السبت، 26 أبريل 2025

01:10 ص

«طلقة واحدة»، صراع مشتعل بين الهند وباكستان يجر الكوكب لانهيار اقتصادي شامل

الجمعة، 25 أبريل 2025 03:20 م

الحرب بين الهند وباكستان

الحرب بين الهند وباكستان

تحليل/ كريم قنديل

في منطقة تعجّ بالتوترات منذ ما يزيد عن سبعة عقود، انفجرت في الأيام الماضية أزمة غير مسبوقة بين الجارتين النوويتين، الهند وباكستان، إثر هجوم دموي على سياح مدنيين في كشمير راح ضحيته العشرات. 

الحرب بين الهند وباكستان

ولكن ما بدأ كحادث أمني محدود، تحوّل سريعًا إلى واحدة من أخطر المواجهات الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين، حيث سقطت الخطوط الحمراء، وتحوّل النزاع من أزمة دبلوماسية إلى حافة الانفجار العسكري النووي.

غير أن الخطر لا يقتصر على تبادل إطلاق النار أو حتى صواريخ نووية تهدد جنوب آسيا فقط، بل يحمل في طياته تسونامي اقتصادي قد يضرب الاقتصاد العالمي بأكمله، من أسواق الطاقة إلى الأمن الغذائي، ومن الاستقرار المالي في الأسواق الناشئة إلى مستقبل سلاسل الإمداد العالمية.

ما وراء التصعيد.. بداية من كشمير وصولًا إلى التهديد بقطع شريان الحياة

الهجوم الذي وقع يوم 22 أبريل في منطقة وادي بيساران السياحية بكشمير، وأسفر عن مقتل 26 سائحًا هنديًا، لم يكن مجرد حادث إرهابي معزول، بل كان الشرارة التي فجّرت برميل بارود العلاقات المتوترة أصلًا بين نيودلهي وإسلام آباد.

الحكومة الهندية سارعت إلى تحميل المسؤولية لـ"لشكر طيبة"، وهي جماعة تتخذ من باكستان قاعدة لها، واتهمت الجيش الباكستاني ضمنيًا بتوفير الدعم اللوجستي للهجوم، ومن هنا، بدأ تصعيد خطير على مستويات عدة، قطع العلاقات الدبلوماسية، تعليق اتفاقيات تاريخية، إغلاق الحدود، وطرد متبادل للدبلوماسيين.

ولكن اللحظة الأشد خطورة كانت حين أعلنت الهند تعليق العمل بـاتفاقية مياه نهر السند التي وُقّعت عام 1960 برعاية البنك الدولي في سابقة تاريخية تنذر بكارثة وجودية لباكستان، التي تعتمد على هذا النهر بنسبة تتجاوز 90% من مياه الزراعة والشرب.

الحرب بين الهند وباكستان

الأمن الغذائي في خطر.. باكستان على حافة المجاعة

إن تأثير تعليق اتفاقية السند على الاقتصاد الباكستاني لا يُقاس بالأرقام فقط، بل بالبقاء نفسه، فالهند تُسيطر على منابع نهر السند، ومجرد تهديد بتحويل مجراه أو تقليل تدفقه يُمكن أن يؤدي إلى جفاف واسع في باكستان، وتوقف إنتاج الحبوب، وارتفاع أسعار الغذاء إلى مستويات قياسية.

في بلد يعيش فيه أكثر من 230 مليون نسمة، ويعتمد غالبية سكانه على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل والغذاء، فإن نقص المياه يعني ببساطة انهيار الاقتصاد الزراعي، وانتشار المجاعة، وتضخم مفرط يمكن أن يؤدي إلى انهيار العملة المحلية، وزيادة ديون البلاد، وتمرد اجتماعي داخلي.

نهاية التجارة الثنائية.. وسلاسل التوريد في مهب الريح

مع إعلان الطرفين إغلاق الحدود، ووقف التجارة بكل أشكالها، فإن الصناعات التي تعتمد على مدخلات من كلا الجانبين ستتضرر بشدة، ومنها:

  • المنسوجات: باكستان من أكبر مصدّري القطن والغزل.
  • الأدوية: الهند تسيطر على نسبة ضخمة من سوق الأدوية العالمي.
  • الشاي والأرز والتوابل: صادرات حيوية تتأثر سلبًا بتوقف التجارة.

وسينعكس ذلك على سلاسل التوريد العالمية التي تمر عبر المنطقة، خصوصًا في ظل تركّز مصانع ضخمة في الهند تزود شركات تقنية وعقاقير حول العالم، أي خلل في هذه السلاسل يعني تأخير الإنتاج وارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية.

الهند وباكستان

أسواق المال تتأرجح.. والروبية في مهب الريح

الأسواق المالية في جنوب آسيا لم تتأخر في الرد، البورصات الهندية والباكستانية سجلت تراجعًا حادًا، وعملتا البلدين هبطتا أمام الدولار، وسط قلق المستثمرين من تحول الأزمة إلى صراع طويل الأمد.

الهند، رغم اقتصادها الأسرع نموًا في العالم حاليًا، بدأت تشهد نزوحًا للأموال الأجنبية، وتراجعًا في شهية الاستثمار المباشر، مع تخوّف المؤسسات المالية من تعطّل النمو بسبب التوتر العسكري، وارتفاع النفقات الدفاعية، وتراجع ثقة المستهلك.

أما باكستان، فهي أصلًا تعاني من أزمة ديون خانقة، وعجز تجاري، واحتياطات نقد أجنبي شحيحة، وأي تصعيد جديد سيضع اقتصادها الهش أمام اختبار قد لا يصمد فيه طويلاً، مما قد يدفعها إلى التخلف عن السداد أو انهيار مالي محتمل.

النفط والطاقة.. قنبلة موقوتة في سوق هش 

جنوب آسيا منطقة استراتيجية تمرّ عبرها مسارات الطاقة الدولية، كما تمثّل الهند سوقًا ضخمة للنفط والغاز، وثاني أكبر مستورد للنفط في العالم، إذا اندلعت حرب، فإن خطر استهداف منشآت نفطية أو تعطيل حركة الملاحة في المحيط الهندي أو بحر العرب قد يؤدي إلى:

  • ارتفاع أسعار النفط عالميًا بنسبة قد تتجاوز 15-20% خلال أيام.
  • زيادة تكلفة الشحن نتيجة المخاطر الأمنية.
  • نقص الإمدادات إلى آسيا وأوروبا، مما يدفع الاقتصاد العالمي إلى حافة الركود التضخمي.
الحرب النووية

سيناريو الحرب النووية.. والشتاء الاقتصادي العالمي

الخطر الأكبر يكمن في وجود ترسانتين نوويتين بحوزة الهند (160 رأسًا نوويًا) وباكستان (170 رأسًا)، أي تصعيد خارج السيطرة يمكن أن يتحول من حرب تقليدية إلى ضربة نووية تكتيكية أو شاملة، والنتائج لا يمكن وصفها بالكلمات:

  • دمار شامل للبنية التحتية في المدن الكبرى.
  • نزوح ملايين اللاجئين إلى الدول المجاورة.
  • شتاء نووي محتمل يضرب مناخ الكوكب، ويؤدي إلى انخفاض إنتاج الغذاء عالميًا.
  • سقوط أسواق المال العالمية، ودخول في ركود اقتصادي طويل الأمد.

العالم يراقب بصمت.. فأين التدخل الدولي؟

ما يُثير القلق بشكل أكبر أن الأسرة الدولية لم تتحرك حتى الآن بشكل فاعل، لا وساطات، لا جلسات عاجلة في مجلس الأمن، ولا مبادرات تهدئة من القوى الكبرى.

الهند مدعومة من الولايات المتحدة، في إطار استراتيجيتها لمواجهة النفوذ الصيني في آسيا، بينما تحظى باكستان بدعم تقليدي من الصين، وبالتالي فإن أي تدخل مباشر أو غير مباشر قد يحوّل الأزمة إلى صراع دولي متعدد الأطراف، بما يشبه نسخة آسيوية من الحرب في أوكرانيا، لكن هذه المرة بنكهة نووية.

الهند وباكستان

نحن أمام لحظة فارقة

الاقتصاد العالمي، المُثقل أصلًا بآثار كورونا، وارتفاع أسعار الفائدة، وتباطؤ التجارة، لا يحتمل أزمة جديدة بهذا الحجم، فكل ما يحتاجه الوضع الآن هو غلطة واحدة، رصاصة طائشة، أو صاروخ عبر الحدود، أو تصريح ناري، ليشتعل فتيل حرب لا رجعة فيها.

والسؤال الذي يُطرح الآن على طاولة كل محلل اقتصادي، وصانع قرار، ورجل أعمال، ومواطن عادي، هل العالم على استعداد لدفع فاتورة هذه الحرب؟

Short Url

showcase
showcase
search