الثلاثاء، 18 مارس 2025

03:19 ص

ترامب يعيد تشكيل المشهد الأوروبي ويدفع القارة نحو الاستقلال الاستراتيجي

الإثنين، 17 مارس 2025 09:40 م

ترامب والدول الأوروبية

ترامب والدول الأوروبية

كتب/كريم قنديل

لطالما كانت أوروبا تحت المظلة الأمنية والاقتصادية الأميركية، لكن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أطلقت إنذارًا للقارة العجوز، فبأسلوبه الصدامي ونهجه غير المتوقع، قلب المعادلة المعتادة، وأجبر الأوروبيين على التفكير في مستقبلهم بعيدًا عن "الحليف" الذي لم يعد مضمونًا.

دونالد ترامب

من التبعية إلى الاستقلال الدفاعي

لم يكن قرار إدارة ترامب بوقف تدفقات الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية إلى أوكرانيا مجرد خطوة سياسية، بل كان بمثابة زلزال دفع القادة الأوروبيين إلى تبني رؤية جديدة للدفاع المشترك. فقرار الاتحاد الأوروبي بجمع 150 مليار يورو لدعم صناعاته الدفاعية، خاصة في مجالات مثل الدفاع الجوي، هو إشارة واضحة إلى أن أوروبا لم تعد ترغب في الاعتماد على واشنطن.

ورغم الخلافات الداخلية، يبدو أن الحاجة الملحة لبناء قوة دفاعية مستقلة قد تُسرّع خطوات الاتحاد الأوروبي نحو تكامل عسكري غير مسبوق، وإذا تمكنت أوروبا من تجاوز عقبة التنسيق المشترك بين جيوشها المختلفة، فقد تكون هذه اللحظة هي نقطة التحول في تاريخها العسكري، حيث قد نشهد ولادة جيش أوروبي موحد قادر على مواجهة التهديدات دون الحاجة إلى الدعم الأميركي.

الدين الأوروبي المشترك.. خطوة نحو هيمنة مالية

عندما تتخلى أميركا عن ضماناتها، تُجبر أوروبا على البحث عن بدائل، هنا يبرز "الدين الأوروبي المشترك" كأداة قوية، ليس فقط لتمويل الدفاع، بل أيضًا لتعزيز مكانة اليورو عالميًا، وإذا كان الاقتصاد الألماني، بفضل سياساته الحذرة، قادرًا على حمل هذا العبء، فإن فرنسا وبريطانيا، رغم أزماتهما المالية، تدركان أهمية هذه الخطوة لمواجهة تقلبات السوق العالمية.

لكن التحدي الأكبر يتمثل في قدرة الاتحاد الأوروبي على توحيد سياسته النقدية والمالية، خاصة في ظل تباين الأوضاع الاقتصادية بين دوله الأعضاء. فبينما تحاول بعض الدول الجنوبية مثل إيطاليا وإسبانيا التعامل مع ديونها المتراكمة، تسعى دول الشمال إلى الحفاظ على استقرارها المالي. ومع ذلك، فإن استمرار سياسات ترامب الحمائية قد تعيد رسم خريطة الأسواق المالية وتجبر الاتحاد الأوروبي على اتخاذ خطوات جريئة لتعزيز استقلاله الاقتصادي.

الاتحاد الأوروبي

بريطانيا والاتحاد الأوروبي.. إعادة بناء الجسور

إذا كان لترامب تأثير غير مباشر على أوروبا، فإنه قد يكون الدافع الأكبر لإعادة التقارب بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بعد سنوات من التوتر إثر "بريكست"، التعاون الوثيق بين كير ستارمر وإيمانويل ماكرون، والانفتاح على مستشار ألمانيا الجديد فريدريش ميرز، قد يكون حجر الأساس في بناء تحالف أوروبي بريطاني أكثر صلابة.

وما يدعم هذا التقارب هو المصالح العسكرية والاقتصادية المشتركة، خاصة إذا نجح الجانبان في إنشاء صندوق دفاعي جديد يسمح بمشاركة المملكة المتحدة، كما أن الحاجة إلى مواجهة التهديدات المشتركة، مثل التدخل الروسي والتحديات الاقتصادية، قد تسرّع من وتيرة التقارب بين الطرفين.

الاقتصاد الأوروبي.. بين التحديات والفرص

رغم الخطوات الجريئة، لا تزال أوروبا تواجه أزمات داخلية، فالاقتصادات المثقلة بالديون، مثل فرنسا وإيطاليا، بحاجة إلى إصلاحات هيكلية حقيقية، بينما تخوض ألمانيا معركة للحفاظ على تفوقها الصناعي وسط منافسة شرسة من آسيا وأميركا. ومع ذلك، فإن الاتجاه الحالي نحو تخفيف الفائدة وتحفيز الاستثمار قد يمنح القارة متنفسًا لمواجهة العاصفة الاقتصادية التي تُنذر بها سياسات ترامب التجارية.

علم أوروبا والولايات المتحدة الأميركية

هل تكون "أوروبا العظيمة" واقعًا؟

قد يكون الحديث عن عودة أوروبا كقوة عظمى أمرًا مبالغًا فيه في الوقت الحالي، لكن من الواضح أن التحديات التي فرضها ترامب دفعت القارة إلى مراجعة أولوياتها، فإذا تمكنت أوروبا من تجاوز انقساماتها الداخلية وتعزيز دفاعها المشترك، وتوسيع قاعدة استخدام اليورو كعملة احتياطية، فقد تجد نفسها أقرب إلى الاستقلال الاستراتيجي الذي لطالما سعت إليه.

في النهاية، قد يكون ترامب، عن غير قصد، هو من دفع أوروبا إلى إعادة اكتشاف قوتها الحقيقية، وبينما يواصل الرئيس الأميركي السابق سياساته المثيرة للجدل، قد تجد أوروبا نفسها أمام فرصة تاريخية لإعادة تعريف دورها في النظام العالمي، ليس فقط كحليف للولايات المتحدة، بل كلاعب مستقل قادر على فرض رؤيته الخاصة على الساحة الدولية.

Short Url

showcase
showcase
search