البناء الأخضر، كيف يُمكن تقليل 37% من الانبعاثات الكربونية وزيادة الأرباح
الأربعاء، 26 فبراير 2025 01:49 م

التحول الأخضر في البناء والتشييد
تحليل/كريم قنديل
في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، أصبح التحول الأخضر في قطاع البناء والتشييد ضرورة لا غنى عنها، حيث لم يعد مجرد توجه اختياري بل تحول إلى حاجة ملحة يفرضها الواقع البيئي والاقتصادي.
فمع تزايد الوعي البيئي، والضغوط الدولية والإقليمية للحد من التأثيرات السلبية للأنشطة البشرية على البيئة، يتجه هذا القطاع نحو تبني ممارسات أكثر استدامة، تسهم في تحسين كفاءة الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية، مما يجعله ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة.
_1787_101204.jpg)
يعتبر قطاع البناء أحد أكبر المساهمين في الانبعاثات الكربونية، حيث يمثل حوالي 37% من إجمالي الانبعاثات العالمية، وهذه النسبة الكبيرة جعلت منه هدفًا رئيسيًا للجهود البيئية العالمية، خاصة بعد توقيع اتفاقية باريس للمناخ التي تلزم القطاعات المختلفة بتقليل بصمتها الكربونية.
لكن التحول الأخضر لا يقتصر فقط على تقليل الانبعاثات، بل يمتد ليشمل تحسين كفاءة استخدام الموارد، مثل الطاقة والمياه، وتقليل النفايات الإنشائية، وهو ما يؤدي إلى تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية لا يمكن تجاهلها، إذ يسهم في خفض تكاليف التشغيل، وتحسين جودة الحياة، وتعزيز الاستدامة على مختلف المستويات.
فوائد التحول الأخضر في البناء والتشييد
لا شك أن التحول نحو البناء الأخضر يحمل في طياته فوائد متعددة، سواء من الناحية الاقتصادية أو البيئية أو الاجتماعية.
فمن الناحية الاقتصادية، تشير الدراسات إلى أن المباني المستدامة تحقق قيمًا سوقية أعلى مقارنة بالمباني التقليدية، كما تقلل من تكاليف التشغيل على المدى الطويل، مما يجعلها استثمارًا مربحًا للمطورين والمستثمرين.
وعلى صعيد القدرة التنافسية، فإن تبني تقنيات البناء المستدامة يمنح الشركات ميزة تنافسية قوية، حيث يزداد الطلب العالمي على المباني الخضراء بفعل التشريعات البيئية الجديدة والتوجهات الاستثمارية نحو المشاريع المستدامة.

أما على الصعيد البيئي، فإن التحول الأخضر يساهم في تقليل الانبعاثات الضارة، وتحسين جودة الهواء داخل المباني، والحد من استهلاك المياه والطاقة، مما يجعل المدن أكثر استدامة وصديقة للبيئة.
واجتماعيًا تعزز المباني الخضراء جودة الحياة من خلال توفير بيئات صحية وآمنة، حيث تساهم في الحد من التلوث الداخلي وتحسين راحة السكان والعاملين.
وبالتالي، فإن هذا التحول لا يحقق فقط مكاسب مالية، بل يضمن أيضًا مستقبلًا أكثر استدامة للأجيال القادمة.
التحديات التي تواجه التحول الأخضر
ورغم الفوائد الكبيرة التي يجلبها التحول الأخضر، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تعرقل تطبيقه على نطاق واسع، ومن أبرزها التكاليف الأولية المرتفعة، فالتحول إلى تقنيات البناء المستدام يتطلب استثمارات كبيرة في المراحل الأولية، سواء في استخدام المواد البيئية أو تركيب أنظمة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح.
فضلاً عن التكاليف المرتبطة بتصميم المباني وفقًا لمعايير الاستدامة، كما أن تعقيد التصميم والتخطيط يمثل تحديًا آخر، حيث يتطلب تحقيق أقصى استفادة من كفاءة الطاقة معرفة متخصصة، وجهودًا إضافية من المهندسين والمصممين، مما يزيد من التكلفة الزمنية والمادية.
_1787_101410.jpg)
ولا يمكن إغفال تحدي نقص العمالة الماهرة، فتنفيذ مشروعات البناء المستدام يحتاج إلى مهارات فنية متخصصة، وهو ما يشكل عائقًا أمام العديد من الدول التي لم تستثمر بعد في تدريب القوى العاملة في هذا المجال، كما أن غياب الحوافز المالية والسياسات الحكومية الداعمة يشكل تحديًا إضافيًا، ففي بعض الأسواق لا تزال اللوائح المتعلقة بالبناء الأخضر غير كافية أو متناقضة، مما يقلل من الحافز لدى المطورين لاعتماد هذه الممارسات.
دور التكنولوجيا في دعم التحول الأخضر
مع تقدم التكنولوجيا، باتت الحلول الرقمية والابتكارات الحديثة تلعب دورًا محوريًا في تسريع التحول الأخضر في قطاع البناء، فالذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء يساعدان في تحسين كفاءة استهلاك الموارد من خلال أنظمة إدارة المباني الذكية، بينما تتيح تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد والبناء المسبق تقليل الفاقد من المواد وخفض التأثير البيئي للمشروعات الإنشائية.
إضافة إلى ذلك، تساعد تقنيات تحليل البيانات الضخمة في مراقبة استهلاك الطاقة والمياه بشكل دقيق، مما يسمح باتخاذ قرارات أكثر فاعلية فيما يخص استدامة المباني.
مستقبل الاقتصاد العالمي في ظل المباني الخضراء
مع استمرار التوجه العالمي نحو الاستدامة، يتوقع الخبراء أن يصبح التحول الأخضر في قطاع البناء محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي في السنوات القادمة.
فمن جهة، سيؤدي هذا التحول إلى خلق فرص عمل جديدة في مجالات البناء المستدام والهندسة والطاقة المتجددة.

كما ستفتح الأسواق الجديدة التي تركز على البناء الأخضر أبوابًا واسعة للابتكار والتطوير. ومن جهة أخرى، فإن المباني الخضراء توفر تكاليف تشغيلية أقل على المدى الطويل، مما يجعلها خيارًا اقتصاديًا ذكيًا للملاك والمستأجرين، فضلًا عن مساهمتها في تعزيز قيمة العقارات في السوق.
أما من الناحية البيئية، فمن المتوقع أن يؤدي التوسع في تطبيق تقنيات البناء الأخضر إلى تقليل التأثيرات السلبية للأنشطة الإنشائية، مثل انبعاثات الكربون والتلوث البيئي، مما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة العالمية.
ختامًا، يعد التحول الأخضر في قطاع البناء والتشييد خطوة حاسمة نحو مستقبل أكثر استدامة، فهو ليس مجرد استجابة للضغوط البيئية فحسب، بل هو أيضًا استثمار مربح يحمل فوائد اقتصادية واجتماعية وبيئية هائلة.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجهه، فإن التنسيق بين الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية يمكن أن يسرّع من وتيرة هذا التحول، مما يضع العالم على مسار أكثر استدامة، حيث يكون البناء الذكي والصديق للبيئة هو القاعدة وليس الاستثناء.
Short Url
"المركزي للإحصاء" يكشف كيف تم توظيف 511483 شخص فى 2023
25 فبراير 2025 09:08 م


أكثر الكلمات انتشاراً