الثلاثاء، 29 أبريل 2025

04:32 م

محمد فؤاد يكتب: جهاز حماية المنافسة: ماذا كشف المؤتمر السنوي الثاني؟

الثلاثاء، 29 أبريل 2025 10:40 ص

محمد فؤاد الخبير الاقتصادي

محمد فؤاد الخبير الاقتصادي

بدافع اهتمامي الشخصي بملف بيئة الأعمال والحوكمة الاقتصادية، حضرت فعاليات المؤتمر السنوي الثاني لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، الذي انعقد تحت شعار:
“عشرون عامًا من حماية الأسواق: إنجازات وآفاق مستقبلية.”

كان المؤتمر فرصة مهمة لمراجعة التجربة المصرية في حماية المنافسة، واستكشاف التحديات والفرص أمام بناء سوق أكثر عدلًا وانفتاحًا.

الطابع العام للمؤتمر

من البداية، كان واضحًا أن المؤتمر تجاوز الشكل التقليدي لعرض الإنجازات، وتحول إلى نقاش عملي جاد حول التحديات والفرص.
الجلسات الثلاث ركزت على تطور مناخ المنافسة، العلاقة بين التشريع والتنفيذ، ودور المنافسة في دعم الاستثمار والنمو الاقتصادي، بمشاركة ممثلين عن الدولة والقطاع الخاص وخبراء قانونيين.

انطباعاتي حول الفعاليات

خلاصة انطباعاتي يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط رئيسية:
- جدية وثراء النقاش: مستوى الطروحات فاق توقعاتي، خاصة في ربط التجربة المصرية بالمعايير الدولية.
- تحول فكري ملحوظ: بدا واضحًا إدراك المشاركين لأهمية الانتقال من مفهوم الرقابة الصارمة إلى بناء ثقافة تنافسية تساهم في التنمية الاقتصادية.
- تطور دور الجهاز: المؤتمر عكس تحولًا مهمًا في استراتيجية جهاز حماية المنافسة نحو تواصل مؤسسي ومجتمعي أوسع، بهدف بناء بيئة تنافسية سليمة، وليس فقط فرض الرقابة.

قضايا مهمة تحتاج إلى معالجة

رغم التقدم، هناك بعض القضايا التي أعتقد أنها بحاجة لاهتمام خاص:

استقلال الجهاز

ينص الدستور المصري بوضوح في المادة (215) على أن الأجهزة الرقابية يجب أن تتمتع بالاستقلال الكامل، مع ضمانات قانونية تحمي حيادها الفني والإداري والمالي. كما أن المادة (27) تؤكد أن حماية المنافسة ومنع الاحتكار من أهداف النظام الاقتصادي للدولة.

ورغم هذه النصوص، فإن الواقع العملي شهد تحديات. فعلى سبيل المثال، قانون البنك المركزي الجديد (رقم 194 لسنة 2020) استثنى القطاع المصرفي من رقابة جهاز حماية المنافسة، مما أضعف قدرة الجهاز على فرض معايير موحدة على جميع القطاعات.

وبحكم عضويتي البرلمانية وقت مناقشة هذه القضايا، كنت شاهدًا على الجدل الكبير حول حدود صلاحيات الجهاز. ومن واقع هذه التجربة، أؤكد أن ضمان استقلال الجهاز وتوسيع ولايته بات أمرًا ضروريًا لإرساء قواعد منافسة عادلة في السوق المصري.

التماشي مع المعايير الدولية

من المهم الإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي، في مراجعاته الأخيرة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، شدد بوضوح على ضرورة تعزيز دور جهاز حماية المنافسة.

فقد أوضحت وثائق الصندوق أن دعم الأجهزة الرقابية المستقلة، وعلى رأسها جهاز حماية المنافسة، شرط أساسي لضمان فرص متساوية أمام المستثمرين، وتحقيق نمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص.

كما أوصى الصندوق بتوسيع اختصاصات الجهاز، وتوفير موارد مالية وبشرية كافية له، بما يمكنه من مواجهة هيمنة بعض الكيانات، وفتح السوق أمام دخول منافسين جدد.

هذه التوصيات تضيف بعدًا دوليًا داعمًا لأي جهد محلي يهدف إلى تقوية دور الجهاز وإرساء قواعد سوق عادلة وشفافة.

توصياتي العملية

بناءً على ما سبق، أرى أن تعظيم دور جهاز حماية المنافسة يتطلب التحرك في ثلاث اتجاهات أساسية:

١- استكمال الإصلاح التشريعي:
خضوع جميع القطاعات الاقتصادية، بما فيها القطاع المصرفي والقطاعات الاستراتيجية، لرقابة جهاز حماية المنافسة دون استثناءات
٢- تعزيز الاستقلال المالي والبشري للجهاز:
بما يضمن استمراريته بعيدًا عن أي تأثيرات إدارية أو بيروقراطية.
٣- التوسع في برامج التوعية المجتمعية:
نشر الوعي بين المستثمرين والمستهلكين بأهمية المنافسة الحرة كجزء أساسي من دعم الاقتصاد الوطني.

مستقبل حماية المنافسة في مصر.. خطوات ضرورية لتعظيم الأثر

في رأيي، المؤتمر السنوي الثاني لجهاز حماية المنافسة يمثل خطوة مهمة على طريق إصلاح بيئة الأعمال المصرية. فالتحول نحو نقاش مؤسسي جاد، والتركيز على بناء ثقافة تنافسية، يعكسان نضجًا في التفكير وفي أساليب العمل.

ومع استكمال الإصلاحات التشريعية، ودعم الجهاز ماليًا ومؤسسيًا، وتنفيذ توصيات المؤسسات الدولية، يمكن لجهاز حماية المنافسة أن يصبح ركيزة حقيقية لدفع الاقتصاد المصري نحو بيئة أكثر عدلًا، وأكثر جذبًا للاستثمار، وأكثر قدرة على تحقيق نمو مستدام.

Short Url

search