العقار في الصين، العملاق الجريح على أعتاب عام مصيري
الإثنين، 21 أبريل 2025 08:30 ص

العقارات الصينية
تحليل/ كريم قنديل
منذ بداية 2025 وحتي الآن، يتجه أنظار المستثمرين وصناع القرار الاقتصادي نحو الصين، حيث يواصل سوق العقارات أحد أعمدة النمو لعقود هبوطه البطيء والمؤلم، في مشهد يبدو أنه يعيد كتابة تاريخ ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

فبعد سنوات من الازدهار الهائل الذي حول المدن الصينية إلى غابات من ناطحات السحاب، يواجه القطاع العقاري الآن أسوأ أزماته منذ عقود، وعلى الرغم من محاولات الإنعاش المتكررة التي أطلقتها الحكومة، إلا أن المؤشرات تشير إلى أن الأزمة لم تبلغ قاعها بعد.
الانتعاش الزائف.. ومخدر الحوافز المؤقتة
شهد عام 2024 انتعاشًا خجولاً في أسهم شركات التطوير العقاري، مدفوعًا بحزم دعم مؤقتة وضغوط حكومية محلية، لكن هذا الانتعاش بدأ يفقد زخمه مع نهاية العام، حيث سجل مؤشر العقارات ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 2.5%، بعد أربع سنوات من الخسائر المتتالية، إلا أن هذا الرقم لا يعكس حقيقة الصورة القاتمة خلف الكواليس.
إن التحسن في أسعار الأسهم قد يكون قصير الأجل، فالمبيعات ما زالت ضعيفة، وثقة المشترين شبه معدومة، وملايين الوحدات السكنية لا تزال غير مكتملة، ما يجعل السوق في حالة من الشلل المزمن.
وفيما تتوقع وكالة "فيتش" تراجعًا إضافيًا بنسبة 5% في أسعار المنازل خلال 2025، فمن الممكن أن المبيعات قد تنخفض بنسبة 12%، ما يؤكد أن السوق لا يزال في مرحلة الهبوط دون كوابح حقيقية.
دروس من اليابان.. هل تُكرر الصين نفس الخطأ؟
العديد من المحللين يرون أوجه تشابه مقلقة بين ما يحدث اليوم في الصين، وما واجهته اليابان في ثمانينيات القرن الماضي، ارتفاعات ضخمة في الأسعار، ضخ سيولة غير محسوبة، ثم انفجار فقاعة لم تتعافَ منها طوكيو حتى اليوم.
الصين قد تدخل مرحلة من الانكماش العقاري طويل الأمد على طريقة اليابان، والسبب؟ فائض في المعروض، تراجع في الطلب، وديون مهولة تضعف قدرة المطورين على إكمال مشاريعهم أو حتى إعادة هيكلة التزاماتهم.

الناجون، شركات ذات صلة بالحكومة تتقدم المشهد
في خضم هذا الانهيار البطيء، يبدو أن الشركات العقارية التي تمتلك علاقات وثيقة مع الدولة، مثل China Overseas Land وChina Resources Land، هي الوحيدة التي قد تخرج من الأزمة أكثر قوة، إن هذه الشركات قد تزداد حصتها في السوق مع تسارع اندماج الشركات خلال 2025، خاصة في ظل سعي المطورين من القطاع الخاص إلى خفض المديونية وإنهاء المشاريع العالقة.
لكن حتى هذه الشركات ليست بمنأى عن الضغوط، إذ أن التحديات الهيكلية التي يعاني منها السوق من تراجع الثقة إلى الفائض في المخزون تجعل أي تفاؤل تكتيكيًا وليس استراتيجيًا.
أزمة إيفرغراند، الرمز المنهار
ولا يمكن الحديث عن أزمة العقارات في الصين دون ذكر "إيفرغراند"، الشركة التي كانت يومًا ما مرادفًا للنجاح العقاري الصيني، وتحولت اليوم إلى رمز للديون والانهيار.
بديون تتجاوز 300 مليار دولار، ومحاولات مستميتة لإعادة الهيكلة لم تجدِ نفعًا، تكافح إيفرغراند لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال بيع الأصول أو تأجيل السداد، لكن شح الطلب يزيد الطين بلة.
إن أزمة إيفرغراند أضرت بثقة المستثمرين في السوق بالكامل، مشبهًا إياها بالدواء المُرّ الذي كشف هشاشة النموذج العقاري القائم على التوسع بالدين، دون غطاء كافٍ من الطلب الحقيقي أو السيولة المستدامة.
محاولات الإنقاذ، هل فات الأوان؟
رغم كل هذه التحديات، لم تقف الحكومة الصينية مكتوفة الأيدي، فقد أعلنت عن إجراءات مثل تخفيض متطلبات الدفعة الأولى للمشترين، وتقديم تسهيلات ائتمانية لمشاريع معينة، حتى الحكومات المحلية في مدن مثل شنغهاي وبكين دخلت على الخط بتخفيف القيود على الشراء.
إن هذه الخطوات ما زالت غير كافية، الأرقام لا تكذب، الاستثمار في العقارات تراجع بنسبة 10.3% في أول عشرة أشهر من 2024، ومبيعات العقارات انخفضت بنسبة 20.9%، بينما ارتفع المخزون غير المباع بنسبة 12.7%.

2025.. عام الحقيقة
السؤال الآن: هل يكون عام 2025 هو عام الانفراج أم الانفجار؟
هناك من يراهن على أن المزيد من الدعم الحكومي قد يدفع بالسوق نحو الاستقرار النسبي، خصوصًا إذا استطاعت الدولة دمج الشركات المتعثرة، وتحقيق توازن بين الرقابة المالية والنمو.
لكنّ آخرين، ومن بينهم مؤسسات مالية كبرى، يرون أن حجم الأزمة يتجاوز قدرة الدولة على السيطرة الكاملة، خصوصًا مع تباطؤ النمو الاقتصادي في قطاعات أخرى.
مستقبل العقار في الصين على المحك
بين أمل الإصلاح ومخاطر الانهيار، يبقى السوق العقاري في الصين أحد أبرز التحديات التي ستحدد مستقبل الاقتصاد العالمي خلال السنوات القادمة، فالخطر لا يقتصر على شركات البناء فقط، بل يمتد ليشمل النظام المالي، ثقة المستهلك، وحتى توازنات الاقتصاد العالمي.
الصين تقف على حافة مفترق طرق تاريخي، والعام القادم سيكون حاسمًا في تحديد الاتجاه، هل تنجح بكين في إعادة هندسة القطاع العقاري بما يحفظ النمو ويمنع الانهيار؟ أم أن العملاق الجريح سيواصل نزيفه أمام أعين العالم؟
Short Url
الدولار المريض يربك العالم، البنوك المركزية نحو دواء لأزمة الثقة
23 أبريل 2025 08:34 م
وداعًا للسيارات، أول دولة تتخذ القرار الأكثر جرأة في العالم (تفاصيل)
23 أبريل 2025 06:29 م


أكثر الكلمات انتشاراً