الإثنين، 28 أبريل 2025

10:59 م

اقتصاد ما بعد الأزمات، كيف تعيد الدول العربية رسم أولوياتها التنموية في زمن اللا يقين؟

الإثنين، 28 أبريل 2025 08:18 م

الاقتصاد العالمي

الاقتصاد العالمي

تحليل/ كريم قنديل

في عالم لم يعد يعترف بالثوابت، تتوالى الأزمات لتعيد صياغة معادلات الاقتصاد العالمي، وتفرض على الدول، خاصة العربية، أن تعيد التفكير في أولوياتها التنموية في زمن يتّسم باللايقين، فكيف تتعامل هذه الدول مع المتغيرات العاصفة؟ وأين تضع التنمية المستدامة، وسط عاصفة الأولويات المتزاحمة؟

الدول العربية

 

معضلة التنمية في زمن الطوارئ

لطالما كانت التنمية المستدامة حلم المستقبل، ولكن في عالم تطغى فيه الأزمات الصحية والمناخية والمالية على جدول الأعمال، بات هذا الحلم مهددًا بأن يصبح رفاهية لا يملكها الجميع، فالطارئ أصبح قاعدة، وليس استثناءً، وفق تقرير الاستثمار العالمي 2024م، والصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، حيث شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عالميًا، تراجعًا بنسبة 2% في 2023م، أما في الدول النامية، فكان الانخفاض أكثر قسوة بنسبة 7%.

وهذا التراجع لا يروي فقط قصة أرقام، بل يحكي عن نزعة متزايدة للتركيز على الإنفاق قصير الأجل، وتفضيل الحلول المؤقتة على المشاريع الكبرى، والتي تحتاج إلى سنوات لجني ثمارها.

 

أين يقف القطاع الخاص؟

ورغم كل النداءات العالمية لتعبئة التمويل الخاص نحو مشاريع التحول الأخضر، تكشف بيانات البنك الدولي أن الاستجابة كانت خجولة، ففي كثير من البلدان، لا يتجاوز تمويل القطاع الخاص لمشاريع البنية التحتية المستدامة، دولار واحدًا مقابل كل دولار حكومي.  

وهذه المعادلة المقلقة تطرح سؤالًا حتميًا إذا كان القطاع الخاص المحرك التقليدي للنمو، مترددًا في الاستثمار في المستقبل، فمن سيتحمل مسؤولية إعادة البناء الأخضر؟

البنك الدولي

 

أزمة الثقة في الحماية الاجتماعية

وليست الأرقام المالية وحدها ما يدق ناقوس الخطر، فالتحديات الاجتماعية تزداد حدة، في ظل استمرار موجات التضخم، وخصوصًا في أسعار الغذاء، حيث يشير البنك الدولي إلى أن أسعار الغذاء، ارتفعت بأكثر من 5% في نحو 77% من الدول منخفضة الدخل.

ومع وجود قرابة ملياري إنسان خارج مظلة الحماية الاجتماعية، تتكشف ملامح أزمة ثقة حقيقية في قدرة المؤسسات على حماية الفئات الهشة، إنها أزمة تتجاوز الجوع والفقر إلى اهتزاز الإيمان بقدرة الأنظمة الحالية على توفير شبكة أمان اجتماعية فعالة.

 

إعادة تعريف التنمية المستدامة

وفي مواجهة هذا الواقع القاتم، لم يعد الحديث عن التنمية المستدامة ترفًا سياسيًا أو خطابًا احتفاليًا، بل ضرورة وجودية، حيث تحتاج الدول العربية اليوم، إلى ما هو أبعد من مجرد إصلاح الأدوات التنموية، والمطلوب هو إعادة تعريف الأهداف ذاتها.

والتنمية لم تعد تعني فقط تحقيق معدلات نمو مرتفعة، بل خلق منظومة متكاملة تتشابك فيها السياسات الاقتصادية، مع التشريعات المالية، مع الاستراتيجيات التعليمية والتكنولوجية، لتشكّل معًا بيئة قادرة على الصمود أمام الصدمات.

التحول الأخضر

 

الشباب، رهان المستقبل

وفي هذا المشهد المتبدل، يبرز تمكين الشباب كمهمة استراتيجية لا تقبل التأجيل، فالشباب لم يعودوا مجرد موضوعات لبرامج التمكين والشعارات الجوفاء، بل شركاء حقيقيون في إعادة بناء النماذج التنموية، ونحن الآن بحاجة إلى جيل جديد لا يكتفي بالتكيّف مع الواقع، بل يمتلك الجرأة لصياغة البدائل، وابتكار الحلول التي تواكب وتسبق التغيرات المتسارعة.

 

لا حلول محلية لمشكلات عابرة للحدود

والأزمات لم تعد تحترم الحدود ومن ثم، لا يمكن للسياسات المحلية وحدها أن تصمد، فالتعاون الدولي لم يعد خيارًا بل ضرورة، وفتح الأسواق أمام المنتجات المستدامة، بإنشاء منصات تمويل جماعي لمشاريع التحول الأخضر، وتسهيل تبادل التكنولوجيا، كلها أدوات يجب أن تتحول إلى سياسات سارية، لا مجرد اقتراحات على ورق.

 

مراكز التفكير، صناعة المستقبل تبدأ من هناك

والدور المحوري اليوم، يقع على مراكز التفكير والمؤسسات البحثية لصياغة رؤى بعيدة المدى، تعيد ترتيب أولويات التنمية، فالعالم لا ينتظر المترددين، وخريطة المستقبل، تُرسم اليوم عبر قرارات مدروسة، تجمع بين الجرأة والابتكار والاستثمار الذكي في الإنسان والتكنولوجيا.

الاقتصاد العالمي

 

كلمة أخيرة بين رد الفعل وصناعة الفعل

والأزمة الراهنة ليست مجرد تعثّر اقتصادي عابر، بل اختبار عميق للإرادة والكفاءة في التعامل مع التحولات، فمن يكتفي بردود الأفعال، سيفقد موقعه سريعًا في عالم لا يتسامح مع التباطؤ، ومن يملك شجاعة المبادرة وصياغة البدائل سيكتب المستقبل.  

إن التنمية المستدامة، لم تعد مجرد خيار على قائمة السياسات، بل باتت عدسة حتمية نرى عبرها العالم، ونحدد عبرها موقعنا في خريطته المتغيّرة.

في زمن اللايقين، من لا يمتلك الجرأة على إعادة تعريف المسار، سيتحوّل إلى هامش في رواية الآخرين.

Short Url

search