاء الاصطناعي
تحليل/ كريم قنديل
قبل سنوات قليلة فقط، كان الذكاء الاصطناعي بالنسبة للعالم، مجرد أداة مساعدة تُستخدم لتحسين النصوص، وتدعم التحليل، وتسرع الحملات التسويقية، حيث لم يكن آنذاك في صدارة المشهد الاقتصادي أو الاجتماعي، بل ظل محصورًا داخل فرق تقنية محدودة، تبحث عن حلول ذكية لتحديات تقليدية.
لكننا اليوم، ونحن في منتصف عام 2025م، نشهد بزوغ عصر جديد بالكامل، عصر الذكاء الاصطناعي العامل (Agentic AI)، حيث لم تعد الأنظمة الذكية، مجرد منفّذة للأوامر، بل أصبحت مخططة ومقررة ومنفذة، أنظمة تفكر وتتعلم وتتحرك دون انتظار الإيعاز من البشر.
هذه النقلة الجذرية، لا تعني تطورًا تقنيًا فحسب، بل إعلانًا عن بداية إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي، وإعادة تعريف وظائف الحكومات، وطريقة عمل الأسواق والمجتمعات معًا.

قفزة تفوق التوقعات، من التعافي إلى إعادة تشكيل العالم
ما يحدث اليوم، هو قفزة تفوق كل التوقعات، قبل أقل من أربع سنوات فقط، فقد كان العالم يخرج متثاقلًا من أعباء جائحة عطلت الحياة، وغيّرت ملامح الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، وفي تلك المرحلة، كان الحديث عن التحول الرقمي يدور حول الحوسبة السحابية، وأتمتة بعض الخدمات، واستخدام الذكاء الاصطناعي، لتحسين بعض العمليات الخلفية.
أما اليوم، فقد أصبحنا نتحدث عن وكلاء رقميين مستقلين، كيانات ذكية قادرة على تحليل الأهداف، وفهم السياق واتخاذ القرارات وتنفيذ المهام، والتعلم المستمر من الأخطاء والنجاحات، إننا أمام لحظة مفصلية، تتجاوز فكرة استخدام التقنية، إلى فكرة إعادة صياغة طريقة العمل ذاتها حول هذه التقنية.

سوق الذكاء الاصطناعي العامل، أرقام تنبئ بثورة اقتصادية
إن سوق الذكاء الاصطناعي العامل، يسير نحو نمو انفجاري، في ظل توقعات بأن تصل قيمته إلى أكثر من 47.1 مليار دولار بحلول عام 2030م، وفي القطاع الصحي تحديدًا، الذي يعيش بدوره تحولًا جذريًا، ينتظر أن ترتفع قيمة الاعتماد على وكلاء الذكاء الاصطناعي، من 538 مليون دولار حاليًا إلى ما يقارب 5 مليارات دولار، حيث تتولى هذه الأنظمة الذكية، تقديم الرعاية عن بُعد، وإدارة الملفات الطبية، والمساهمة في التشخيص المبكر.
وفي القطاعين الخدمي والصناعي، يتوقع أن تصل القيمة إلى 24 مليار دولار خلال نفس الفترة، مدفوعة بمعدل نمو سنوي يتجاوز 46%، ما يؤشر إلى تغيير بنيوي ضخم في طبيعة الأعمال وسلاسل القيمة العالمية، فالعالم لم يعد يبحث عن مجرد أتمتة للمهام، بل عن أنظمة تستطيع التفكير والابتكار واتخاذ القرار.
ما الذي يجعل الذكاء الاصطناعي العامل مختلفًا؟
الفرق الجوهري الذي يميز الذكاء الاصطناعي العامل عن الأجيال السابقة من الأنظمة الذكية، يكمن في ثلاثية فريدة:-
- الاستقلالية.
- الهدف.
- السياق.
ولم يعد الأمر يتعلق بتنفيذ تعليمات محددة بشكل آلي، بل باتت هذه الأنظمة تفهم ما يُطلب منها، وتحلل الهدف، وتضع خطة عمل، وتختار الأدوات المناسبة، وتنفذ الإجراءات، وتتعلم مما يحدث على أرض الواقع، يأتي ذلك في نموذج عملها، حيث تسترجع البيانات من مصادر متعددة، تجمع بين السرعة والدقة، وتعيد تغذية خبراتها، عبر حلقات تعلم داخلي مستمر، ما يجعلها تتطور ذاتيًا دون الحاجة، إلى تدخل بشري مباشر، هذه القدرات الجديدة تفتح الباب أمام تحول غير مسبوق في طبيعة الوظائف وطريقة إدارة المؤسسات.

تطبيقات عملية تغيّر مفهوم الخدمة الحكومية
ولتقريب الصورة أكثر، يمكننا أن نتخيل موظفًا رقميًا يعمل في وزارة الاقتصاد، يتلقى استفسارًا قانونيًا من أحد المواطنين، بدلًا من رفع الطلب إلى سلسلة من الموظفين والردود الرسمية، ويقوم الوكيل الرقمي فورًا، بالبحث في النصوص القانونية ذات الصلة، حيث يقارن بين النصوص المختلفة، ويحدد أفضل إجابة مدعومة بالمصدر القانوني الدقيق، ويرسل الرد إلى المواطن خلال ثوانٍ معدودة.
وهناك مثال آخر في قطاع الخدمات البلدية، حيث تقدم مواطن بطلب للحصول على رخصة تجارية، ثم قام الوكيل الذكي بمعالجة الطلب كاملًا بشكل آلي، والتحقق من المستندات، والتنسيق مع الجهات المختصة، وإصدار القرار النهائي، وإرسال النتيجة، وكل ذلك في أقل من ساعة ودون تدخل بشري، وهذا التحول لا يتعلق فقط بالسرعة، بل بإعادة تعريف مفاهيم الكفاءة والشفافية والثقة بين المواطن والحكومة.

التحدي الحقيقي، إعادة تصميم الحكومات والمؤسسات
غير أن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في إدخال هذه التكنولوجيا المتقدمة إلى المؤسسات، بل في إعادة تصميم تلك المؤسسات جذريًا حول هذه الإمكانيات الجديدة.
فالمؤسسات والحكومات التي تتعامل مع الذكاء الاصطناعي العامل كإضافة جانبية، ستفشل حتمًا في الاستفادة من كامل قدراته، والمطلوب هو إعادة صياغة السياسات، وتطوير أنظمة الحوكمة، وتعديل خطط الموارد البشرية، وبناء نماذج تشغيل جديدة، تتناسب مع طبيعة العمل، التي يفرضها هذا الجيل من التكنولوجيا.
الأسئلة الاستراتيجية التي يجب أن تطرحها الحكومات اليوم، تتعلق بهدف استخدام الذكاء الاصطناعي، بكيفية دمجه المؤسسي الفعّال، وبمنظومات الإدارة الأخلاقية، التي تضمن الشفافية والعدالة في القرارات المتخذة آليًا.
_1764_083144.jpg)
الذكاء الاصطناعي والعمل البشري، شراكة لا صراع
وعلى الرغم من المخاوف التقليدية من أن يؤدي هذا التحول إلى فقدان الوظائف، إلا أن الحقيقة الاقتصادية أكثر تفاؤلًا، والذكاء الاصطناعي العامل، لا يقضي على الوظائف بقدر ما يعيد تشكيلها، كما أدى الحاسوب الشخصي إلى مضاعفة إنتاجية الموظف في الماضي، حيث إن وكلاء الذكاء الاصطناعي اليوم، يوفرون للبشر فرصة الانتقال من الأعمال الروتينية إلى المهام الإبداعية والاستراتيجية، ذات القيمة المضافة الأعلى.
والتحول، لن يكون في طبيعة الأدوات فقط، بل في طبيعة الإنسان العامل ذاته، من منفذ للتعليمات إلى مصمم للحلول، ومن موظف إداري إلى عقل ابتكاري.

هل سنكون مصممين للمستقبل أم متفرجين عليه؟
في النهاية، السباق نحو الذكاء الاصطناعي العامل قد بدأ بالفعل، ومن لا يبدأ منذ اليوم في إعادة تشكيل مؤسساته، سيجد نفسه بعد سنوات قليلة، يلهث خلف عالم تجاوزه بأشواط.
إن السؤال الحقيقي الذي تطرحه المرحلة، ليس هل سنتبنى الذكاء الاصطناعي؟، بل كيف نصمم حكومات ومؤسسات تتناغم معه وتبني المستقبل من خلاله؟، في عالم باتت فيه السرعة والابتكار عملتين نادرتين، من ينتظر سيكون خارج اللعبة، ومن يبادر سيكون هو من يضع قواعدها.
Short Url
بين السياسة والطاقة، إفريقيا تدفع ثمن خلافات أوروبا وأمريكا
28 أبريل 2025 04:47 م
كأس العالم 2034م، السعودية تكتب مستقبل الابتكار الرياضي والتقني
27 أبريل 2025 08:07 م
منصة «جولد إيرا» تطلق مفهوم الادخار الذهبي الدوري لجميع الفئات
27 أبريل 2025 09:29 ص


أكثر الكلمات انتشاراً