ترامب والانعزال الاقتصادي، جدار من الرسوم الجمركية
السبت، 12 أبريل 2025 06:29 م

رسوم ترامب الجمركية
تحليل/كريم قنديل
منذ ثمانينيات القرن الماضي، ظل دونالد ترامب متمسكًا بفكرة أن الولايات المتحدة ستكون أقوى لو تحصنت خلف جدار من الرسوم الجمركية المرتفعة، ومع أنه اقترب من عامه الـ 79، لا يبدو أنه مستعد للتراجع عن هذا التوجّه، حتى مع هشاشة الأسواق وتزايد المخاوف من ركود اقتصادي، وإذا ما استمر في هذا المسار خلال ولايته الثانية، فسيترك خلفه أمة كئيبة، مستاءة ومنهزمة اقتصاديًا واجتماعيًا.

الشعب لا يريد الانعزال ولا الشركات
المواطن الأميركي العادي ليس مستعدًا للانعزال عن الأسواق العالمية، تمامًا كما أن المؤسسات الأميركية الكبرى ليست مجهزة لمواجهة هجوم اقتصادي شعبوي يغيّر قواعد اللعبة، الأميركيون تمامًا كغيرهم في العالم، اعتادوا على نمط حياة مفتوح على الابتكار والتكنولوجيا والخيارات اللامحدودة، ومن الصعب انتزاع هذا منهم دون أن تشتعل موجة من الغضب.
ذكريات من الهند.. كيف يبدو الاقتصاد المعزول؟
الهند والتي عاشت عقودًا خلف جدران من القيود التجارية والرسوم الجمركية المرتفعة، على وجه الخصوص، خضعت السلع الاستهلاكية لرسوم تصل إلى 50%.
النتيجة؟ تحولت إلى أمة من المتفرجين، تقرأ عن التكنولوجيا وتراها فقط في يد قلة محظوظة، واليوم قد يواجه الأميركيون تجربة مماثلة، إذا ما استمر الانغلاق الجمركي.

الحرمان الأميركي من المنتجات العالمية بدأ فعلاً
شركة "نينتيندو" بدأت بالفعل بتجميد الطلبات الأميركية لجهاز "سويتش 2"، في إشارة واضحة إلى ما يمكن أن يحدث عندما تتحوّل أميركا من أكبر سوق في العالم إلى سوق معزول.
في المستقبل القريب، قد يشاهد المستهلك الأميركي نظرائه في اليابان وأوروبا يفتحون صناديق أحدث الأجهزة، بينما يجد صعوبة في الحصول عليها محليًا.
غياب المنافسة.. جودة أقل وسعر أعلى
حتى إن تم نقل التصنيع إلى الداخل الأميركي، فإن غياب المنافسة العالمية يعني أن المنتج سيصبح أغلى وأقل جودة، قد تستبدل الهواتف الأميركية مكونات يابانية وكورية عالية التقنية بأخرى أرخص وأقل كفاءة، مما يحوّل شعار "صُنع في الولايات المتحدة" من رمز للفخر إلى علامة تحذير، تمامًا كما حدث سابقًا في الهند مع شعار "صُنع في الهند".

السوق السوداء والتهريب.. عودة إلى ما قبل العولمة
مع الوقت، سيتحوّل الأميركيون إلى البحث عن وسائل بديلة للحصول على المنتجات الأجنبية، سيتواصلون مع الأصدقاء المسافرين، أو يشترون من مواقع مثل "إيباي"، أو حتى يذهبون إلى كندا للتسوّق.
وقد تظهر مراكز تسوق ضخمة على الحدود الكندية، تستهدف الأميركيين الباحثين عن سلع بأسعار معقولة خارج الجدار الجمركي.
خطر الجريمة المنظمة.. والبيروقراطية الزائدة
ما يبدأ كحل فردي لتوفير المال قد يتحول إلى نشاط إجرامي منظم، بيع المنتجات الأجنبية في السوق السوداء سيخلق بيئة خصبة للعصابات، ما يضع عبئًا إضافيًا على وزارة الأمن الداخلي، التي تعاني أساسًا من ضغط المهام، وقد تنشأ هيئات بيروقراطية جديدة لملاحقة المسافرين الذين يُهرّبون أجهزة "آيفون" لتجنب الرسوم.

أميركا تخسر تفوقها الناعم
في السابق، كانت المتاجر الكبرى في أوروبا وآسيا تعج بسياح صينيين يشترون المنتجات الفاخرة بكثافة، اليوم قد يصبح المشهد مقلوبًا، سياح أميركيون يشترون غسالات وثلاجات من مطارات آسيا مثل مطار كولومبو في سريلانكا، هذا ليس طريقًا لحياة مزدهرة، بل وصفة للاستياء والإحباط.
دروس الحرب الباردة.. لا تستخف بشغف المستهلك
الولايات المتحدة لم تنتصر في الحرب الباردة بالسلاح فقط، بل بنمط الحياة، في مواجهة نيكيتا خروتشوف عام 1959، وقف ريتشارد نيكسون، في مطبخ أميركي نموذجي، ليُظهر كيف يمكن للعائلة العادية أن تعيش حياة مريحة، كانت أقوى حجه أن المواطن الأميركي يستطيع شراء أحدث ما توصل إليه العلم بسهولة، الجينز الأميركي، وأسطوانات موسيقى الروك، والرفاهية المنزلية، كل هذه العناصر كانت أدوات قوة ناعمة أبهرت العالم وأسقطت جدران الأيديولوجيا.
فإذا نسيت أميركا هذه الحقيقة، وتخلّت عن انفتاحها الاستهلاكي، فإنها تخاطر بخسارة الحرب القادمة دون حتى أن تطلق رصاصة.
Short Url
90% من اقتصاد الإمارات العربية المتحدة في أيدي العائلات
12 أبريل 2025 05:10 م
42 مليار دولار دعم من صندوق النقد الدولي، هل تنقذ الأرجنتين من الغرق؟
12 أبريل 2025 04:28 م
أسواق المال على صفيح ساخن، تحركات غير مسبوقة في ظل أزمة التعريفات الجمركية
12 أبريل 2025 02:25 م


أكثر الكلمات انتشاراً