دكتور تامر مؤمن يكتب.. كيف نُحوّل تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى محرك للتنمية في مصر؟
الأحد، 23 فبراير 2025 11:34 ص

الدكتور تامر مؤمن
دكتور: تامر مؤمن
تشكل المشروعات الصغيرة والمتوسطة (MSMEs)، حوالي 80% من الناتج المحلي الإجمالي المصري، وتُعد ركيزةً لتحقيق الاستراتيجيات الوطنية من توطين الصناعة إلى خفض البطالة، ومع ذلك، تُعاني هذه المشروعات، من فجوة تمويلية تُقدر بـ 240 مليار دولار في المنطقة العربية، وفقًا لصندوق النقد العربي، تتفاقم في مصر بسبب التحديات الهيكلية والاقتصادية الراهنة. فكيف يمكن تحويل التمويل من "عقبة" إلى "قاطرة" للتنمية؟
على الصعيد العالمي: -
وطبقًا لتقرير الأمم المتحدة في إطار الاحتفالات بيوم المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لعام 2024م، بات من الواضح أننا على بُعد ست سنوات فقط، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، قبل حلول عام 2030م، مع بقاء التقدم في مسارٍ متأخر، إذ تواجه العديد من الدول تحديات تنموية معقدة وفريدة، تتمثل في ارتفاع تكلفة المعيشة، وتضاؤل الحيز المالي، والمعوقات التي تحول دون الوصول إلى مصادر جديدة للتمويل الإنمائي وتمويل المناخ، إضافة إلى النزاعات المستمرة، حيث تزداد هذه التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بما يؤدي إلى تفاقم مشكلات الفقر والجوع.
على الصعيد المحلي: -
في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر، أزمة حقيقية في الحصول على التمويل اللازم، ما يُثقل كاهل أصحابها ويعيق قدرتها على النمو والتوسع، ففي كثير من الحالات، ترتفع أسعار الفائدة إلى نسب قد تصل إلى أكثر من 30%، وهو معدل يعتبر باهظًا بالنسبة للشركات الناشئة، التي تعتمد في الغالب على التمويل الذاتي.
ويتفاقم الوضع في ظل تقلبات سعر الصرف، إذ ارتفع الدولار مقابل الجنيه من حوالي 15.9 جنيه إلى ما بين 49 و50 جنيه في الوقت الراهن، إضافةً إلى ذلك، يُعد نقص الضمانات الكافية والإجراءات الإدارية والبيروقراطية المُعقدة، من العوامل الأساسية التي تُعيق وصول هذه المشروعات إلى قنوات التمويل التقليدية، مما يزيد من تكلفة الاقتراض ويضع ضغوطًا إضافية على المشروعات التي تسعى إلى الاستقرار المالي، وتحقيق نمو مستدام.
وتشير أحدث التقارير الرسمية للبنك المركزي المصري، إلى أن قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة، تُشكّل ما يقارب 18 إلى 20%، من إجمالي القروض المصرفية في مصر، مقارنةً بمعايير عالمية تتراوح نسبها، بين 18% و22%، وهذه النسبة تعكس الجهود المستمرة، لتعزيز الشمول المالي ودعم هذه الفئة الحيوية، والتي تُعتبر ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية في البلاد.

وأوضح البنك المركزي المصري، أن المحافظ التمويلية للبنوك الموجهة للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، نمت بنسبة 362% في 3 سنوات خلال الفترة من (ديسمبر 2020م-ديسمبر 2023م)، كما ساهمت التعليمات الصادرة في فبراير 2021م، بزيادة النسبة الإلزامية لتصل إلى 25%، وتوجيه نسبة 10% منها للمشروعات الصغيرة، في تحقيق نمو كبير في محفظة التمويل متناهي الصغر المصرفي وغير المصرفي، لتصل إلى 87.5 مليار جنيه بنهاية ديسمبر 2023م، حيث تم رفع الحد الأقصى لتمويلات المشروع إلى 220 ألف جنيه للمشروع الواحد.
وارتفع إجمالي عدد المستفيدين، ليصل إلى 87.5 المليون، مستفيدًا بنهاية ديسمبر 2023م، مقارنة 6.4 ملايين مستفيد بنهاية ديسمبر 2016م، وسجلت أبرز مؤشرات النمو في محفظة المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة (ديسمبر 2020م– ديسمبر 2023م) نموًا بنسبة 71% للمشروعات متناهية الصغر، و58% للمشروعات الصغيرة، و56% لتمويلات مشروعات محافظات الصعيد، و71% لمحافظات الدلتا، و50% لأنشطة القطاع الصناعي و39% للقطاع الزراعي.
وعلى صعيد ريادة الأعمال، أطلق البنك المركزي مبادرة رواد النيل في فبراير 2019م، بالشراكة مع جامعة النيل وجامعات مصرية أخرى، وعددًا من الجهات المحلية والدولية، بهدف دعم ريادة الأعمال والمشروعات الناشئة والصغيرة، وقد تم إنشاء نحو 82 مركز خدمات تطوير للأعمال، وتم تقديم 430 ألف خدمة غير مالية، استفاد منها 147 ألف عميل ومشروع، 66% منها للذكور، و34% منها للسيدات.
وبلغ حجم التمويلات 6.3 مليارات جنيه، تم تيسير الحصول عليها لعدد 9 آلاف عميل، كما استفاد 291 شركة ناشئة /رائدة أعمال من برامج ما قبل الاحتضان وحاضنات ومسرّعات الأعمال، و832 شركة صغيرة ومتوسطة من برامج التحول الرقمي والدعم الفني، وبلغ حجم الزيادة في إيرادات الشركات المستفيدة، نحو 2.2 مليار جنيه، بينما استفاد نحو 12 ألف مستفيدٍ، من برامج التعليم والتدريب.
الواقع: أرقام تُنذر بفجوةٍ تمويلية مُتسعة
وبالرغم من تعدد القنوات التمويلية المتاحة – من بنوك ومؤسسات حكومية وجهات تمويل غير مصرفية وآليات التمويل الجماعي وغيرها – يظل الواقع مَريرًا، إذ تُشير إحصائيات البنك الدولي، إلى أن قرابة 77% من المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر، تعتمد على التمويل الذاتي أو القروض العائلية، حيث لا يعزى هذا الأمر إلى ندرة الموارد، بل إلى اختلالات هيكلية عميقة الجذور تتجلى في:- (التكلفة الباهظة للتمويل، والافتقار إلى سجلات مالية مُدققة)، إذ يُشكل القطاع غير الرسمي نحو 80% من المشروعات، ولا يملك سجلات مالية مُدققة سوى 6% منها، ما يفاقم المخاطر الإقراضية، ويُجبر البنوك على التشدد في اشتراط الضمانات، والتي يعجز عن توفيرها نحو 65% من أصحاب هذه المشروعات.
ولمواجهة هذه المعضلة المتأصلة، لا تفي الحلول التقليدية بمجابهة تعقيدات المشهد، بل يستلزم الأمر تبني نموذجًا تمويليًا مرنًا ومبتكرًا، يستلهم من خصوصية الاقتصاد المصري، ويستند إلى ركائز من الحلول الخلاقة والواقعية، التي تتناغم مع ثقافة وإمكانيات المستثمرين ورواد الأعمال في مصر.

نحو نموذجٍ تمويلي مرن ومبتكر: ركائز أساسية
يتجلى جوهر هذا النموذج، في تبني مجموعة من الركائز المترابطة، والتي تسعى إلى تذليل عقبات التمويل، وتحويلها إلى محرك ديناميكي للتنمية، وتشمل هذه الركائز:-
1. إنشاء مؤشر قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة "SMEs Industry Index": نافذة على الفرص والإمكانات
وهنا، أقصد تسخير قوة البيانات والتحليلات التنبؤية، لإنشاء مؤشرٍ قطاعيٍ متكاملٍ، يكون بمثابة مرجعٍ موثوقٍ لصناع القرار والجهات التمويلية والمستثمرين على حدٍ سواء، كما يعتمد هذا المؤشر، على توظيف البيانات الضخمة، لتحليل أداء المشروعات وتقييم المخاطر بمنهجية دقيقة، مما يتيح للدولة وصانعي السياسات والجهات المانحة، رؤية شاملة وشفافة لعملية التمويل وتوثيق المعاملات المالية، ويعزز كذلك ثقة المستثمرين والجهات التمويلية المختلفة.
فمن خلال هذا المؤشر، تتجسد أمام صانعي القرار -سواءًا كانت الجهات الحكومية والتشريعية، أو الجهات التمويلية والمستثمرين- صورة موحدة تعكس بدقة إمكانات وفرص القطاع الحيوي، والذي يمثل أكثر من 80% من الاقتصاد الوطني، كما يعد أحد الدعائم الأساسية لتنفيذ استراتيجية توطين الصناعة المصرية، بما يساهم في توحيد الرؤى والاستراتيجيات والمبادرات المتنوعة.
إن إنشاء هذا المؤشر، ليس مجرد أداةٍ لقياس الأداء، بل هو بصمة استراتيجية، تسهم في دعم وتحقيق أهداف توطين الصناعة، من خلال توفير بيانات آنية وموثوقة، وتقييم دوري للأداء، وتوجيه رشيد للاستثمارات، وتعزيز القدرة التنافسية، ودعم قرارات مستنيرة تستند إلى الأدلة والبراهين.
2. تبنى النهج المعتمد على العميل "Customer-Centric Approach”: شراكات وثيقة ودعم مُخصص
يتجلى هذا الركن، في تبني نهجٍ يضع العميل في صميم الاهتمام، من خلال تمكين مديري العلاقات المتخصصين في أقسام المشروعات الصغيرة والمتوسطة داخل البنوك وجهات التمويل، من بناء شراكات متينة قائمة على الفهم العميق لتحديات هذه المشروعات، ويتعدى دور مديري العلاقات هنا، مجرد تقديم المنتجات التمويلية، ليشمل تقديم التوجيه والدعم الفني المُخصص، والذي يتناسب مع طبيعة كل نشاط، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.
3. باقات تمويل مصممة خصيصًا "Customized Lending Programs”: حلول مرنة ومتنوعة
يستلزم الأمر، تطوير باقات ومنتجات تمويلية مُفصلة تعالج بشكل مباشر نقاط الضعف، والتي تعاني منها المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث يجب أن تتميز هذه الباقات، بموافقات قروض مُخصصة تراعي الظروف الفريدة لكل مشروع، وشروط سداد مرنة تتناغم مع التدفقات النقدية، وإدارة مَحافظ تمويل ديناميكية وفعالة، ويُعد هذا النهج نقلة نوعية نحو التقليل من الاعتماد على فكرة المنتج التمويلي ذي الشروط الثابتة، والذي يُفترض أن يلائم كافة القطاعات، لصالح حلولٍ أكثر مرونة وتكيفًا مع الاحتياجات المتطورة لعملاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
4. إطلاق برامج دعم فني وتدريبي متكاملة: تمكين رواد الأعمال ورفع الكفاءة
يُعد إنشاء مراكز استشارية متخصصة ضرورة حتمية، لتوفير التدريب المتكامل في مجالات الإدارة المالية، والتسويق الحديث، واستخدام التكنولوجيا المتطورة، وتهدف هذه المراكز إلى تمكين رواد الأعمال، من تحسين إدارة مشروعاتهم وجذب التمويل بكفاءة، ويتجاوز هذا الدعم، مجرد التوجيه الفني النظري، ليشمل ورش عمل تطبيقية لتنمية مهارات التفاوض الفعال مع الجهات التمويلية.
5. تحفيز الابتكار في أدوات الضمان والائتمان: نماذج بديلة وضمانات ذكية
وللتغلب على معضلة الضمانات التقليدية، يمكن تبني نماذج ضمان بديلة ومبتكرة، مثل استخدام العقود الذكية والضمانات القائمة على البيانات المالية الفعلية للمشروعات، حيث تتيح هذه الآليات للمستثمرين، تقديم قروضٍ دون الحاجة إلى ضمانات تقليدية يصعب الحصول عليها، وهو ما يمثل نقلة نوعية قابلة للتطبيق في الاقتصاد المصري، مع مراعاة خصوصيات السوق المحلية.
وخير دليل على جدوى هذا التوجه، هو النماذج الناجحة لشركات مصرية وسعت نطاق أعمالها من خلال اسْتِحْوَاذَاتٍ استراتيجية، لتعزيز خدماتها المالية، ما يؤكد إمكانية استخدام نماذج التمويل البديل، لتحقيق توسعٍ ملحوظٍ في الوصول إلى رأس المال.
وختامًا يمكننا القول، إن توفير قنوات تمويل ميسرة وفعالة، وتبني تقنيات مالية حديثة، حجرُ الزاوية في إعادة تشكيل ملامح الاقتصاد الوطني، فمن شأن هذه الإجراءات، أن تسهم في تعزيز القدرة التنافسية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحقيق التنمية المستدامة التي تتسق مع رؤية مصر 2030م، ويُتطلب لتحقيق هذه الغاية، تضافر الجهود وتوثيق التعاون بين الجهات الحكومية والمؤسسات المالية ورواد الأعمال، لضمان التطبيق الفعال والواقعي، لهذه الاستراتيجيات على أرض الواقع.
Short Url
إصرار ترامب على تهجير الفلسطينيين.. كاريكاتير جديد لـ "إيجي إن"
22 فبراير 2025 12:21 م
شريف دولار مستشار منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية سابقًا ينضم لكتّاب "إيجي إن"
22 فبراير 2025 11:42 ص
الخبير الاقتصادي شريف دلاور يكتب: مصر تستحق تقسيط الديون بآجال طويلة من صندوق النقد
20 فبراير 2025 02:49 م


أكثر الكلمات انتشاراً