العالم في مواجهة ترامب، التداعيات الاقتصادية للهجوم على النظام العالمي
الإثنين، 17 مارس 2025 12:00 ص

دونالد ترامب
كتب/كريم قنديل
في مشهد سياسي متغير، تتجه الأنظار نحو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لا يكف عن إحداث صدمات جيوسياسية عبر سياساته غير التقليدية، أحدث هذه التحولات تمثلت في قراره وقف الدعم العسكري لأوكرانيا وتجميد مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار، ما ترك تداعيات واسعة النطاق على توازن القوى العالمية، وفرض على أوروبا إعادة التفكير في استراتيجياتها الدفاعية.

واشنطن تغيّر معادلتها.. من الدعم إلى الصفقات
لطالما كانت الولايات المتحدة الداعم الأكبر لأوكرانيا في مواجهتها مع روسيا، إذ قدمت كييف مساعدات تجاوزت 123 مليار دولار منذ اندلاع النزاع، شملت 69 مليار دولار دعماً عسكرياً، و54 مليار دولار مساعدات مالية وإنسانية. غير أن قرار ترامب الأخير يعكس تحولاً جذرياً في أولويات واشنطن، حيث أصبحت المصالح الاقتصادية والصفقات التجارية تتقدم على السياسات التقليدية القائمة على التحالفات الاستراتيجية.
يرى خبراء العلاقات الدولية أن هذا التحول يعكس نهج ترامب القائم على مبدأ "المقايضة" في السياسة الخارجية، حيث يتعامل مع القضايا الدولية كما لو كانت صفقات تجارية، وهو ما يثير قلق حلفاء واشنطن التقليديين، خاصة في أوروبا.
الضغوط على أوكرانيا.. بين التنازل والبحث عن بدائل
يأتي وقف المساعدات العسكرية الأميركية في وقت حرج بالنسبة لكييف، حيث تواجه ضغوطاً متزايدة على جبهاتها العسكرية، وقد أشار مسؤولون أميركيون إلى أن أوكرانيا قد تضطر إلى تقديم تنازلات إقليمية لإنهاء الحرب، وهو ما يضع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام معادلة صعبة بين استمرار المواجهة العسكرية أو الدخول في مفاوضات بشروط غير مواتية.
وفي مؤشر آخر على تراجع الدعم الأميركي، عقد فريق ترامب اجتماعاً مع شخصيات من المعارضة الأوكرانية لمناقشة إمكانية إجراء انتخابات مبكرة لاستبدال زيلينسكي، ما يعكس تحولات في الرؤية الأميركية تجاه القيادة الأوكرانية الحالية.

أوروبا أمام معضلة كبرى.. التكيف أو التفكك
قرار ترامب يضع أوروبا أمام معضلة مصيرية. فمن جهة، تحتاج الدول الأوروبية إلى الحفاظ على أمنها القومي واستقرارها، ومن جهة أخرى، لا تملك الأدوات الكافية لمواجهة روسيا بدون الدعم الأميركي. في ظل هذه المعادلة الصعبة، قد تجد أوروبا نفسها مضطرة للبحث عن حلول وسط، مثل تعزيز قدراتها الدفاعية الذاتية أو محاولة فتح قنوات دبلوماسية جديدة مع موسكو.
بينما تتوالى قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المثيرة للجدل، تتزايد التساؤلات حول التداعيات الاقتصادية العميقة التي قد تترتب على سياساته التصادمية، خاصة فيما يتعلق بالحرب التجارية وفرض العقوبات والتراجع عن الالتزامات الدولية. هذه التحركات لا تعيد فقط رسم خريطة التحالفات الدولية، بل تحمل أيضاً أعباء اقتصادية ضخمة تمتد تأثيراتها إلى ما هو أبعد من الولايات المتحدة.
_1787_083905.jpg)
الاقتصاد العالمي في قلب العاصفة
منذ اندلاع الحرب، تكبد الاقتصاد العالمي خسائر فادحة تجاوزت 3 تريليونات دولار، أوروبا وحدها تحملت تكلفة بلغت 1.3 تريليون دولار، فيما خسر الاقتصاد الأوكراني نحو تريليون دولار، أما الشركات الأميركية، فقد سجلت خسائر بقيمة 324 مليار دولار. هذه الأرقام تعكس حجم التأثيرات الاقتصادية للنزاع، والتي من المتوقع أن تتفاقم إذا ما استمرت الحرب لفترة أطول دون حلول دبلوماسية.
وفي ظل تزايد الضغوط الاقتصادية، بدأت بعض الشركات الأميركية الكبرى، مثل "إكسون موبيل"، تبحث عن فرص للعودة إلى السوق الروسية بمجرد انتهاء النزاع، وهو ما يعكس رغبة بعض الدوائر الاقتصادية في تجاوز القطيعة مع موسكو.
ترامب والحرب الاقتصادية: هل تنقلب السياسات الحمائية عليه؟
فرض ترامب تعريفات جمركية طالت كلاً من الحلفاء والخصوم، متسببًا في زعزعة استقرار الأسواق. ففي الثالث من مارس، قرر ترامب فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 25% على واردات كندا والمكسيك، إلى جانب 10% إضافية على الصين، مما هدد استقرار سلاسل التوريد العالمية، كما أعلن عن خطط مستقبلية لفرض رسوم جمركية على الواردات الأوروبية، مما أثار قلق العواصم الأوروبية بشأن مستقبل العلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي.

تداعيات السياسات الحمائية
هذه السياسات الحمائية تمثل تراجعًا عن النظام التجاري الليبرالي القائم منذ عقود، والذي كان في صلب الاقتصاد الأميركي والعالمي، بل إنها قد تدفع الدول المتضررة إلى البحث عن بدائل اقتصادية خارج النفوذ الأميركي، وهو ما قد يضعف مكانة الولايات المتحدة عالميًا.
من جهة أخرى، إن العجز التجاري الأميركي لا يرجع إلى ممارسات غير عادلة من قبل الدول الأخرى، بل إلى اختلالات داخلية ناتجة عن العجز المالي الفيدرالي الضخم. فالسياسات الجمركية، بدلاً من معالجة المشكلات الاقتصادية، تزيد الأعباء على الشركات والمستهلكين الأميركيين.
زعزعة استقرار الأسواق المالية
الاضطرابات الناجمة عن التعريفات الجمركية والعقوبات الاقتصادية تسببت في خسارة 3.4 تريليونات دولار من قيمة الأسهم الأميركية، مما يعكس بداية كارثية لعام 2025. كما أن المستثمرين بدأوا في البحث عن ملاذات آمنة، مما أثر على تدفقات رؤوس الأموال.
خسائر بحجم اقتصاد ألمانيا وفرنسا
وفقًا لتقديرات الخبراء، فإن السياسات الاقتصادية التي ينتهجها ترامب قد تكلف الاقتصاد العالمي ما يعادل 7% من الناتج الإجمالي العالمي، أي ما يعادل حجم اقتصاد دولتين بحجم ألمانيا وفرنسا معًا. هذا التراجع قد يؤدي إلى انخفاض الاستثمارات الأجنبية وتباطؤ الاقتصاد العالمي.

التضخم وتكاليف المعيشة
يؤدي ارتفاع الرسوم الجمركية إلى زيادة الأسعار عالميًا، مما يرفع معدلات التضخم ويؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في العديد من الدول. ومع زيادة التكاليف، تواجه الشركات والمستهلكون تحديات متزايدة قد تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
انحسار النفوذ الأميركي وتغير موازين القوى
الضغط الاقتصادي الذي تمارسه إدارة ترامب قد يؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات الاقتصادية، فالدول المتضررة قد تتجه إلى البحث عن أسواق جديدة، مما يعزز من دور الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند، وقد يؤدي ذلك إلى انتقال القوة الاقتصادية نحو آسيا وأوروبا، مما يضعف الهيمنة الأميركية على النظام الاقتصادي العالمي.
اضطراب أسواق الطاقة
يشير خبراء إلى أن توتر العلاقات التجارية انعكس سلبًا على أسواق الطاقة، سواء عبر ارتفاع أسعار النفط أو تباطؤ التحول نحو الطاقة النظيفة. فالعلاقات التجارية المضطربة أدت إلى نقص الإمدادات وتقلبات حادة في الأسعار.

الركود التضخمي.. هل يعود شبح السبعينيات؟
بحسب تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، فإن المخاوف تتزايد بشأن عودة الركود التضخمي، وهو مزيج من النمو الاقتصادي البطيء والتضخم المرتفع. فمع تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على جميع السلع المستوردة تقريبًا، تتراجع ثقة المستهلكين، ما قد يؤدي إلى ضعف الإنفاق وتباطؤ النمو.
التوقعات الاقتصادية القاتمة
خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا توقعاته للنمو الاقتصادي في الربع الأول من 2025 إلى انخفاض سنوي بنسبة 2.8%، وهو أسوأ هبوط منذ جائحة كوفيد-19، كما سجلت مؤشرات ثقة المستهلك أدنى مستوياتها منذ سنوات، مما يشير إلى قلق واسع النطاق حول المستقبل الاقتصادي.
هل يُعيد ترامب تشكيل الاقتصاد العالمي؟
في ظل السياسات التصادمية، يتجه العالم نحو مرحلة جديدة من عدم اليقين. فبينما يسعى ترامب إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادي وفقًا لرؤيته، فإن تداعيات سياساته قد تتجاوز حدود الولايات المتحدة، لتؤثر على الأسواق العالمية والتحالفات الاقتصادية.
ما بين تراجع الهيمنة الأميركية، وارتفاع التضخم، وتهديد استقرار الأسواق، يبدو أن الاقتصاد العالمي يواجه أحد أكبر تحدياته في العقود الأخيرة. والسؤال الذي يظل مطروحًا: هل تستطيع الأسواق التكيف مع هذه العاصفة، أم أن السياسات الحمائية ستقود إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة؟

نحو نظام عالمي جديد؟
مع اقتراب الانتخابات الأميركية، تبقى جميع الخيارات مفتوحة. فسياسات ترامب قد تؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات العالمية، وربما تغيير موازين القوى في النظام الدولي، وبينما تحاول أوروبا التكيف مع هذه التحولات، تجد أوكرانيا نفسها عالقة بين مطرقة الضغوط الأميركية وسندان التهديدات الروسية.
الأشهر القادمة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل الصراع في أوكرانيا، وشكل العلاقة بين الغرب وروسيا، وربما رسم معالم نظام عالمي جديد قائم على مبدأ "القوة من أجل السلام" كما يراه ترامب، أو العودة إلى النهج التقليدي للتحالفات الدولية. ولكن، في ظل عالم متغير، يبقى السؤال: هل يمكن بناء نظام دولي مستقر على أساس الصفقات والمقايضات وحدها؟
Short Url
الصناعات الإبداعية في عصر الذكاء الاصطناعي، بين الفرص والتحديات
16 مارس 2025 04:38 م
من الركود إلى الازدهار، هل تنجح خطة الصين في تحويل دفة الاقتصاد؟
16 مارس 2025 03:43 م
«2% تضخم» السعودية تنجح في كبح جماح الأسعار في فبراير رغم التحديات
16 مارس 2025 02:51 م


أكثر الكلمات انتشاراً