الخميس، 06 مارس 2025

02:49 م

الدكتور محمد فؤاد يكتب.. مستقبل صندوق مصر السيادي

الأربعاء، 05 مارس 2025 10:51 ص

الدكتور محمد فؤاد

الدكتور محمد فؤاد

محمد فؤاد

تابعت التصريحات التي أدلى بها وزير الاستثمار والتجارة الخارجية  حسن الخطيب بشأن التخطيط لنقل شركات مملوكة للدولة على دفعات إلى صندوق مصر السيادي لإدارتها من أجل تعظيم العائد من أصول الدولة غير المستغلة وإدارتها بفعالية عبر استراتيجيات مبتكرة وشراكات مع القطاع الخاص، وذلك ضمن رؤية تستهدف مضاعفة حجم الأصول والاستثمارات التي يديرها الصندوق خلال الفترة المقبلة.

 

استراتيجية الدولة لتعظيم الاستفادة من الأصول العامة

وفي الواقع، فمنذ التأسيس في عام 2018، فقد وُضع هذا الصندوق في قلب استراتيجية الدولة لتعظيم الاستفادة من الأصول العامة، وجذب الاستثمارات، وتحقيق إدارة أكثر كفاءة للموارد المملوكة للدولة، غير أن الأداء الفعلي للصندوق حتى الآن لم يحقق المردود المتوقع على الإطلاق، حيث انشغل أكثر بعمليات نقل الملكيات بين الجهات الحكومية المختلفة دون أن يترجم ذلك إلى تحولات جوهرية في إدارة هذه الأصول أو تحقيق عوائد ملموسة على مستوى الاقتصاد الكلي.

وبينما يتجدد الحديث الحكومي عن نقل المزيد من الشركات المملوكة للدولة إلى الصندوق في إطار رؤية لتعظيم العائد من الأصول غير المستغلة، فإن التحدي الحقيقي في تقديري، لا يكمن إطلاقا في حجم الأصول التي يديرها، بل في مدى قدرته على تطوير نماذج استثمارية أكثر كفاءة تضمن الاستفادة القصوى من هذه الأصول، سواء عبر إعادة هيكلتها وتشغيلها أو بأي وسئلة أخرى تحقق أكبر استفادة ممكنة.

فالصندوق الذي يحتل المرتبة 48 عالميًا بين أكبر 100 صندوق سيادي وفقًا لرأس المال المرخص به، والذي يمتلك العديد من الصناديق الفرعية التي تغطي مجالات مختلفة، منها السياحة والاستثمار العقاري، والمرافق والبنية الأساسية، والخدمات الصحية والصناعات الدوائية، والاستثمارات الخضراء، والخدمات المالية، والتحول الرقمي، لم ترقَ النتائج الفعلية له على أرض الواقع إلى مستوى التوقعات والآمال التي عقدت عليه.

فمنذ عام 2020، انتقل إلى ملكيته عدد من الأصول البارزة مثل مجمع التحرير، ومقر وزارة الداخلية، وأرض الحزب الوطني، والقرية الكونية، ومعهد ناصر الطبي، وحديقة الأندلس بطنطا، ومع ذلك لم تسفر هذه العمليات عن تحول اقتصادي جوهري يعكس قدرة الصندوق على تحقيق القيمة المضافة المرجوة، وحتى في الصفقات التي أعلن عنها، مثل تأجير مجمع التحرير لتحالف أمريكي أو تطوير بعض المباني الحكومية السابقة، فإن المردود الفعلي يظل محدودًا بالنظر إلى حجم الأصول التي أصبحت تحت إدارة الصندوق.

و أستمر إنتقال الأصول للصندوق حيث تم تقل ملكية 13 وزارة وجهة حكومية بوسط العاصمة القاهرة إلى صندوق مصر السيادي في يناير 2024، أبرزها المقرات الرئيسية لوزارات الخارجية، والعدل، والتعليم، والصحة، والنقل، والمالية، وذلك بعد انتقالها للعمل من العاصمة الإدارية الجديدة.

 

الإشكالية الأساسية التي تواجه الصندوق

ومع كل هذه الإنتقالات للأصول، فإن الإشكالية الأساسية التي تواجه الصندوق ليست مجرد تحديات إدارية أو تنفيذية، بل تتعلق بهويته ودوره الأساسي، خاصة وأن هناك تساؤلات جوهرية تخص الصندوق لا تزال غير واضحة إلى هذه اللحظة، بينها ما إذا كان الصندوق كيان معني ببيع الأصول لتوليد سيولة أم مؤسسة تهدف إلى تعظيم قيمتها عبر التشغيل الفعال أم الاثنين معا، خاصة وأن هذا الغموض في تحديد الأولويات جعل القرارات المتعلقة بإدارة الأصول تبدو انتقائية وغير قائمة على استراتيجية واضحة.

ويتضح هذا الشقاق بين الطموح والواقع فيما أعلنته الحكومة في 2023 عن نيتها بيع حصص في شركات حكومية بقيمة 5 مليارات دولار خلال الفترة من أكتوبر 2023 إلى يونيو 2024 منها محطة جبل الزيت لتوليد الرياح و شركة وطنية بالاضافة إلى حصة الحكومة فى شركة فودافون مصر، بجانب  طرح حصة من شركتي دمياط لتداول الحاويات والبضائع وبورسعيد لتداول الحاويات، وهكذا بنك المصرف المتحد، إلا أنه في الواقع قد تمخض كل ذلك إلى صفقة الفنادق التي تم إعلانها في ديسمبر 2023 حين وقعت "آيكون" التابعة لمجموعة طلعت مصطفى الاتفاقيات النهائية لعملية الاستحواذ على حصة 39% مع حقوق إدارة كاملة، وتصل الحصة إلى 51% في شركة "ليجاسي للفنادق"، و هي شركة مشتركة بين صندوق مصر الفرعي للسياحة والاستثمار العقاري وتطوير الآثار وشركة إيجوث

ويضاف إلى الإشكاليات، مسألة التغيرات الإدارية المتكررة التي شهدها الصندوق خلال فترة قصيرة، بما في ذلك خروج قيادات وتعديل تبعيته لوزارة الاستثمار، وهو ما خلق حالة مُزلزلة من عدم الاستقرار المؤسسي وأثر على قدرته على تنفيذ خطط طويلة الأجل أو استكمال الخطط المرحلية حتى.

كما أن المناخ الاستثماري الحالي لا يخدم الصندوق أيضًا، إذ أن ارتفاع أسعار الفائدة، والتحديات الاقتصادية، والظروف الجيوسياسية تجعل من الصعب جذب استثمارات كبرى بالشروط المثلى، كما أن التشابكات الإدارية المرتبطة بنقل الأصول تمثل تحديًا جوهريا معرقلا، حيث ستتقاطع خطط الإستحواذ مع أكثر من 709 شركات حكومية تخضع لإشراف 33 جهة ولاية مختلفة، وهو ما يجعل عمليات نقل الملكيات وإعادة هيكلتها عملية معقدة تمتد لسنوات وتستنفذ المجهود و بالذات حال عدم وجود رؤية واضحة.

وفي تقديري وبدون الدخول في الحديث الشعبي المؤدلج عن كونه بوابة خلفية للخصخصة، أرى أن الصندوق لا يزال يمتلك فرصة حقيقية ليصبح الذراع الاستثماري الرئيسي للدولة، بشرط إعادة هيكلة دوره وتحديد أولوياته بوضوح، حيث أن أولى الخطوات في هذا الاتجاه يجب أن تتمثل في وضع استراتيجية واضحة توازن بين تعظيم قيمة الأصول من خلال التشغيل والاستثمار الحقيقي أو الشراكة مع القطاع الخاص بالشكل المدروس الذي يحقق أعلى عائد ممكن.

كما أن تحقيق الاستقرار الإداري للصندوق هو خطوة لا تقل أهمية، حيث أن استمرار التغييرات المتكررة في قيادته يضعف قدرته على تنفيذ رؤية طويلة المدى، وكذلك يجب إعادة النظر في آلية نقل الأصول إليه، بحيث لا تكون عملية تلقائية قائمة على نقل الملكيات فقط، بل وفق دراسات دقيقة تحدد كيفية تحقيق الاستفادة القصوى من كل أصل على حدة، سواء عبر تطويره وتشغيله أو عبر آليات أخرى تضمن تعظيم العائد منه.

 

 تحسين البيئة الاستثمارية العامة

وأؤكد كذلك أن تعزيز الشراكات الاستراتيجية هو مسار آخر يجب أن يحظى بأولوية قصوى في المرحلة المقبلة، حيث أن الاعتماد على جذب الاستثمارات الأجنبية فقط قد لا يكون كافيًا في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية الراهنة، وهنا يمكن للصندوق تبني أدوات مالية أكثر ابتكارًا تضمن إدارة وتنفيذ مشروعاته بكفاءة أعلى.

وفي الوقت ذاته، فإن تحسين البيئة الاستثمارية العامة عبر تخفيف القيود التشريعية والإدارية سيسهم في خلق مناخ أكثر جاذبية لتطوير أداء الصندوق وتركيز مهامه واستغلال قدراته المالية بعيدا عن السجالات السياسية والإدارية، بحيث يمكن على المدى الطويل، أن يتحول إلى البديل الأمثل لكل من وزارة قطاع الأعمال العام وبنك الاستثمار القومي، ليصبح وقتها الأداة الرئيسية للدولة في إدارة الأصول العامة وتوجيه استثماراتها.

وتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي للغاية في تقديري يتطلب في البداية تحولًا جوهريًا في طريقة عمله، بحيث لا يُنظر إليه ككيان يتعامل مع الأصول بالقطعة، بل كمؤسسة استثمارية لديها رؤية واضحة لإدارة الثروة السيادية للبلاد، وحينها فقط يمكن للصندوق أن يكون أكثر من مجرد كيان يستحوذ على الأصول دون نتائج ملموسة، ليصبح بالفعل أداة فعالة لإعادة هيكلة وإدارة موارد الدولة بكفاءة، وبما يحقق الاستفادة القصوى من إمكاناتها الاقتصادية.

Short Url

showcase
showcase
search