الثلاثاء، 25 مارس 2025

04:44 ص

الاحتياطي الفيدرالي في مأزق: هل تستطيع السياسة النقدية احتواء التضخم؟

الأحد، 23 مارس 2025 11:51 ص

أمريكا

أمريكا

تحليل/ عبد الرحمن عيسى

يستمر التضخم في الولايات المتحدة في إثارة القلق بين مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما يعكس حالة من الضبابية الاقتصادية التي تزداد تعقيدًا جراء السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. 

تزامنًا مع الضغوط التضخمية، تواصل الإدارة الأمريكية فرض التعريفات الجمركية التي قد تبقي الأسعار مرتفعة وتزيد من تعقيدات الاقتصاد الأمريكي والعالمي. 

هذا التحليل يهدف إلى تقديم تبيان شامل للأثر المحتمل للتضخم المستمر والتعريفات الأمريكية على النشاط الاقتصادي الأمريكي، مع استكشاف العوامل التي تحد من فعالية السياسات النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي.

التضخم كمشكلة رئيسية

يظل التضخم أحد أكبر التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي، حيث تشير أحدث البيانات إلى ارتفاع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، الذي يُعد المقياس المفضل للاحتياطي الفيدرالي لقياس التضخم الأساسي. 

ارتفع هذا المؤشر بنسبة 0.3% في شهر فبراير، ليواصل بذلك مسيرته التصاعدية، مما يشير إلى تضخم سنوي بلغ 2.7%. 

هذا المستوى من التضخم يشكل مصدر قلق كبير للبنك المركزي الأمريكي، الذي يسعى إلى إبقاء التضخم تحت مستوى 2% سنويًا، وهو المستهدف في معظم الأوقات من أجل الحفاظ على استقرار الأسعار في الاقتصاد.

تزداد حدة هذا التضخم نتيجة لتأثيرات السياسات التجارية التي تتبعها إدارة ترامب، لا سيما فرض التعريفات الجمركية على واردات من دول متعددة. 

تُعتبر هذه التعريفات أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في زيادة تكاليف السلع والخدمات داخل السوق الأمريكي، مما يؤدي إلى رفع الأسعار. 

يشير العديد من المحللين إلى أن فرض الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية، على سبيل المثال، قد أسهم بشكل مباشر في ارتفاع تكلفة بعض السلع الاستهلاكية في الولايات المتحدة.

Picture background

تأثير التعريفات الجمركية على الاقتصاد الأمريكي

تستمر إدارة ترامب في فرض تعريفة جمركية على العديد من المنتجات المستوردة، مما يضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد الأمريكي. 

ومن المتوقع أن تساهم هذه التعريفات في تقليص القدرة التنافسية للمنتجات الأمريكية في الأسواق العالمية، في الوقت الذي يتوقع فيه أن ترتفع تكاليف الإنتاج في الداخل نتيجة لزيادة الأسعار على السلع المستوردة. 

وعلى الرغم من أن هذه السياسات قد تهدف إلى تعزيز الصناعات المحلية، إلا أن الأثر الفعلي قد يكون عكسيًا في ظل الظروف الحالية، حيث قد تواجه الشركات الأمريكية صعوبة في تسعير منتجاتها بطريقة تنافسية.

زيادة أسعار المنتجات المستوردة قد يؤدي أيضًا إلى زيادة تكلفة المعيشة للمستهلكين الأمريكيين، وفي هذا السياق، يُتوقع أن يؤدي الضغط التضخمي إلى تقليل القوة الشرائية للمستهلكين، مما قد يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي في المستقبل. 

علاوة على ذلك، قد تؤدي هذه السياسات إلى تعقيدات في العلاقات التجارية مع الدول الأخرى، وهو ما قد يضر بمستقبل الصادرات الأمريكية.

التضخم ونفقات المستهلكين

يُتوقع أن يظل الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة قويًا، رغم الضغوط التضخمية. تواصل الأسر الأمريكية إنفاقها، وهو ما يعكس تحسنًا في النشاط الاقتصادي في الأشهر الأخيرة. 

ومع ذلك، فإن التوقعات تشير إلى أن هناك تباطؤًا في نمو الدخل الشخصي، حيث شهد الشهر السابق زيادة في الأجور، لكن من غير المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في الأشهر القادمة. 

هذا التباطؤ قد يكون نتيجة للضغوط التضخمية المستمرة، مما قد يجعل الإنفاق الاستهلاكي عرضة للتقلبات في المستقبل.

إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الأمريكي في المستقبل القريب زيادة في نفقات المستهلكين، مع تقديرات تشير إلى أن الإنفاق قد يرتفع بنسبة 0.5% في الشهر المقبل. 

هذه الزيادة تشير إلى تحسن النشاط الاستهلاكي، إلا أن التباطؤ المتوقع في نمو الدخل قد يحد من قدرة المستهلكين على الاستمرار في الإنفاق بمعدلات مرتفعة.

Picture background

دور الاحتياطي الفيدرالي في مواجهة التضخم

في ظل استمرار التضخم، تجد السلطات النقدية الأمريكية نفسها في موقف صعب، ورغم إن بنك الاحتياطي الفيدرالي أشار إلى أن لديه مجالًا للإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، فإن السياسات النقدية وحدها لا تكفي للتعامل مع الضغوط التضخمية الناتجة عن التعريفات الجمركية. 

يشير رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إلى أن البنك المركزي بحاجة إلى وقت لدراسة آثار سياسات الإدارة الحالية على الاقتصاد والتضخم.

لقد أظهرت الاجتماعات الأخيرة للبنك الفيدرالي ميلًا إلى تريث في اتخاذ قرارات حاسمة بشأن رفع أسعار الفائدة، رغم التوقعات الاقتصادية المتزايدة. 

كما يُعتقد أن الاحتياطي الفيدرالي سيستمر في مراقبة التطورات الاقتصادية، لا سيما تأثير التعريفات الجمركية والسياسات التجارية الأمريكية على الاقتصاد المحلي والدولي. 

بيد أن هذا التردد قد يطيل من فترة التضخم المرتفع، مما يجعل من الصعب على الاقتصاد الأمريكي العودة إلى استقرار الأسعار بسرعة.

Picture background

التحديات المستقبلية

على الرغم من التوقعات بتعزيز الإنفاق الاستهلاكي، فإن التحديات الاقتصادية الكبرى ستظل مستمرة في المدى القريب. 

من المرجح أن تظل الضغوط التضخمية قائمة نتيجة لسياسات التجارة الحالية، بينما يعاني الاقتصاد العالمي من آثار هذه السياسات. 

وفي هذا السياق، ستكون هناك حاجة إلى مزيد من التنسيق بين السياسات النقدية والمالية لتفادي المزيد من الاضطرابات الاقتصادية.

ختامًا: تستمر الولايات المتحدة في مواجهة تحديات كبيرة بسبب التضخم المستمر والضغوط الناجمة عن التعريفات الجمركية المفروضة على الواردات. 

على الرغم من ذلك، تظل الحكومة الفيدرالية بانتظار أن تتضح آثار السياسات التجارية الحالية على الاقتصاد المحلي. 

ويظهر أن التحديات التي يواجهها الاحتياطي الفيدرالي في مواجهة التضخم والتعريفات الجمركية تتطلب حلولًا منسقة بين السياسات الاقتصادية والنقدية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.

Short Url

search