الخميس، 24 أبريل 2025

05:06 م

شعار "انهيار الذهب"، بين الحقيقة والأكاذيب

الخميس، 24 أبريل 2025 01:53 م

مؤشر الذهب

مؤشر الذهب

تحليل/ كريم قنديل

في عالم يترنح تحت ضربات السياسة والانكماشات الاقتصادية، يعود الذهب ليُعلن عن نفسه كلاعب محوري، لا كزينة، بل كعُملة احتجاج عالمي، ففي لحظة تتقاطع فيها الحسابات الجيوسياسية مع جنون الأسواق، يقف المعدن الأصفر في قلب العاصفة، بين رئيس أميركي يخوض معاركه الاقتصادية كأنها حملات انتخابية، وتنين صيني يراكم الذهب، كمن يجهّز لمعركة فاصلة في نظامٍ ماليٍ لم يعد يحتمل القطبية الواحدة، وهذه ليست مجرد موجة جديدة من صعود الذهب، بل صفحة جديدة، تُكتب في كتاب الاقتصاد العالمي.

الذهب العالمي

الذهب بين جنون ترامب وصحوة الصين

وفي لحظة تاريخية من عدم اليقين، يعود الذهب إلى صدارة المشهد العالمي بوصفه ملاذًا آمنًا للهاربين من اضطرابات السياسة والاقتصاد، فالقفزة الصاروخية لأسعاره، والتي قاربت الـ3,500 دولار للأونصة، لم تأتِ من فراغ، بل كانت استجابة مباشرة لصراع نادر في عمق النظام المالي الأميركي.

وهذا التوتر، دفع المستثمرين عالميًا للهروب من الدولار نحو الذهب، الذي أصبح أشبه بتصويت ضد واشنطن، بالتوازي اشتعلت الجبهة الصينية، حيث ردت بكين على حرب ترامب التجارية بشراء الذهب وتعزيز اليوان، في خطوة استراتيجية تسعى لفك الارتباط بالدولار، وتقلل التبعية للهيمنة المالية الأميركية.

الذهب المحلي وسط التحولات العالمية

ووسط هذا المشهد، تأثرت مصر مباشرة، حيث قفز جرام الذهب عيار 21، إلى نحو 5 آلاف جنيه، قبل أن ينخفض مرة أخرى خلال الساعات الماضية، ليسجل 4,735 جنيه، ما ترك أثرًا إيجابيًا عند البعض مطلقين شعار "الذهب ينهار".

وانخفاض الذهب رغم استقرار الدولار المحلي، يعكس اندماج السوق المصرية بالتحولات العالمية، وهنا تظهر المفارقة، فالسوق المحلية أصبحت مرآة دقيقة للأسواق العالمية، لا بفعل عوامل داخلية، بل بفعل تحولات كبرى في واشنطن وبكين.

ارتفاع الذهب

 

طفرة سعرية في الذهب المحلي

والذهب خلال فترة لا تتجاوز 45 يومًا، شهد ارتفاعًا تجاوز ألف جنيه للجرام، أي ما يقارب 25% زيادة في السعر المحلي، وهذه القفزة، التي توازي ما يمكن وصفه في الأسواق بطفرة سعرية، لم تنل ما تستحقه من التحليل أو التفسير. 

وما إن تراجع السعر بشكل طفيف بنحو 100 جنيه، حتى حتى انتشر بين الجميع مصطلح الانهيار، فهل يُعقل أن يُوصف تراجع بنسبة أقل من 3% بالانهيار بعد ارتفاع تجاوز 25%، فالارتفاع الحاد في أسعار الذهب، كان نتيجة تحولات في السوق العالمية، وليس بفعل متغيرات محلية، والسوق الدولية للذهب تشهد موجة شراء غير مسبوقة، تقودها قوى اقتصادية كبرى على رأسها الصين، والتي ضاعفت احتياطياتها بشكلٍ ملحوظٍ خلال العامين الماضيين.

الذهب العالمي

 

الذهب العالمي إلى أين

وبعد أن عاش الذهب أسوأ جلسة له منذ خمسة أشهر، عاد سريعًا إلى الصعود، مسجلًا ارتفاعًا بنسبة 1.5% خلال تداولات الخميس في الـ24 من إبريل 2025م، مدعومًا بتراجع المخاوف مؤقتًا عقب تصريحات تصالحية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشأن تخفيف التوترات مع الصين ورئيس الفيدرالي جيروم باول.

ورغم التراجع الأخير، فإن الذهب لا يزال يحلق عاليًا، بزيادة تتجاوز 30% منذ بداية العام، ما يعكس عمق المخاوف العالمية من ركودٍ اقتصادي وشيك، وحرب تجارية تزداد تعقيدًا.

وفي هذا السياق، تتوقع "غولدمان ساكس"، أن تصل أسعار الذهب إلى 3,700 دولار للأونصة قبل نهاية 2025م، مع احتمال بلوغ 4 آلاف دولار في منتصف 2026م، بفعل الطلب القوي من البنوك المركزية، وسعي المستثمرين لتحوط آمن في عالم يزداد اضطرابًا.

 

 

ارتفاع مهول لاحتياطي مصر من الذهب

أما مصر، فقد تبنّت سياسة ذهبية محسوبة منذ عام 2022م، ففي حين بلغ احتياطي الذهب المصري نحو 80.23 طنًا في عام 2020م، فقد ارتفع في العام التالي بنسبة طفيفة ليصل إلى 80.91 طنًا، غير أن القفزة الكبرى جاءت في 2022م، حيث قفز الاحتياطي إلى نحو 125.63 طنًا، أي بزيادة تقارب 55% خلال عام واحد فقط.

وهذه القفزة لم تكن عشوائية، بل جاءت نتيجة قرار جريء من البنك المركزي المصري الذي قام بشراء 54% من إجمالي الذهب المحلي خلال شهرين فقط من ذلك العام، وبحسب أسعار الذهب الحالية، فإن هذا القرار، الذي تعرض حينها لهجوم واسع، أصبح اليوم أحد أنجح التحركات الاستثمارية، محققًا أرباحًا تتجاوز 400%.

مصر وسياستها التراكمية

وفي عامي 2023م و2024م، واصلت مصر سياستها التراكمية، إذ ارتفع الاحتياطي إلى 126.3 طنًا، ثم إلى 126.88 طنًا على التوالي، وهي زيادات طفيفة، لكنَّها تؤكد استمرارية واستقرار التوجه.

ولم يعد الذهب مجرد رقم على شاشات التداول أو سلعة تقليدية في خزائن البنوك المركزية، بل أصبح مرآة لقلق العالم ورسالة مشفرة في مواجهة الدولار ونفوذ واشنطن. 

ومن واشنطن إلى بكين، ومن نيويورك إلى القاهرة، يعاد تشكيل موازين الثقة والثقل المالي، حيث لم يعد السؤال كم سعر الذهب اليوم؟ بل ما الذي يكشفه هذا السعر عن شكل النظام العالمي القادم؟

Short Url

showcase
showcase
search