الخميس، 13 مارس 2025

04:01 م

قطاع الموانئ والنقل البحري، شريان التجارة العالمية ومفتاح النمو الاقتصادي

الخميس، 13 مارس 2025 01:34 م

الموانئ والنقل البحري

الموانئ والنقل البحري

كتب/كريم قنديل

تلعب الموانئ والنقل البحري دورًا محوريًا في تعزيز التجارة العالمية ودعم النمو الاقتصادي، حيث تعتمد معظم دول العالم على الموانئ كبوابة رئيسية لنقل البضائع والخدمات. في ظل الأزمات العالمية المتلاحقة، شهد هذا القطاع تحديات كبرى، ما دفع العديد من الدول للاستثمار في تطوير بنيته التحتية وتعزيز تقنياته الذكية لمواكبة المتغيرات.

التجارة البحرية العالمية

أهمية الموانئ في الاقتصاد العالمي 

الموانئ ليست مجرد مراكز لتفريغ وتحميل البضائع، بل تُعد عناصر استراتيجية في سلاسل الإمداد العالمية، حيث يتم نقل أكثر من 80% من حجم التجارة العالمية عبر الطرق البحرية، ويشكل نقل الحاويات نسبة تصل إلى 35% من إجمالي الأحجام التجارية، وما يزيد عن 60% من القيمة الاقتصادية.

وتعد موانئ الحاويات ركيزة أساسية في دعم استراتيجيات النمو، خاصة في الدول الناشئة التي تعتمد على التصدير كوسيلة لتعزيز اقتصاداتها، تعزز البنية التحتية الفعالة للموانئ جاذبية الاستثمار، وتنشط الصناعات التحويلية، وتسهم في خلق فرص العمل، مما ينعكس إيجابيًا على الناتج المحلي الإجمالي للدول.

الأدوار الرئيسية للموانئ في الاقتصاد العالمي

تسهيل التجارة الدولية: تعمل الموانئ على ربط الأسواق العالمية، مما يسهل حركة البضائع سواء كمصدر أو مستورد.

النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل: تساهم الموانئ في جذب الاستثمارات، وتدعم المجتمعات المحلية من خلال توليد الوظائف.

الاتصال والنقل: تشكل الموانئ مراكز لوجستية مهمة ترتبط بشبكات النقل البرية والجوية والسكك الحديدية.

توليد الإيرادات: تُدر الموانئ عائدات ضخمة من خلال الرسوم الجمركية والضرائب المفروضة على حركة البضائع.

سياحة الرحلات البحرية: تمثل بعض الموانئ وجهات رئيسية للسياح القادمين عبر السفن، ما يعزز قطاعي الضيافة والسياحة.

الأهمية الاستراتيجية للأمن والدفاع: تتحكم الدول ذات الموانئ الفعالة في الممرات البحرية العالمية، ما يضمن حماية مصالحها الاستراتيجية.

الموانئ

تحديات قطاع الموانئ وأثر الأزمات العالمية 

رغم أهميته الكبرى، يواجه قطاع الموانئ تحديات عديدة، من أبرزها التأخير في عمليات الشحن، والذي يتسبب في تعطيل سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع تكاليف النقل والتجارة، ومع تزايد الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية، أصبح تحسين كفاءة الموانئ ضرورة ملحة لضمان تدفق السلع بمرونة وسلاسة.

وفي هذا السياق، أطلق البنك الدولي بالتعاون مع مؤسسة "ستاندرد آند بورز" مؤشر أداء موانئ الحاويات، وهو تصنيف عالمي لأداء 405 موانئ استنادًا إلى كفاءتها الزمنية في استقبال السفن ومناولة الحاويات.

الموانئ الأكثر كفاءة عالميًا وفق مؤشر 2023

  1. ميناء يانغشان (الصين).
  2. ميناء صلالة (عمان).
  3. ميناء قرطاجنة (كولومبيا).
  4. ميناء طنجة المتوسط (المغرب).
  5. ميناء تانجونغ بيليباس (ماليزيا).

الموانئ الذكية ومستقبل النقل البحري 

مع التطور التكنولوجي، باتت الموانئ الذكية ضرورة لتعزيز كفاءة العمليات البحرية، تعتمد هذه الموانئ على أنظمة الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والروبوتات في عمليات المناولة والتخزين، ما يقلل من التكلفة التشغيلية، ويسرّع تدفق البضائع.

كما تركز الموانئ الحديثة على تبني ممارسات صديقة للبيئة لمكافحة التلوث الناتج عن السفن، عبر استخدام مصادر الطاقة النظيفة، وتحسين إدارة النفايات البحرية، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.

القطاع البحري

أداء القطاع البحري.. انتعاش ما بعد الجائحة

في ظل تعافي الاقتصاد العالمي من تداعيات جائحة كورونا، شهد قطاع الشحن البحري نموًا ملحوظًا عام 2021، حيث ارتفع معدل التجارة البحرية بنسبة 3.8% مقارنة بعام 2020، ليصل إجمالي حجم الشحنات المحمولة بحرًا إلى 11 مليار طن، وهو مستوى قريب من معدلات ما قبل الأزمة الصحية.

ويعكس هذا التعافي الدور الحيوي الذي تلعبه الموانئ في سلاسل الإمداد العالمية، حيث تستمر في العمل كحلقة وصل رئيسية بين الاقتصادات المختلفة، سواء من خلال ناقلات البضائع السائبة التي تحمل السلع الأساسية مثل الفحم والصلب، أو من خلال ناقلات الحاويات التي تنقل مختلف أنواع البضائع داخل حاويات موحدة الأحجام.

تحولات في هيكلة التجارة البحرية.. من السلع الأساسية إلى الحاويات

تشير البيانات إلى تحول هيكلي مهم في قطاع الشحن البحري خلال العقود الماضية. ففي عام 1970، كانت أكثر من نصف التجارة البحرية العالمية تعتمد على ناقلات البضائع السائبة، ولكن بحلول عام 2021، أصبح ما يقرب من ثلاثة أرباع الشحنات تتألف من البضائع الجافة، بما في ذلك تلك المشحونة عبر الحاويات، وبلغ إجمالي حجم هذه البضائع حوالي 8 مليارات طن، مما يؤكد زيادة الاعتماد على أنظمة النقل الحديثة وسلاسل الإمداد المعقدة.

التجارة البحرية

التفاوت بين الدول.. من يسيطر على حركة التجارة البحرية؟

تواصل الاقتصادات النامية لعب دور محوري في حركة التجارة البحرية العالمية، حيث قامت الدول النامية الآسيوية وحدها بتفريغ 50% وتحميل 35% من إجمالي الشحنات البحرية في عام 2021، وتُعد الصين واقتصادات شرق آسيا مراكز رئيسية في هذا المجال، مما يعزز سيطرتها على التجارة البحرية العالمية.

ومع ذلك، يكشف تحليل البيانات عن اتساع الفجوة التجارية البحرية بين الاقتصادات المتقدمة والنامية. ففي عام 2010، سجلت الاقتصادات النامية فائضًا في الميزان التجاري البحري بنحو 705.6 مليون طن، لكنها انتقلت إلى العجز عام 2021 بمقدار 648.3 مليون طن، في حين حققت الدول المتقدمة فائضًا بلغ 658.1 مليون طن.

ويعكس هذا التحول زيادة اعتماد الدول النامية على الواردات، خاصة في قطاع البضائع الجافة، مقابل ارتفاع الصادرات في الدول المتقدمة، مما يفرض تساؤلات حول مستقبل التجارة البحرية في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية.

الموانئ بين تحديات العجز وفرص الهيمنة

رغم تراجع الفائض التجاري البحري في الدول النامية، فإن الأسواق الناشئة لا تزال تمتلك فرصًا لتعزيز مكانتها في سلاسل الإمداد العالمية، خاصة مع استمرار توسع البنية التحتية للموانئ الذكية وزيادة الاستثمارات في اللوجستيات البحرية.

وفي ظل هذه التحولات، يبدو أن قطاع الموانئ سيظل لاعبًا رئيسيًا في تحديد موازين القوة الاقتصادية، حيث تسعى الاقتصادات الكبرى إلى تعزيز حضورها في طرق الشحن الدولية، بينما تحاول الدول النامية إعادة التوازن بين وارداتها وصادراتها، لضمان موقع أقوى في خارطة التجارة البحرية العالمية.

غرق سفينة نتيجة الحروب

تداعيات متلاحقة.. من الجائحة إلى الحروب والصراعات

لم تكد صناعة النقل البحري تلتقط أنفاسها بعد أزمة جائحة كورونا، حتى وجدت نفسها في قلب أزمات عالمية متلاحقة، أدت إلى اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف الشحن. وبينما بدأ التعافي في عام 2021، جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتعصف مجددًا بالتجارة البحرية، مما أدى إلى إعادة رسم مسارات الشحن ورفع المسافات المقطوعة، خاصة في قطاعي النفط والحبوب.

فمع العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، اضطرت موسكو إلى البحث عن أسواق بديلة لصادراتها، بينما سعت الدول الأوروبية إلى تنويع مصادر الطاقة، وهو ما زاد من تعقيد المشهد، وكانت شحنات الحبوب الأكثر تأثرًا، حيث اضطرت العديد من الدول لاستيراد القمح من الولايات المتحدة والبرازيل بدلًا من أوكرانيا، مما أدى إلى مسافات أطول وتكاليف شحن أعلى.

قناة السويس

اضطرابات في الممرات المائية.. قناة السويس وقناة بنما في مرمى الأزمات

لم تكن الحرب وحدها هى العامل الوحيد الذي ضرب قطاع الموانئ، فقد جاءت الاضطرابات الجيوسياسية والتغيرات المناخية لتضيف المزيد من التحديات، فالهجمات التي استهدفت السفن في البحر الأحمر أدت إلى انخفاض كبير في حركة الشحن عبر قناة السويس، التي تُعد شريانًا حيويًا يمر عبره نحو 15% من التجارة البحرية العالمية.

وأمام هذه التهديدات الأمنية، قررت العديد من شركات الشحن العالمية تغيير مساراتها بعيدًا عن قناة السويس، والاتجاه نحو رأس الرجاء الصالح، وهو ما تسبب في إضافة 10 أيام أو أكثر إلى أوقات التسليم، مما أضر بالشركات التي تعتمد على المخزون المحدود والتسليم السريع. وتشير التقديرات إلى أن حجم التجارة المارة عبر قناة السويس انخفض بنسبة 50% خلال الشهرين الأولين من عام 2024، بينما ارتفعت حركة الشحن عبر رأس الرجاء الصالح بنسبة 74% مقارنة بالعام الماضي.

على الجانب الآخر، تغيرات المناخ ألقت بظلالها على قناة بنما، حيث أدى الجفاف الشديد إلى انخفاض كبير في عدد السفن التي تعبر القناة يوميًا منذ أكتوبر 2023، ما تسبب في تباطؤ حركة التجارة البحرية عبر أحد أهم الممرات المائية في العالم، حيث تراجعت التجارة عبر القناة بنسبة 32% مقارنة بالعام السابق.

قناة بنما

التداعيات الاقتصادية.. ارتفاع التكاليف وضغوط تضخمية

هذه الأزمات مجتمعة أسفرت عن زيادة أوقات الشحن وارتفاع التكاليف التشغيلية لشركات النقل البحري، وهو ما قد يؤدي إلى ضغوط تضخمية عالمية نتيجة ارتفاع أسعار السلع، خاصة في الدول التي تعتمد بشكل أساسي على الواردات البحرية.

وفي ظل استمرار هذه الاضطرابات، يبدو أن قطاع الموانئ والنقل البحري أمام مرحلة غير مسبوقة من التحديات، تفرض على الدول والشركات البحث عن استراتيجيات جديدة لضمان استقرار التجارة العالمية، سواء عبر تطوير بدائل للممرات المائية التقليدية أو تعزيز الأمن البحري لضمان استمرار تدفق السلع دون عوائق.

يشكل قطاع الموانئ والنقل البحري العمود الفقري للتجارة الدولية والاقتصاد العالمي. وفي ظل التحولات المتسارعة، أصبح تطوير الموانئ ضرورة حتمية لتعزيز كفاءتها، وتقليل تأثير الأزمات، وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. الاستثمار في الموانئ الذكية، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز الابتكار، عوامل أساسية لضمان مستقبل أكثر استقرارًا لهذا القطاع الحيوي.

Short Url

search