العولمة والتجارة العالمية، محركات النمو رغم التحديات الجيوسياسية
الإثنين، 03 مارس 2025 11:06 م

العولمة
تحليل/كريم قنديل
تعد العولمة، واحدة من أبرز الظواهر التي أثرت على التجارة العالمية في العصر الحديث، حيث ساهمت في تعزيز الروابط بين الدول، وسهلت تدفق السلع والخدمات والاستثمارات، وقد بدأت العولمة في الظهور بشكلٍ واضحٍ منذ عام 1870م، لكنها شهدت توسعًا هائلًا بعد الحرب العالمية الثانية، مع تزايد توجه الدول نحو تحرير الأسواق وتخفيض القيود التجارية، ما أدى إلى تسارع وتيرة النمو الاقتصادي، وزيادة الرفاهية العالمية.

العولمة والتجارة العالمية
وقد لعبت العولمة دورًا محوريًا في تسهيل التجارة الدولية، حيث أدى انفتاح الأسواق العالمية، إلى خلق فرص تجارية جديدة للشركات والمستثمرين، ومع تطور التكنولوجيا ووسائل النقل الحديثة، أصبح من السهل نقل البضائع والخدمات عبر الحدود، ما عزز من حجم التبادل التجاري بين الدول.
وعلى مدار القرنين الماضيين، شهد الاقتصاد العالمي نمؤًّا اقتصاديًّا إيجابيًّا مستدامًا، لذا فإن النظر في التغيرات في التجارة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، يوفر منظورًا آخرًا مثيرًا للاهتمام؛ فحتى عام 1870، كان مجموع الصادرات العالمية، يمثل أقل من 10% من الناتج العالمي، أما اليوم، فقد أصبحت قيمة السلع المصدرة حول العالم، تبلغ نحو 25%، الأمر الذي يوضح أن النمو في التجارة على مدى المائة عام الماضية، تجاوز حتى النمو الاقتصادي السريع.
إيجابيات وسلبيات العولمة
يعتقد معظم خبراء الاقتصاد، أن العولمة كان لها تأثير إيجابي إجمالي على النمو، وخاصة بالنسبة للدول التي كانت أقل تكاملًا في السابق، كما استفادت الاقتصادات النامية على وجه الخصوص، من المساهمة في سلاسل القيمة العالمية - شبكات الإنتاج المترامية الأطراف، والتي تمتد عبر العالم- لأنها لم تكن مضطرة إلى تطوير صناعات محلية جديدة بالكامل، لتصدير منتجات أكثر تطورًا.
لكن العولمة كانت لها سلبياتها؛ حيث يعتقد بعض خبراء الاقتصاد، أن عولمة التمويل جعلت الاقتصاد العالمي أكثر تقلبًا وعرضة للأزمات، كما أنها ربما أسهمت أيضًا في ارتفاع التفاوت في الدخل على مدى العقود الأربعة الماضية، خاصة وأنه داخل الدول، كان التحول إلى هيكل إنتاج جديد صعبًا في بعض الأحيان؛ حيث كان على العمال ورأس المال الانتقال من صناعة إلى أخرى.
تُظهر الإحصاءات، أن العولمة تنامت كثيرًا منذ ثمانينيات القرن العشرين، وحتى الأزمة المالية العالمية، ثم وصلت إلى مرحلة الثبات بعد ذلك، لكن من الضروري النظر إلى الأمر بشكل أعمق في ضوء التغيرات، والتي طرأت على الاقتصاد العالمي، ومن بينها الأزمة المالية العالمية، وجائحة "كوفيد-19'.

اتجاهات وآفاق التجارة العالمية في ظل التحديات المعاصرة
رغم التوسع الذي شهدته التجارة العالمية، إلا أن السنوات الأخيرة، شهدت العديد من التحديات، والتي أثرت على تدفق السلع والخدمات عبر الحدود، فمنذ جائحة كوفيد-19، واجهت سلاسل التوريد العالمية، اضطرابات حادة، لكنها سرعان ما تعافت، ما يدل على مرونة الاقتصاد العالمي رغم التحديات.
كما توقعت منظمة التجارة العالمية، أن تحقق إفريقيا أسرعَ نموٍ في التجارة خلال عام 2024م، بنسبة 5.3%، في حين ستشهد مناطق أخرى نموًا أقل مثل أمريكا الشمالية (3.6%)، والشرق الأوسط (3.5%)، وأسيا (3.4%)، ومن المتوقع أن تواجه التجارة الأوروبية، تباطؤًا بسبب التغيرات الاقتصادية والسياسية في القارة.

الأزمات الجيوسياسية وتأثيرها على التجارة العالمية
تعتبر الأزمات الجيوسياسية، من العوامل الرئيسية التي تؤثر على التجارة العالمية، حيث أدت التوترات السياسية إلى اضطرابات كبيرة في حركة الشحن الدولي، ومن أبرز هذه الأزمات، الحرب الروسية الأوكرانية والعدوان الإسرائيلي على غزة، حيث أدى التصعيد العسكري، إلى تعطل سلاسل التوريد وإعادة تشكيل طرق التجارة البحرية.
وأشار البنك المركزي الأوروبي، إلى أن اضطرابات البحر الأحمر، قد تعيق تعافي التجارة العالمية في 2024م، إذ انخفض حجم التجارة العابرة للمنطقة، بسبب المخاطر الأمنية التي دفعت شركات الشحن، إلى تجنب الممرات الملاحية الخطرة.
دور مصر الرائدة في التجارة العالمية
وتعد مصر أكبر اقتصاد في إفريقيا، بناتج محلي إجمالي بلغ 398 مليار دولار أمريكي عام 2023م، كما أن عدد سكان مصر البالغ حتى 12 سبتمبر الجاري 106.8 ملايين نسمة يجعلها سوقًا ناشئة رئيسة؛ حيث يمثل هذا العدد الكبير والمتزايد من السكان سوقًا محتملة كبيرة، ما يجعل مصر وجهة جذابة لتوسيع الأعمال التجارية.
علاوة على ذلك، تتمتع مصر بموقع جغرافيٍ استراتيجيٍ يمنحها ميزة مثالية للوصول إلى الأسواق الأوروبية، والآسيوية، والإفريقية، إضافة إلى الشرق الأوسط، ويكمل هذا الموقع الاستراتيجي العلاقات الدولية المعززة لمصر، من خلال الاتفاقيات التجارية المتنوعة، والتي عقدتها مصر مع العديد من الدول حول العالم، وعليه، وبالحديث عن دور مصر في التجارة العالمية.

قناة السويس، شريان التجارة الدولية
تُعد قناة السويس، مسارًا حيويًا يربط بين أسيا وأوروبا، ما يجعلها خيارًا مفضلًا للتجارة العالمية، وتنبع أهميتها من دور أسيا كمركز رئيسي للتصنيع، حيث توفر القناة طريق شحن مباشر يختصر المسافات، مقارنة بالالتفاف حول الطرف الجنوبي لإفريقيا، ما يقلل التعقيدات اللوجستية ويُبسّط عمليات التخطيط.
يمر عبر قناة السويس حوالي 12% من التجارة العالمية، وهو ما يعادل أكثر من تريليون دولار سنويًا، وتمثل القناة 30% من إجمالي حركة حاويات الشحن العالمية، كما أنها تساهم في نقل 7% إلى 10% من إمدادات النفط العالمية.
إلى جانب ذلك، أسهمت القناة، في خفض أوقات الشحن وتكاليف النقل بين القارتين، وهو عامل حاسم مع توجه الشركات الغربية، نحو مصادر إنتاج أقل تكلفة، فإمكانية تقليل النفقات مع الاستفادة من سرعة التسليم عبر القناة، يمنح الشركات ميزة تنافسية، كما يعزز الاقتصادات في كلٍّ من أسيا وأوروبا، من خلال تنشيط حركة الأعمال.
ومع تعافي الأسواق العالمية من فترة طويلة من التقلبات الاقتصادية، يُتوقع أن تستمر قناة السويس في استقطاب نسبة متزايدة من التجارة الدولية خلال العقود القادمة.
أهمية قناة السويس في تسريع التجارة الدولية
تعتبر قناة السويس، أقصر طريق يربط بين أسيا وأوروبا، ما يساهم في تقليل مسافة الشحن بمقدار 12 ألف كيلومتر، ويوفر 7 إلى 10 أيام من وقت الرحلات، كما أنها تتميز بكفاءتها العالية في تقليل تكاليف الشحن واستهلاك الوقود، ما يجعلها خيارًا اقتصاديًا مفضلًا لشركات النقل البحري.
وقد برزت أهمية القناة بشكل خاص خلال أزمة جنوح سفينة "إيفر جيفن" عام 2021م، حيث أدى إغلاق الممر الملاحي، لعدة أيام إلى تعطيل حركة التجارة العالمية، ما يبرز الدور الحيوي للقناة في الاقتصاد العالمي.

التحالفات التجارية وإعادة تشكيل أنماط التجارة الدولية
تشهد التجارة العالمية، تحولًا كبيرًا بسبب إعادة تنظيم التحالفات الاقتصادية والاتفاقيات التجارية، فقد برزت مبادرات مثل اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ ومنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، والتي تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء.
ورغم التحديات التي تواجه التجارة العالمية، إلا أن التوقعات تشير إلى استمرار تعافيها خلال السنوات القادمة، مع توقعات بنمو الواردات العالمية، من 1.2% في 2023م، إلى 2.8% في 2024م، ومن ثم 3.1% في 2025م، و3.2% في 2026م.
تظل العولمة عاملًا رئيسيًا في دفع عجلة التجارة العالمية، رغم التحديات الجيوسياسية والاقتصادية، ومع استمرار الدول في البحث عن فرص جديدة للنمو الاقتصادي، تبقى التجارة العالمية، محورًا رئيسيًا في تحقيق التنمية والازدهار المستدام.
Short Url
غانا تستغنى عن الذهب مقابل النفط، فما القصة؟
04 مارس 2025 02:36 ص
وارن بافيت: الرسوم الجمركية «ضريبة على السلع» وتهدد الاقتصاد العالمي
04 مارس 2025 02:16 ص
ليبيا تطلق أول جولة لاستكشاف النفط منذ أكثر من 17 عامًا
04 مارس 2025 01:07 ص


أكثر الكلمات انتشاراً