القطاع العقاري السعودي 2024، قفزة نوعية تُحفّز الاستثمارات الأجنبية
الثلاثاء، 29 أبريل 2025 09:47 ص

سوق العقارات السعودي
تحليل/ كريم قنديل
في قلب رؤية السعودية 2030، ينبض القطاع العقاري كركيزة أساسية لتحفيز الاقتصاد، وبناء مجتمع حيوي يتمتع بجودة حياة مرتفعة، فمع الطلب المتواصل على المساكن، خاصة من الفئات الشابة، وتبنت المملكة خططًا استراتيجية تدفع عجلة التنمية السكنية، مستهدفة رفع نسبة تملّك المنازل إلى 70% بحلول 2030، في مشهد يجمع بين الطموح الحكومي والدور الفاعل للقطاع الخاص.

الحكومة السعودية تعمل بلا كلل
تعمل حكومة المملكة بلا كلل على ترسيخ بيئة استثمارية جاذبة، من خلال دعم التكنولوجيا في سلاسل القيمة العقارية، وتعزيز الشفافية عبر نشر مؤشرات الأسعار على الإنترنت، وصولًا إلى إطلاق مركز خدمات المطورين الذي يمثل نافذة تسهيلية كبرى للمستثمرين، إلى جانب طرح حلول مالية مبتكرة تضع مفاتيح التملك بيد المواطنين.
هذا الاهتمام الضخم ينعكس مباشرة على الاقتصاد، إذ تشير التوقعات إلى أن مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي الإجمالي ستتجاوز 8.8% بحلول عام 2030.
كما سيؤدي زخم التطوير إلى قفزة بنسبة 80% في تسجيل المتخصصين بالمجال العقاري، بين مطورين ومكاتب استشارية وغيرها، ما يفتح الباب أمام نمو سنوي في التوظيف بنسبة 2.57% حتى 2030.
في مشهد آخر، تضخ السوق السكنية وحدها أكثر من 12 ألف وحدة شهريًا، سواء جاهزة أو تحت الإنشاء، بالإضافة إلى 6 آلاف وحدة أخرى ضمن مشاريع البناء الذاتي، مما يخلق حركة اقتصادية نشطة تمتد إلى القطاع الصناعي، التجاري، وحتى الزراعي.
ووفق رؤية المملكة، فإنه بحلول 2025 ستُبنى نحو 400 ألف وحدة سكنية وتجارية وصناعية باستخدام تقنيات البناء الحديثة.

طفرة الصفقات العقارية.. صعود لافت في 2024
شهد عام 2024 طفرةً عقارية غير مسبوقة، فقد ارتفع عدد الصفقات العقارية بنسبة 37.4% مقارنة بعام 2023، لتصل قيمتها الإجمالية إلى نحو 280 مليار ريال سعودي، مسجلة نموًا قدره 27.8%، هذا النمو يعكس ثقة المستثمرين واستمرار الزخم السكاني في دعم الطلب، خصوصًا في المدن الكبرى.
وفي توزيع جغرافي لافت، تصدرت العاصمة الرياض المشهد بعدد صفقات تجاوز 98,975 صفقة، ما يعادل 40.2% من الإجمالي، تلتها مكة المكرمة بنسبة 18.9% ثم المنطقة الشرقية بـ14.3%، اللافت أن 88% من هذه الصفقات كانت في القطاع السكني، ما يعكس تركيز السوق على تلبية احتياجات السكن.
مفارقات الأسعار.. انخفاض عام وصعود لافت للقطاع التجاري
رغم النمو القوي في أعداد وقيم الصفقات، إلا أن الأسعار سجلت ملاحظات مختلفة، فمتوسط معدل التغير السنوي لأسعار العقارات تراجع إلى 2.3% في 2024 مقارنة بـ4.9% العام السابق، ما يدل على تصحيح صحي للسوق بعد سنوات من الارتفاعات القوية.
غير أن القطاع التجاري كان نجم الساحة، مسجلًا أعلى معدل نمو سنوي بلغ 6.1%، أما الرياض، فلم تخالف عادتها، إذ برزت كالمنطقة الأكثر ديناميكية مع ارتفاع أسعار عقاراتها بنسبة 9% خلال 2024، في ظل الطفرة الاقتصادية والمشاريع الكبرى كنيوم ومشروع الرياض الخضراء.

نجران.. قصة سوق عقارية متحركة بين هبوط وصعود
بعيدًا عن صخب الرياض، تحكي منطقة نجران قصة مغايرة، فقد شهدت انخفاضًا بنسبة 9% في عدد الصفقات العقارية خلال 2024. ومع ذلك، فإن القيمة الإجمالية للصفقات ارتفعت بنسبة 15.6%، ما يشير إلى تحسن في قيمة الأصول المتداولة رغم تراجع الكمية.
وكان لافتًا أن 86.9% من صفقات نجران تركزت على العقارات السكنية، بقيمة سوقية ناهزت 419 مليون ريال، شملت 2,484 وحدة سكنية، وفي حين سيطرت العقارات السكنية من حيث العدد، كانت العقارات الزراعية ملكة المشهد من حيث المساحة، بإجمالي 2.8 مليون متر مربع.
وعلى مستوى الأحياء، كان المشهد أكثر إثارة، إذ شهدت عشرة أحياء تسجيل أكثر من 100 صفقة لكل منها، مع تمركز واضح في المناطق الحديثة مثل شرق المطار والجامعة وأحياء النهضة، ما يعكس تحوّلًا حضريًا تدريجيًا نحو شرق وجنوب المنطقة.

أسعار نجران.. انخفاض حذر وتحسن مفاجئ في الربع الرابع
من حيث الأسعار، سجلت نجران تراجعًا سنويًا طفيفًا في الرقم القياسي بلغ 0.7% لعام 2024، وتراكم هذا الانخفاض تدريجيًا خلال العام، بواقع 1.6% في الربع الأول، ثم 4.7% في الربع الثاني، تلاه انخفاض بنسبة 0.7% في الربع الثالث.
إلا أن المفاجأة جاءت في الربع الرابع، عندما عادت الأسعار للارتفاع بنسبة 4.6% مقارنة بالعام السابق، مما خفف من حدة الانخفاض السنوي وأعطى مؤشرات إيجابية على بدء التعافي.
هذا الأداء المتباين بين الصفقات والأسعار يعكس مرحلة انتقالية يعيشها سوق نجران، من سوق تقليدي إلى بيئة استثمارية أكثر احترافية وتنظيمًا، بفضل الجهود الحكومية لتطوير البنية التحتية وجذب المستثمرين.
سوق عقاري يتحرك بثقة نحو المستقبل
في قراءة شاملة للمشهد، يتضح أن القطاع العقاري السعودي يعيش لحظة تاريخية من التحول، إذ تتلاقى جهود الحكومة، واندفاع القطاع الخاص، مع تطلعات مجتمع شاب متزايد الطلب على السكن، في لوحة طموح كبرى تهدف لتعزيز التنوع الاقتصادي وتحقيق استدامة النمو.
رغم بعض التحديات، خاصة في بعض المناطق خارج المراكز الحضرية الكبرى، إلا أن المؤشرات الكلية تبشر بمستقبل عقاري أكثر نضجًا وقوة، مدفوعًا برؤية واضحة، واستراتيجيات استباقية، وسوق متعطش لمزيد من الابتكار والتوسع.
السعودية اليوم لا تبني فقط وحدات سكنية، بل تبني مستقبلًا جديدًا لاقتصادها ومجتمعها.
Short Url
سياسات ترامب التجارية، بين دعم الصناعة وخسائر بوينج وغضب الناخبين
29 أبريل 2025 11:39 ص
الذكاء الاصطناعي العامل، السباق الاقتصادي نحو المستقبل الذي لا ينتظر أحدًا
28 أبريل 2025 10:07 م
بين السياسة والطاقة، إفريقيا تدفع ثمن خلافات أوروبا وأمريكا
28 أبريل 2025 04:47 م


أكثر الكلمات انتشاراً