علاء عصام يكتب.. التحكم في التوزيع والتسعير ومحاربة المنتج المحلي.. "إجرام احتكاري"
الأربعاء، 19 فبراير 2025 05:09 م

علاء عصام
علاء عصام
تعيش مصر والمنطقة العربية، ظرفًا اقتصاديًا واجتماعيًا، بسبب ويلات الحروب والصراعات المذهبية، وإجرام الاستعمار الصهيوني المدعوم أمريكيًا، ما جعل حياة المواطنين “ضنكًا ومرارًا”، وعلى الرغم من ذلك، يعبث تجار الحروب والمحتكرين بحياة الناس، دون أي شعور وطني أو إنساني.
وبنظرة عميقة لمدعي التسويق الحر وحرية المنافسة، نجد أن هناك مجموعة من المحتكرين في مختلف المجالات، يأخذون توكيل بيع منتجات مستوردة عالميةً حصرًا، ويتحكمون في السوق تمامًا، بداية من احتكار مواقع الاستيراد، مرورًا بالتحكم في عرض السلع، والتي يستوردونها للمحلات الكبرى والصغرى بالمحافظات والأسواق، وصولًا إلى التحكم في السعر، حسبما يروق لهم من أرباح.
وهناك أمثلة عديدة على ذلك، ففي مجال الأخشاب، يشتري هؤلاء المحتكرين، غابات أسواق الخشب، ويعقدوا اتفاقات مع منتجين الأخشاب في الخارج، على ألا ينافسهم متوسطي المستوردين، في الحصول على الخشب من روسيا ودولٍ أخرى.
ويصل الأمر إلى منع مستوردين متوسطين وصغار مصريين آخرين من الاستيراد من هذه الدول بشكل غير معلن، مما يؤدي إلى استمرار المحتكرين الكبار في تحكمهم في السعر، ويحصلون على أكبر قدر من الأرباح، حيث يضيع المستهلك، بسبب غياب المنافسة الحقيقية عكس ما يدعون، وهو الأمر الذي يتطلب من الحكومة، أن تفرض حصة استيراد عادلة لمختلف الشركات، فضلًا عن حد أقصى من الكميات من هذه الدول، حتى نمنع احتكار توزيع المنتج، وهذا القرار، يجب أن يسري على استيراد مختلف السلع.
وعلى مستوى السلع الغذائية والأجهزة الكهربائية، نجح المحتكرين في التحكم في عرض منتجاتهم المستوردة، على أرفف المحال الكبرى والصغرى، عن طريق البيع بالأجل والتسهيلات، والتي يحصلوا عليها من الشركات الدولية الكبرى المصدرة.
وإذا خرج أصحاب المحال عن المتعارف عليه، وقاموا بعرض سلع غذائية محلية الصنع تؤثر على حصة بيع السلع المستوردة، يقوم هؤلاء الوكلاء، بمعاقبة أصحاب المحال، من خلال عدم بيع السلع لهم بالأجل، ولأننا نستورد أكثر مما نصنع، أصبح أصحاب المحلات، مضطرون بالتسليم كليةً للوكلاء والمستوردين، والذين يتحكمون في السلع المعروضة، داخل المحال وأسعارها بشكل يومي.
ووصل الأمر إلى رفض هؤلاء الوكلاء، عن طريق مسؤولي توزيع السلع المستوردة العاملين في شركاتهم، منع عرض سلع محلية الصنع وجيدة الجودة على أرفف المحلات بالريف، فإذا كانت أسعارها وجودتها تؤثر على بيع منتجاتهم المستوردة، بداية من علب الجبن إلى زجاجات الزيت، ومرورًا بمساحيق الغسيل، وصولًا إلى كل ما يعرض في السوبر ماركت ومحلات بيع الأجهزة الكهربائية.
وإذا لم يسمع أصحاب المحلات تعليماتهم، فلن يجدوا سلع بعروض جيدة يبيعوها، حيث أصبح هؤلاء الوكلاء المستوردون المحتكرون، يتحكمون في الأسواق التي تبيع السلع الأساسية بشكل كامل، بداية من الحصول على السلع من الخارج، مرورًا بالتحكم في شبكة التوزيع، وصولًا إلى وضع حد أدنى للربح، مهما زاد سعر الدولار، أو انخفض، وطبعًا لا حد أقصى للربح.
ويشهد كذلك سوق استيراد السيارات والموتوسيكلات، سواءًا عن طريق استيراد سيارة كاملة من الخارج، أو تجميع قطع غيارها في مصر ذات الأساليب، حيث يحصل هؤلاء المجمّعين، على امتيازات جمركية ضخمة لمجرد أنهم يجمعون قطع غيار سيارات أجنبية داخل مصر.
ويأتي لهم هذا الدعم، بحجة تشغيل عمالة مصرية، في حين أن المجمعين وأصحاب شركات السيارات العالمية، هم المستفيدون في الأساس من انخفاض تكاليف أجرة العامل، والرسوم الجمركية المخفضة لدخول سياراتهم “مفككة” للسوق المصري، وطبعًا الجميع يعلم نسبة المكون المحلي في صناعة السيارات، ومختلف المنتجات التي لا تتجاوز 40%، إلا أن جزءًا كبيرًا منها يقتطع لدور العمالة المصرية في التجميع، وبعد كل هذه الامتيازات، يظل سوق السيارات يشهد ارتفاعًا في أسعار السيارات وقطع الغيار، وحتى الصيانة التي يربح منها الوكلاء أكثر من بيع السيارات، دون مواجهة حقيقية من الحكومة.
وللأسف تخرج علينا الحكومة كلما ترتفع الأسعار، لتخيف السياسيين والمواطنين، بخطورة تدخل الدولة وقمع حرية المنافسة، لكن في الحقيقة؛ ما يحدث في السوق المصري هو احتكار مدوٍ، بدأ منذ بيع مصانع وشركات الدولة في السبعينيات والثمانينات والتسعينيات بأبخس الأسعار، لقطاعٍ خاصٍ محليٍ وأجنبيٍ في أغلبه غير منتج، حتى نجح هذا القطاع الخاص الريعي، في تبوير أي قلعة إنتاجية، تنافس منتجات الخارج المستوردة، والتي يحتكرون استيرادها حصرًا في مختلف السلع، وهي كثيرة للغاية.
وطبعًا لا أنكر دور الدولة في تطوير شركتي الغزل والنسيج والنصر للسيارات، وغيرها من المشروعات في مواجهة هؤلاء المحتكرين، وهو الأمر الذي سيساهم في تقليص احتكار بيع وتوزيع السلع، لكن إلى أن تستطيع الدولة إنتاج مختلف السلع بهدف إشباع السوق المحلي أو التصدير؛ مازالت هناك خطوات وقرارات يجب اتخاذها في مواجهة هذه الاحتكارات، والتي كلما تتنامي تتعطل رؤية الدولة للتصنيع والتصدير، حيث يعاني المواطنين يوميًا، من ارتفاع الأسعار وتضاربها، وفي المقال القادم، نطرح رؤيتنا في مواجهة الاحتكارات.
Short Url
الخبير الاقتصادي شريف دلاور يكتب: مصر تستحق تقسيط الديون بآجال طويلة من صندوق النقد
20 فبراير 2025 02:49 م
رمزي الجرم يكتب: مصر تطمح لمستقبل أفضل في مجال الطاقة النظيفة
11 فبراير 2025 10:12 ص
علاء عصام يكتب.. تأثير الاصطفاف الشعبي والاستقرار السياسي على التنمية الاقتصادية
01 فبراير 2025 05:02 م


أكثر الكلمات انتشاراً