زيادة أسعار الوقود في مصر، بين الضغوط التضخمية وخطط تعزيز الإنتاج المحلي

الأربعاء، 19 مارس 2025 09:00 م

أسعار الوقود

تحليل/كريم قنديل

تشهد مصر في الفترة الأخيرة مجموعة من التغيرات الاقتصادية المتسارعة، أبرزها قرار الحكومة برفع أسعار الوقود، في خطوة تعكس واقع الضغوط العالمية على أسواق الطاقة، لكنها في الوقت نفسه تثير مخاوف بشأن انعكاساتها على التضخم ومعيشة المواطنين، وتأتي هذه الزيادة في إطار استراتيجية أوسع لإصلاح منظومة الدعم وزيادة الإنتاج المحلي، بهدف تحقيق قدر من الاستقلالية عن تقلبات الأسعار العالمية.

ضغوط تضخمية وعبء على المستهلك

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، شهدت أسعار النفط ارتفاعات متتالية، مدفوعة بالمخاوف من نقص الإمدادات العالمية واضطراب سلاسل التوريد، وتأثرت مصر باعتبارها مستوردة صافية للوقود، بهذه الأزمة، حيث اضطرت الحكومة إلى تعديل أسعار الوقود بشكل تدريجي لمواكبة الأوضاع الاقتصادية.

شهدت أسعار السولار، وهو عنصر أساسي في قطاع النقل، ارتفاعًا من 8.5 جنيه إلى 13.50 جنيه للتر، مما يعني زيادة مباشرة في تكاليف الشحن والنقل، والتي قد تنعكس سريعًا على أسعار السلع والخدمات. كذلك، ارتفع سعر بنزين 95 إلى 17 جنيهًا للتر، وهو ما يفرض ضغوطًا إضافية على فئات واسعة من المستهلكين، وتأتي هذه الزيادة في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من ضغوط تضخمية متزايدة، وسط تحديات تتعلق بأسعار الصرف وتكاليف الاستيراد.

تحركات لتعزيز الإنتاج المحلي

في مواجهة هذه التحديات، تسعى الحكومة إلى تقليل الاعتماد على الواردات من خلال خطط طموحة لزيادة إنتاج النفط الخام، وتستهدف مصر رفع إنتاجها اليومي من النفط بنسبة 9% خلال العام المالي 2024-2025، ليصل إلى 637 ألف برميل يوميًا، مقارنة بـ 580 ألف برميل يوميًا حاليًا، كما تجتذب الدولة استثمارات ضخمة في قطاع النفط والغاز، حيث من المتوقع أن تضخ الشركات الأجنبية استثمارات تقدر بحوالي 4 مليارات دولار في عمليات التنقيب والتطوير، خاصة في منطقتي الصحراء الغربية وخليج السويس، اللتين تمثلان مناطق واعدة للاكتشافات الجديدة.

ورغم أن هذه الخطط قد تسهم على المدى المتوسط والطويل في تحسين أمن الطاقة وتقليل فاتورة الاستيراد، إلا أن آثارها لن تكون فورية، فالاستثمارات الجديدة تتطلب وقتًا للوصول إلى مرحلة الإنتاج الفعلي، ما يعني أن التأثير الإيجابي على الأسعار قد لا يكون ملموسًا على الفور، وهو ما يبقي الضغوط الاقتصادية قائمة في الوقت الحالي.

انعكاسات على السوق المحلية

من شأن هذه الاستثمارات أن تساهم في استقرار أسعار الوقود على المدى المتوسط، إلا أن الأثر الفوري لزيادة الأسعار لا يزال يشكل تحديًا للمستهلكين، ويتوقع الخبراء أن تؤدي هذه الارتفاعات إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، إلى جانب ارتفاع تكاليف النقل، مما قد يضغط على مستويات الطلب في السوق المحلية.

نظرة على القطاع اللوجستي والتجارة الداخلية

إلى جانب تأثير ارتفاع أسعار الوقود على المواطنين، فإن قطاعات مثل التجارة والخدمات اللوجستية ستواجه تحديات إضافية. حيث يُعد قطاع تجارة الجملة والتجزئة أحد الركائز الأساسية للاقتصاد المصري، مستحوذًا على 34% من سوق الشحن والخدمات اللوجستية.

وتشهد السوق المصرية توسعًا كبيرًا في استثمارات التجزئة، مع إعلان شركات عالمية مثل كارفور وGMG وجيان عن خطط لافتتاح متاجر جديدة وضخ استثمارات تتجاوز 90 مليون دولار حتى عام 2026. ويشير ذلك إلى أن الطلب الاستهلاكي في السوق المصرية لا يزال قويًا، رغم التحديات الاقتصادية، ومن المتوقع أن ينمو قطاع التجزئة بمعدل 6% سنويًا بين 2024 و2029، مدفوعًا بالتحول نحو المتاجر الحديثة وزيادة الاعتماد على التجارة الإلكترونية.

إلا أن استمرار ارتفاع تكاليف النقل والشحن قد يشكل عقبة أمام هذا النمو، حيث تعتمد معظم سلاسل الإمداد على النقل البري، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلك النهائي، وبالتالي التأثير على معدلات الطلب.

آفاق مستقبلية وتحديات قائمة

في ظل هذه المعطيات، يواجه الاقتصاد المصري مزيجًا من التحديات والفرص. فمن ناحية، تشكل زيادة أسعار الوقود ضغوطًا على المستهلكين والشركات على حد سواء، مما قد يؤثر على معدلات الإنفاق الاستهلاكي. ومن ناحية أخرى، فإن خطط التوسع في إنتاج النفط والاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة قد توفر حلولًا طويلة الأجل لاستقرار السوق المحلية.

كما أن الحكومة تعمل على تعزيز البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية، حيث تُنفذ مشاريع بقيمة 6.6 مليار دولار لتحسين سعة الموانئ وتطوير الشبكات اللوجستية، ومن شأن هذه الاستثمارات أن تساعد في تخفيف حدة الضغوط الناجمة عن ارتفاع تكاليف النقل، وتعزيز القدرة التنافسية لمصر كمركز إقليمي للخدمات اللوجستية والتجارة.

Short Url

أخبار متعلقة