الفحم النظيف، حل تكنولوجي لتلبية الطلب العالمي وخفض الانبعاثات

الخميس، 20 مارس 2025 06:44 م

الفحم النظيف

تحليل/كريم قنديل

في ظل التغيرات الاقتصادية والبيئية المتسارعة، أصبح قطاع الطاقة العالمي في مفترق طرق، حيث تسعى الحكومات والشركات لتحقيق التوازن بين تلبية الطلب المتزايد على الطاقة وتقليل التأثير البيئي الناجم عن استخدام الوقود الأحفوري، ورغم الجهود المكثفة للتحول نحو الطاقة المتجددة، إلا أن الفحم لا يزال يحتل موقعًا أساسيًا في مزيج الطاقة العالمي، مما يجعل تكنولوجيا الفحم النظيف إحدى الأدوات الرئيسية لتقليل الانبعاثات وتحقيق كفاءة أعلى في استهلاك الموارد.

سوق متنامٍ رغم التحول نحو الطاقة المتجددة

تشير التقديرات إلى أن سوق تكنولوجيا الفحم النظيف سينمو بمعدل سنوي مركب يتجاوز 4.5% خلال السنوات المقبلة. ويرجع هذا النمو إلى عدة عوامل، من بينها ارتفاع استهلاك الطاقة عالميًا، والتطور المستمر في التقنيات المستخدمة لتحسين كفاءة الفحم وخفض الانبعاثات، إلى جانب المبادرات الحكومية الداعمة.

فعلى الرغم من الجهود العالمية للحد من استخدام الفحم، إلا أن الواقع يشير إلى أن الطلب عليه لم ينخفض بشكل كبير حتى الآن، خاصة في الدول الصناعية الكبرى مثل الصين والهند والولايات المتحدة، حيث تعتمد العديد من الصناعات الثقيلة ومحطات توليد الكهرباء على الفحم كمصدر رئيسي للطاقة.

آسيا تقود المشهد.. والطلب على الطاقة يدفع السوق للنمو

تعتبر دول آسيا والمحيط الهادئ المحرك الأساسي لنمو سوق الفحم النظيف، حيث تستحوذ الصين والهند على النصيب الأكبر من الطلب العالمي على الفحم.

في الصين، ورغم التوجه نحو الطاقة المتجددة، لا يزال الفحم يمثل جزءًا أساسيًا من مزيج الطاقة، مما دفع الحكومة إلى الاستثمار في تقنيات متطورة لجعل محطات الفحم أكثر كفاءة وأقل ضررًا بالبيئة.
في الهند، ارتفع استهلاك الفحم من 16.55 إكسا جول في 2015 إلى 17.54 إكسا جول في 2020، ما يعكس استمرار اعتماد البلاد على الفحم كمصدر رئيسي للطاقة، وهو ما يعزز الحاجة إلى تطبيق تقنيات الفحم النظيف.

إضافةً إلى ذلك، تخطط عدة دول آسيوية، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، لتعزيز استثماراتها في مشاريع الفحم النظيف، سواء عبر استخدام تقنيات احتجاز الكربون أو تطوير أنظمة احتراق أكثر كفاءة تقلل من الانبعاثات وتوفر حلولًا أكثر استدامة.

الحكومات تدعم التوسع في تكنولوجيا الفحم النظيف

في ظل الالتزامات الدولية بخفض الانبعاثات الكربونية، أصبحت الحكومات أكثر دعمًا للتقنيات التي تقلل من التأثير البيئي للفحم دون إلغائه تمامًا. على سبيل المثال:

الولايات المتحدة، من خلال وزارة الطاقة (DOE) والمختبر الوطني لتكنولوجيا الطاقة (NETL)، تعمل على تطوير تقنيات احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS)، بهدف تقليل انبعاثات محطات الفحم الجديدة بنسبة تصل إلى 99%.
الصين أعلنت في نوفمبر 2021 عن برنامج تمويلي بقيمة 31.4 مليار دولار لدعم تطوير تكنولوجيا الفحم النظيف، بما في ذلك تقنيات المعالجة المسبقة للفحم وأنظمة احتجاز غاز الميثان.
الاتحاد الأوروبي يفرض قيودًا صارمة على استخدام الفحم التقليدي، مما يدفع الشركات إلى تبني حلول تكنولوجيا الفحم النظيف كوسيلة للبقاء ضمن الإطار التنظيمي.

التحديات التي تواجه تكنولوجيا الفحم النظيف

رغم الفرص الواعدة التي يحملها هذا القطاع، إلا أنه يواجه عددًا من التحديات التي قد تعيق نموه، أبرزها:

التكلفة العالية: تقنيات الفحم النظيف تتطلب استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، فضلًا عن التكاليف المرتفعة لتركيب أنظمة احتجاز الكربون وتطوير محطات طاقة جديدة تعتمد على هذه التكنولوجيا.
التوجه نحو الطاقة المتجددة: مع انخفاض تكلفة توليد الطاقة من الشمس والرياح، قد تصبح الاستثمارات في الفحم النظيف أقل جاذبية للمستثمرين مقارنةً بمصادر الطاقة الخضراء.
التنظيمات البيئية الصارمة: العديد من الدول وضعت أهدافًا للوصول إلى "صفر انبعاثات" خلال العقود القادمة، مما قد يحد من استمرار استخدام الفحم حتى وإن كان "نظيفًا".

المستقبل بين الطاقة والبيئة.. هل يكون الفحم النظيف هو الحل؟

مع استمرار التحديات المتعلقة بأمن الطاقة، والتقلبات الاقتصادية العالمية، والالتزامات البيئية الصارمة، يبقى السؤال الأساسي: هل يمكن أن يكون الفحم النظيف حلاً مستدامًا لمستقبل الطاقة؟

الإجابة تعتمد على عدة عوامل، من بينها مدى تقدم التكنولوجيا، وقدرة الأسواق على استيعاب تكاليف التحول، والتوجهات السياسية والاستثمارية العالمية، ورغم أن الطاقة المتجددة تبدو الحل الأمثل على المدى البعيد، إلا أن الواقع الحالي يشير إلى أن الفحم سيظل جزءًا من معادلة الطاقة العالمية، ما يجعل تكنولوجيا الفحم النظيف ضرورة وليست خيارًا، على الأقل خلال العقود القليلة المقبلة.

Short Url

أخبار متعلقة