«سباق مع الزمن» هل ننجح في إنقاذ الكوكب من قبضة الكربون؟

الأحد، 23 مارس 2025 01:49 م

الانبعاثات الكربونية

تحليل/ عبد الرحمن عيسى

شهد العالم في العقود الماضية تغييرات كبيرة في مستويات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مما جعلها من أبرز القضايا البيئية والاقتصادية على مستوى العالم.

تتسبب هذه الانبعاثات في ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي الذي يشكل تهديدًا عالميًا، ويهدف هذا التحليل إلى تبيان الدول التي ساهمت بأكبر قدر في الانبعاثات التاريخية لثاني أكسيد الكربون، مستندة إلى بيانات Global Carbon Budget 2024.

الانبعاثات الكربونية وأهميتها البيئية

يُعد ثاني أكسيد الكربون (CO₂) من الغازات الدفيئة الرئيسية التي تساهم في تغير المناخ، كما ينبعث ثاني أكسيد الكربون بشكل أساسي من حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى الأنشطة البشرية الأخرى مثل إزالة الغابات والزراعة.

ويعد الانبعاث التاريخي للكربون مؤشرًا مهمًا على تأثير كل دولة في ظاهرة الاحتباس الحراري، وبالتالي يساهم في تحديد المسؤولية البيئية وتوجيه السياسات المناخية العالمية.

توزيع الانبعاثات التاريخية لثاني أكسيد الكربون

وفقًا لبيانات Global Carbon Budget 2024، تبرز مجموعة من الدول الكبرى في المساهمة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية عبر التاريخ، وتتوزع النسب كما يلي:

1- الولايات المتحدة الأمريكية (24%)

تعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مساهم تاريخي في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، حيث تمثل 24% من إجمالي الانبعاثات العالمية.

ويعود ذلك إلى الاستخدام الكبير للوقود الأحفوري، خصوصًا في القطاعات الصناعية والنقل، كما بدأت الولايات المتحدة في التصنيع في القرن التاسع عشر، مما ساهم بشكل كبير في تزايد الانبعاثات الكربونية على مدى أكثر من مئتي عام.

وعلى الرغم من انخفاض الانبعاثات في السنوات الأخيرة بسبب التوجه نحو الطاقة النظيفة، تظل الولايات المتحدة من أكبر المصادر التاريخية للانبعاثات.

2- الصين (15%)

تمثل الصين حوالي 15% من الانبعاثات الكربونية التاريخية، وتعد ثاني أكبر مساهم في الانبعاثات على مستوى العالم، ويُعزى هذا الرقم إلى النمو الصناعي السريع الذي شهدته الصين منذ أواخر القرن العشرين، خصوصًا بعد الإصلاحات الاقتصادية في السبعينيات.

وعلى الرغم من أن الصين قد بدأت في تبني الطاقة المتجددة بشكل مكثف في العقدين الماضيين، إلا أن التصنيع الضخم واستخدام الفحم في إنتاج الطاقة لا يزال له تأثير كبير في مستويات الانبعاثات.

3- روسيا (6.7%)

تشكل روسيا 6.7% من الانبعاثات الكربونية العالمية، ويُعزى ذلك بشكل رئيسي إلى استخدام الفحم والنفط في قطاع الطاقة، بالإضافة إلى التوسع الصناعي في الحقبة السوفيتية، كما تظل روسيا من الدول الكبيرة المنتجة للطاقة الأحفورية، ويؤدي ذلك إلى انبعاثات ضخمة.

4- ألمانيا (5.2%)

تمثل ألمانيا 5.2% من الانبعاثات الكربونية العالمية، وهي واحدة من أكبر الاقتصادات الصناعية في العالم، فبالرغم من التقدم الذي حققته ألمانيا في مجال الطاقة المتجددة، إلا أن النمو الصناعي في القرن العشرين كان له دور كبير في مستويات الانبعاثات الكربونية التي تمثلها ألمانيا.

5- المملكة المتحدة (4.4%)

تساهم المملكة المتحدة بنسبة 4.4% من إجمالي الانبعاثات الكربونية التاريخية، وذلك نتيجة لتاريخ طويل من الثورة الصناعية واستخدام الفحم في التصنيع.

ومع ذلك، بدأت المملكة المتحدة في تخفيض انبعاثاتها بشكل كبير بعد تسعينيات القرن العشرين من خلال تبني السياسات البيئية وتقنيات الطاقة المتجددة.

6- اليابان (3.8%)

تمثل اليابان 3.8% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، ويعتمد الاقتصاد الياباني بشكل كبير على الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة، وعلى الرغم من التقدم في مجال التكنولوجيا والطاقة المتجددة، تظل الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة الصناعية والنقل مرتفعة.

7- الهند (3.5%)

تساهم الهند بنسبة 3.5% في الانبعاثات الكربونية التاريخية، وعلى الرغم من كونها دولة نامية حتى القرن العشرين، إلا أن النمو الصناعي السريع في السنوات الأخيرة، إلى جانب الاعتماد الكبير على الفحم لتوليد الطاقة، قد ساهم في زيادة الانبعاثات بشكل كبير.

8- فرنسا (2.2%)

تمثل فرنسا 2.2% من الانبعاثات العالمية، كما يشهد تاريخ فرنسا الصناعي تطورًا مشابهًا للعديد من الدول الأوروبية الكبرى، ويعتمد بشكل أقل على الفحم مقارنة ببعض الدول الأخرى، وبالرغم من ذلك، تبقى فرنسا ضمن الدول المساهمة في الانبعاثات الكربونية.

9- كندا (1.9%)

تساهم كندا بنسبة 1.9% في الانبعاثات الكربونية التاريخية، ويعود ذلك إلى استخدام الوقود الأحفوري في العديد من الصناعات، بما في ذلك صناعة النفط والغاز، كما إن كندا تعد من أكبر منتجي النفط في العالم.

10- أوكرانيا (1.7%)

تساهم أوكرانيا بنسبة 1.7% في الانبعاثات الكربونية التاريخية، وعلى الرغم من كونها دولة أقل تصنيعًا من بعض الدول الأخرى في هذه القائمة، إلا أن انبعاثات الكربون الكبيرة التي نشأت من الحقبة السوفيتية قد ساهمت بشكل كبير في هذا الرقم.

العوامل المؤثرة في توزيع الانبعاثات الكربونية

تتعدد العوامل التي تساهم في توزيع الانبعاثات الكربونية بين الدول، فمن أبرز هذه العوامل:

1- النمو الصناعي: دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قد شهدت نموًا صناعيًا في القرن التاسع عشر والعشرين، مما ساهم في زيادة الانبعاثات.

2- الاعتماد على الفحم: الدول التي تعتمد بشكل كبير على الفحم لتوليد الطاقة، مثل الصين والهند، تشهد مستويات انبعاثات أعلى.

3- التحولات الاقتصادية: بعض الدول مثل ألمانيا والمملكة المتحدة قد شهدت تحولات اقتصادية في العقود الأخيرة نحو الطاقة المتجددة، مما ساعد في تقليل الانبعاثات.

4- السياسات البيئية: تبنت بعض الدول سياسات صارمة للحد من الانبعاثات، مما أثر بشكل إيجابي على تقليل الانبعاثات الكربونية.

التوجهات المستقبلية وتقليل الانبعاثات

تشير بيانات Global Carbon Budget 2024 إلى أن هناك تحولًا عالميًا نحو تقليل الانبعاثات الكربونية، على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه بعض الدول مثل الصين والهند.

كما تستثمر العديد من الدول في الطاقة المتجددة وتبني سياسات بيئية لتقليل انبعاثات الكربون، وستكون السنوات القادمة حاسمة في تحديد ما إذا كانت الدول الكبرى ستلتزم بتحقيق أهداف الحد من الانبعاثات وتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ.

ختامًا: يُظهر التحليل أن الولايات المتحدة والصين هما أكبر المساهمين في الانبعاثات الكربونية التاريخية، تليهما دول أخرى مثل روسيا وألمانيا والمملكة المتحدة.

تشكل هذه الانبعاثات جزءًا كبيرًا من التحدي العالمي المتمثل في تقليل الانبعاثات الكربونية لمكافحة التغير المناخي.

تتطلب هذه الأزمة تنسيقًا عالميًا للحد من الانبعاثات، وبذل جهود كبيرة من الدول الكبرى والمناطق النامية على حد سواء لضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.

Short Url

أخبار متعلقة