الإثنين، 14 أبريل 2025

11:30 ص

من رماد الانبعاثات إلى وقود المستقبل، سباق التقنيات النظيفة في قلب مصانع الموت

الجمعة، 11 أبريل 2025 01:28 م

التغيرات المناخية

التغيرات المناخية

تحليل/كريم قنديل

في عالم يسعى جاهدًا لمواجهة التغير المناخي، يبقى القطاع الصناعي أحد أبرز العوائق أمام تحقيق الأهداف المناخية الطموحة، على الرغم من أن العديد من القطاعات الاقتصادية قد بدأت في التحول إلى تقنيات أكثر استدامة، تظل الصناعة، بفضل حجمها الضخم واحتياجاتها الكبيرة للطاقة، هي المحرك الرئيس لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

الانبعاثات الكربونية

 يعد هذا القطاع المسؤول عن ما يعادل ربع الانبعاثات المرتبطة بالطاقة في العالم، وهو ما يمثل تحديًا هائلًا أمام تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.

الواقع الصناعي.. انبعاثات ضخمة وصعوبات كبيرة في التحول

بحلول عام 2022، كانت الصناعة مسؤولة عن حوالي 9.0 جيجا طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ما يشكل ربع إجمالي الانبعاثات في النظام العالمي للطاقة، ورغم أن هناك بعض التحسينات الطفيفة في كفاءة الطاقة واعتماد الطاقة المتجددة، إلا أن تلك الخطوات كانت محدودة جدًا مقارنة بالاحتياجات الفعلية لتحقيق التحول المطلوب في القطاع الصناعي.

وفي محاولة لتقييم مدى تقدم القطاع نحو تقليل انبعاثاته، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن السيناريو المثالي لتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية (NZE) بحلول عام 2050 يتطلب خفض هذه الانبعاثات إلى 7 جيجا طن بحلول عام 2030، وهو هدف طموح في ظل التحديات الحالية. 

فما الذي يعرقل هذا التحول؟ وما هي الحلول الممكنة لتسريع وتيرة التغيير؟

تقنيات منخفضة الكربون

التقنيات منخفضة الكربون

على الرغم من أن هناك العديد من التقنيات المتاحة التي تساهم في تقليل الانبعاثات، مثل احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS) والهيدروجين، إلا أن هذه التقنيات لا تزال قيد التطوير، وأحيانًا تكون باهظة التكلفة.

علاوة على ذلك، فإن البنية التحتية اللازمة لهذه التقنيات شبه المعدومة الانبعاثات غائبة في العديد من المناطق، مما يشكل عقبة أمام التطبيق الواسع لهذه الحلول.

من المهم الإشارة إلى أن الصناعة تعتمد بشكل كبير على الأصول طويلة العمر، مثل المنشآت والمصانع، التي لا يتم استبدالها بانتظام، مما يعني أن أي تحول تقني يتطلب فترة طويلة من الزمن.

حتى عندما تتمكن الشركات من تطوير تقنيات جديدة، فإن التحول إلى هذه التقنيات يحتاج إلى استثمارات ضخمة وإعادة هيكلة للعمليات الإنتاجية، وهي عملية قد تكون بطيئة للغاية إذا لم تترافق مع سياسات حكومية تدعم هذا التحول.

انبعاثات المصانع

التطورات العالمية في مجال إزالة الكربون

أحد التطورات الإيجابية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة كان إعلان العديد من البلدان عن خطط لتقليل انبعاثات الكربون في القطاع الصناعي. 

ففي الصين، على سبيل المثال، تم تسجيل انخفاض في انبعاثات قطاعي الأسمنت والصلب بنسبة 3% في عام 2022، ما يعكس بعض التقدم في تقليل الانبعاثات في هذه القطاعات، إلا أن الانتعاش المتوقع في السنوات القادمة قد يكون محدودًا، حيث يظل التوسع في تطبيق نظام تداول الانبعاثات (ETS) في الصين متأخرًا.

من ناحية أخرى، فإن الاتحاد الأوروبي أطلق خطته الصناعية للصفقة الخضراء في فبراير 2023، حيث من المتوقع أن يبدأ العمل على آلية تعديل حدود الكربون في أكتوبر 2023، وهو ما يمكن أن يكون خطوة كبيرة نحو تحفيز الصناعة الأوروبية على التحول نحو تقنيات منخفضة الكربون. 

كما أن الولايات المتحدة قد أظهرت التزامًا قويًا من خلال قانون خفض التضخم لعام 2022، الذي يتضمن استثمارًا هائلًا في تقنيات إزالة الكربون في القطاع الصناعي، رغم هذه المبادرات إلا أن التقدم المحرز على الأرض لا يزال بطيئًا جدًا مقارنة بحجم المشكلة.

الهيدروجين الأخضر

بنية تحتية مفقودة وتكاليف باهظة

إن إحدى العقبات الرئيسة التي تواجه القطاع الصناعي في طريقه نحو إزالة الكربون تكمن في البنية التحتية المفقودة، إن التقنيات الجديدة مثل الهيدروجين واحتجاز الكربون وتخزينه تتطلب بنية تحتية داعمة قد تستغرق وقتًا طويلاً جدًا لتطويرها.

وفي العديد من المناطق، لا توجد هذه البنية التحتية، مما يعني أن التحول إلى تقنيات منخفضة الكربون سيكون مستحيلاً إذا لم يتم بناء هذه الشبكات بشكل أسرع.

تحتاج الصناعات الثقيلة، مثل صناعة الصلب والإسمنت، إلى تحديث شبكات الكهرباء بشكل كبير، بحيث يمكن تمكينها من استخدام الطاقة منخفضة الكربون، هذا التحديث يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية لتوليد الكهرباء ونقلها، وهو ما يعد تحديًا كبيرًا للعديد من الدول النامية التي تواجه صعوبات في تلبية احتياجاتها الأساسية من الطاقة.

تسريع الابتكار والاستثمار في المستقبل

من غير الممكن أن نحقق تقدمًا حقيقيًا نحو صافي الانبعاثات الصفرية بحلول 2050 إذا لم نتخذ خطوات جادة لتسريع الابتكار في التقنيات منخفضة الكربون، وزيادة التعاون بين الحكومات والشركات من أجل تسريع نشر هذه التقنيات.

وعلى الرغم من أن هناك تطورات إيجابية في بعض البلدان، إلا أن سرعة التغيير لا تتماشى مع الاحتياجات البيئية الحالية.

من الأهمية بمكان أن تتبنى الحكومات سياسات أكثر طموحًا لدعم الابتكار في القطاع الصناعي، بما في ذلك فرض ضرائب على الكربون، وتوفير حوافز مالية للشركات التي تبذل جهودًا لتحويل عملياتها إلى تقنيات منخفضة الكربون. 

الانبعاثات الصفرية

أفق غير واضح ولكن قابل للتحقيق

لا يزال الطريق أمام القطاع الصناعي طويلًا للوصول إلى تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، ولكن مع تضافر الجهود بين الحكومات والشركات والمجتمع الدولي، يمكن تحويل هذا التحدي إلى فرصة. 

التقدم في هذا المجال قد يكون بطيئًا، لكن استثمار الوقت والموارد في الابتكار والبنية التحتية سيمكن القطاع من المضي قدمًا نحو التحول المستدام الذي يهدف إلى تقليل الانبعاثات وحماية كوكب الأرض للأجيال القادمة.

بينما تشير التوقعات إلى أن تقنيات مثل الهيدروجين واحتجاز الكربون ستكون جزءًا أساسيًا من الحل، فإن غياب البنية التحتية في العديد من الأماكن يعد العائق الأكبر. 

على الحكومات أن تتحرك بشكل أسرع، وعلى الشركات أن تكون أكثر التزامًا بالتحول الأخضر إذا أردنا تجنب الوقوع في فخ التأخير الذي قد يضر بكوكبنا بشكل أكبر مما نتخيل.

Short Url

showcase
showcase
search