الأربعاء، 12 مارس 2025

09:07 م

النفط يغرق في بحر الرسوم الجمركية، هل يتكرر سيناريو الأزمة المالية؟

الثلاثاء، 11 مارس 2025 11:09 ص

شركة أوبك

شركة أوبك

تحليل/ عبد الرحمن عيسى

شهدت أسواق النفط تراجعًا ملحوظًا خلال الأيام القليلة الماضية، حيث هبطت أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي خلال تعاملات اليوم الثلاثاء المبكرة، مما أثار القلق بين المستثمرين والمحللين بشأن تداعيات هذا الانخفاض على الاقتصاد العالمي.

جاء هذا التراجع في الأسعار بعد تزايد المخاوف من أن الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على كل من كندا والمكسيك والصين ستؤدي إلى إبطاء نمو الاقتصاد العالمي، مما سيؤثر بشكل مباشر على الطلب على الطاقة، وفي الوقت نفسه، جاءت زيادة إمدادات النفط من تحالف "أوبك+" لتزيد من الضغوط على أسواق النفط.

في هذا التحليل، سنسلط الضوء على العوامل التي أسهمت في هذا التراجع الحاد في أسعار النفط، بما في ذلك تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد العالمي، التأثيرات المتبادلة بين أسواق النفط والاقتصاد الأمريكي.

والقرارات الأخيرة التي اتخذتها "أوبك+" بخصوص زيادة الإنتاج، بالإضافة إلى تحليل الاتجاهات المستقبلية التي قد تؤثر في أسواق الطاقة في الأيام المقبلة.

أسباب تراجع أسعار النفط

1- تأثير السياسات الحمائية على الاقتصاد العالمي

في قلب التراجع الأخير في أسعار النفط، تقف السياسات الحمائية التي تبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تتضمن فرض رسوم جمركية على مجموعة واسعة من السلع المستوردة من كندا والمكسيك والصين.

بداية، فرضت الولايات المتحدة رسومًا على وارداتها من كندا والمكسيك، وهما من أكبر موردي النفط لأمريكا، ثم تبع ذلك فرض رسومًا جمركية إضافية على السلع الصينية، وهو ما أثار ردود فعل متباينة من الدول المعنية التي فرضت بدورها رسومًا جمركية مماثلة على السلع الأمريكية.

هذه السياسات أدت إلى اضطرابات في أسواق الطاقة العالمية، فعندما تفرض الولايات المتحدة رسومًا على السلع الصينية، يتوقع المحللون أن يؤثر ذلك بشكل غير مباشر على الطلب على النفط في الصين، وهي واحدة من أكبر مستهلكي الطاقة في العالم.

كما إن الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك قد تؤدي إلى تباطؤ في التجارة العالمية، مما يؤثر في نمو الطلب على النفط.

2- التأثيرات السلبية على الأسواق المالية

من جانب آخر، كان لقرارات الرئيس ترامب تأثير مباشر على الأسواق المالية، حيث شهدت مؤشرات الأسهم الرئيسية في وول ستريت تراجعًا حادًا، وهو ما يعكس القلق من تأثير هذه السياسات على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.

وفقًا للتقارير، فقد شهد مؤشر "ستاندرد أند بورز" أكبر انخفاض يومي له منذ 18 ديسمبر 2024، بينما تراجع مؤشر "ناسداك" بنسبة 4.0%، وهو أكبر هبوط له منذ سبتمبر 2022.

هذه الخسائر في الأسواق المالية غالبًا ما تؤدي إلى تراجع في شهية المستثمرين تجاه الأصول المربحة، بما في ذلك النفط.

وقد أكدت تصريحات ترامب الأخيرة، والتي تضمنت الإشارة إلى "فترة انتقالية" محتملة للاقتصاد، أن هناك حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة.

وقد دفع ذلك المستثمرين إلى تقليل استثماراتهم في الأسواق التي كانت تعتمد على النمو الاقتصادي المستدام، مثل أسواق النفط، إذ بدأ المستثمرون في تقييم مخاطر ضعف الطلب على النفط في حال حدوث تباطؤ اقتصادي.

3- الارتباط بين أسواق النفط والأسواق المالية

تاريخيًا، تعتبر أسواق النفط أحد المؤشرات الهامة التي تراقبها الأسواق المالية، فعادة ما ترتبط أسعار النفط مع أداء الأسهم، حيث أن تراجع أسعار النفط قد يشير إلى تباطؤ في النشاط الاقتصادي، بينما الارتفاع في أسعار النفط يعكس زيادة في الطلب العالمي على الطاقة.

تراجعت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 0.09% لتصل إلى 69.22 دولار للبرميل بحلول الساعة 6:00 صباحًا، في حين انخفضت عقود خام تكساس بنسبة 0.21% إلى 65.89 دولار للبرميل.

لكن في الفترة الحالية، تزايدت الضغوط على أسواق النفط بسبب القلق من تأثير السياسات الأمريكية الحمائية، مما أدى إلى تراجع أسعار النفط.

زيادة إمدادات النفط وتأثيرها على السوق

1- سياسة أوبك+ في زيادة الإنتاج

من جهة أخرى، تعمل "أوبك+"، التي تضم منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) ودولًا من خارج المنظمة مثل روسيا، على زيادة الإنتاج من النفط الخام في محاولة لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة.

وفي هذا السياق، أعلن نائب رئيس وزراء روسيا، ألكسندر نوفاك، في تصريحات له، أن "أوبك+" قد تتراجع عن قرار زيادة الإنتاج الذي تم تحديده لشهر أبريل 2025 في حال حدوث اختلال في التوازن بين العرض والطلب في الأسواق.

وتعتبر هذه التصريحات جزءًا من محاولات "أوبك+" للمحافظة على استقرار السوق، ولكن زيادة الإمدادات في الوقت الذي يشهد فيه العالم تباطؤًا اقتصاديًا قد تؤدي إلى زيادة الضغط على أسعار النفط.

فارتفاع العرض وسط تراجع الطلب يساهم في انخفاض الأسعار، مما يؤدي إلى تذبذب الأسعار في السوق النفطية.

2- التوقعات بشأن المخزونات الأمريكية

في إطار أوسع من المعطيات المتعلقة بالإمدادات، أظهر استطلاع حديث أن المخزونات الأمريكية من النفط الخام قد ارتفعت الأسبوع الماضي، في حين يتوقع انخفاض مخزونات نواتج التقطير والبنزين.

هذا التباين في البيانات يوضح أن هناك تفاوتًا في الطلب على أنواع مختلفة من النفط والمشتقات النفطية في السوق الأمريكي.

ورغم أن زيادة المخزونات قد تشير إلى تراجع في الطلب، فإن انخفاض مخزونات البنزين والديزل قد يشير إلى طلب قوي في بعض القطاعات.

الآفاق المستقبلية لأسواق النفط

1- توقعات الطلب العالمي على النفط

على الرغم من تزايد القلق بشأن تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد العالمي، إلا أن التوقعات تشير إلى أن الطلب على النفط قد يشهد انتعاشًا تدريجيًا في المستقبل.

إذ إن تحسن الظروف الاقتصادية في الأسواق الناشئة، خصوصًا في الصين والهند، قد يساهم في تعزيز الطلب على النفط على المدى البعيد.

2- التحديات التي يواجهها السوق النفطي

مع ذلك، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تواجه أسواق النفط، مثل التقلبات في أسعار النفط بسبب الصراعات الجيوسياسية، والمخاوف من الركود الاقتصادي، والتقنيات الجديدة التي قد تؤدي إلى تقليل الاعتماد على النفط، مثل السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.

إضافة إلى ذلك، يتعين على "أوبك+" اتخاذ قرارات حاسمة بشأن كيفية التفاعل مع تغيرات العرض والطلب في السوق.

 

ختامًا: تشير التطورات الأخيرة في أسواق النفط إلى أن هناك حالة من عدم اليقين تسيطر على السوق في ظل السياسات التجارية الحمائية التي تتبعها الولايات المتحدة.

وبالتوازي مع ذلك، لا تزال هناك تحديات تتعلق بإمدادات النفط وطلب السوق العالمي، وفي ظل هذا الوضع، يُتوقع أن تظل أسعار النفط عرضة للتقلبات في المستقبل القريب، وأن يكون من الضروري على المستثمرين والحكومات اتخاذ استراتيجيات مرنة للتعامل مع هذه التحديات.

Short Url

showcase
showcase
search