غسّالة الصحون التي هزّت الاشتراكية، تحوّل الاستهلاك إلى سلاح أميركي في الحرب الباردة
الخميس، 24 أبريل 2025 11:57 ص

السلع الاستهلاكية
كتب/ كريم قنديل
في منتصف القرن العشرين، لم تكن الحرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي مجرد صراع على النفوذ أو سباق للتسلّح، بل كانت أيضًا معركة على الأرواح والعقول، تدور رحاها داخل المطابخ وغرف المعيشة، حين شيّدت أميركا جناحًا تجاريًا مبهرًا في برلين الغربية عام 1950 ضمن خطة مارشال، كانت رسالته واضحة، “الرأسمالية تعني الوفرة، والأجهزة المنزلية الحديثة ليست مجرد أدوات، بل رموز لحياة أفضل”.
وكانت غسالة الصحون، والمايكروويف، والتلفاز الملوّن، وحتى المشروبات الغازية، أحد أنماط الحياة الجديدة، الذي أغرى الكثير من الأوروبيين المتعبين من تداعيات الحرب، كما دغدغ أحلام المواطن السوفييتي العادي.

الدعاية عبر الثلاجة
وفي ذروة الحرب الباردة، وقفت التكنولوجيا المنزلية الأميركية أمام نيكيتا خروتشوف، الزعيم السوفييتي، لتُشعل مشادةً شهيرة مع ريتشارد نيكسون في معرض موسكو عام 1959، وحين قرّر خروتشوف الرد، لم يفعِّل ذلك عبر رفض النزعة الاستهلاكية، بل بتقليدها إعلاميًا، في محاولة فاشلة لإثبات أن الاشتراكية، قادرة على توفير نفس الرفاه.
لكن السحر انقلب على الساحر، فكما قال المؤرخ غريغ كاستيلو: "حين يرى الناس جلاية صحون، لا شكّ بأنهم سيرغبون باقتناء واحدة"، ومع تزايد التطلعات، تسللت الرأسمالية إلى الوجدان السوفييتي، لتقوّض النظام من الداخل.

من مارشال إلى تحرير ترامب
الرأسمالية لم تكتفِ بالانتصار في الحرب الباردة، بل أصبحت حجر الأساس للهوية الأميركية، فالاستهلاك لم يعد مجرد نشاطٍ اقتصادي، بل طريقة للتعبير عن الذات وعن القيم وحتى عن الانتماء، فحوالي 70% من الناتج المحلي الأميركي اليوم، يأتي من إنفاق الأسر، وهي نسبة تفوق كل الدول الصناعية الأخرى.
لكن هذا النظام القائم على التدفّق المستمر للسلع الرخيصة، يواجه اليوم هزة عنيفة، تقودها إدارة دونالد ترامب، فعبر سياسة رسوم جمركية أطلق عليها يوم التحرير، تسعى واشنطن إلى إعادة تعريف الحلم الأميركي من جديد، وبحسب وزير الخزانة سكوت بيسنت، فالحصول على السلع الرخيصة، ليس جوهر الحلم الأميركي.
كما أن هذا التصريح، لا يعكس فقط تحوّلًا سياسيًا، بل محاولة لإعادة تشكيل وعي استهلاكي ترسّخ لعقود، لكن هل يقبل الأميركيون التنازل عن خزانة ملابسهم الممتلئة، أو عن أجهزة الآيفون الأنيقة، مقابل وعد غامض بإحياء الصناعات المحلية؟

معضلة المقايضة
وتاريخيًا، قُدّمت النزعة الاستهلاكية في أميركا كصفقة، “السلع مقابل تقليص دور الدولة”، حيث مقابل غسالة ملابس ومجفف داخلي، تخلّى الأميركيون عن تأمينٍ صحيٍ شاملٍ أو إجازات مدفوعة كما في أوروبا، ولم تكن الصفقة مثالية، لكنها عملت وأنتجت طبقة وسطى قوية ومجتمعًا يقدّس الاختيار الفردي.
لكن الآن، يبدو أن ترامب يريد أن يُطيح بهذه الصفقة، دون أن يقدّم بديلًا للرسوم الجمركية، فقد ترفع الأسعار وتقلّص الخيارات وتُنهك ميزانيات الأسر، من دون أي ضمانات فعلية بإعادة الوظائف أو خفض للتضخم.
الخطر على هوية أميركا
والتهديد لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية، فالأميركيون بنوا جزءًا كبيرًا من هويتهم حول الاستهلاك، فالمطبخ المُجهّز ليس رفاهية، بل رمز للحرية وطريقة للتعبير عن الذات، وإذا أُزيلت هذه الرموز فقد يبدأ الناس بالبحث عن بدائل سياسية للتعبير عن استيائهم.
ويبدو أن ما بدأ كعرض تجاري في برلين، قد عاد ليتحوّل إلى اختبار جوهري لهوية أميركا نفسها، فهل يمكن لحلم أميركي جديد، أن يُولد من رماد الثلاجة الفارغة؟
Short Url
أزمة أسعار أم سياسة؟، كيف يعبّر ترامب برجر عن أزمة أمريكا الاقتصادية؟
24 أبريل 2025 04:09 م
ترامب والتعريفات، سياسة بلا بوصلة وفن صفقات محفوف بالمخاطر
24 أبريل 2025 03:23 م
بين مطرقة إيران وسندان الصين، سوق النفط يتراقص على إيقاع السياسة العالمية
24 أبريل 2025 11:29 ص


أكثر الكلمات انتشاراً