الخميس، 24 أبريل 2025

03:12 م

الذهب يزأر، والمستثمرون يفرّون من الدولار نحو الملاذ الآمن رغم ارتفاعه

الثلاثاء، 22 أبريل 2025 10:54 م

الذهب

الذهب

تحليل/ كريم قنديل

في لحظة فارقة من تاريخ الأسواق العالمية، يقف الذهب اليوم على عتبة جديدة من الجنون السعري، بعدما قفزت الأونصة إلى مشارف 3500 دولار، في مشهد لم تشهده الأسواق من قبل، مشهد يرسم ملامح حقبة جديدة من عدم اليقين، عنوانها الرئيسي، الخوف من الآتي.

ارتفاع الذهب
ارتفاع الذهب

لكن، لماذا كل هذا الهلع؟ ولماذا عاد الذهب ليصبح نجم المشهد المالي العالمي؟ الإجابة تقودنا إلى قلب العاصفة الأميركية، حيث الرئيس دونالد ترامب يشعل أزمة جديدة مع رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، في صراع يبدو أنه تجاوز الإطار المؤسسي، ليدخل مباشرة في حسابات الأسواق والمستثمرين وصنّاع القرار المالي في العالم أجمع.

ترامب يُربك الأسواق.. وباول في مرمى الإقالة

الهجوم العنيف من الرئيس الأميركي على باول، وتهديده الضمني بإقالته، كان كفيلاً بتفجير موجة من الذعر المالي، فمجرد التفكير في إقالة رئيس الفيدرالي كفيل بتقويض ثقة المستثمرين في صلابة السياسات النقدية الأميركية، وهو ما يفسّر النزوح الجماعي من الدولار والأسهم نحو الذهب.

إن إقالة باول ستُحدث زلزالاً في الاقتصاد الأميركي، وهي رسالة التقطتها الأسواق فورًا، فتزايد الطلب على الذهب كملاذ آمن، وانهالت البنوك المركزية والصناديق الاستثمارية والأفراد على شراء المعدن الأصفر كمن يهرب من حريق آخذ في الاتساع.

الذهب الصيني

الصين تشعل الجبهة الأخرى، والتنين يدخل سباق الذهب

على الجانب الآخر من المحيط، تُظهر الصين أن ردها على سياسات ترامب التجارية لن يكون تقليديًا، فبعد تحذيرها الحاد للدول من مغازلة واشنطن على حساب مصالح بكين، أعلنت نيتها الاستثمار الكثيف في الذهب، لتوجه بذلك رسالة مفادها، "نحن مستعدون لحرب طويلة، وهذه المرة بأسلحة غير تقليدية."

لم يأتِ الرد الأميركي متأخرًا، فقد قرر ترامب رفع الرسوم الجمركية بشكل حاد على الصين، في تصعيد يُنذر بحرب تجارية قد تُخرج الاقتصاد العالمي من طور التباطؤ إلى شفير الركود الكامل.

سيطرة الدولار على المحك.. والصين ترد باليوان

منذ عقود، يُعد الدولار الأميركي العملة المهيمنة في التجارة العالمية، ومعظم التسويات والمعاملات الدولية تتم به، حتى بين أطراف لا علاقة لها بأميركا، هذا الواقع منح واشنطن نفوذًا هائلاً، مكّنها من استخدام الدولار كسلاح اقتصادي، سواء عبر العقوبات أو الرسوم الجمركية.

لكن الصين القوة الاقتصادية الثانية عالميًا بدأت تدرك أن استمرار الاعتماد على الدولار يجعل اقتصادها عرضة للخنق في أي لحظة، ومع رفع الرسوم الجمركية الأميركية إلى مستويات قياسية، جاء الرد الصيني على شكل سياسة واضحة، دعم واسع النطاق لاستخدام اليوان في المعاملات الخارجية، بداية من الشركات الحكومية، مرورًا بالبنوك التجارية، وصولاً إلى بورصات الذهب.

بل اتجهت الصين إلى زيادة احتياطها من الذهب واستبدالها بالدولار، كجزء من الحرب التجارية المشتعلة بين الصين والولايات المتحدة، وبدأت في تبني سياسات تقوي عملتها المحلية وتعزز من صادراتها.

سبائك ذهبية

الذهب في مصر، بين جنون الأسعار وثبات الدولار

وبينما يتفاعل العالم مع هذا الزلزال الاقتصادي، تشهد السوق المصرية موجة ارتفاع غير مسبوقة في أسعار الذهب، الجرام من عيار 21، الأكثر تداولًا في السوق، يقترب الآن من 5000 جنيه، بعدما قفز بأكثر من 1200 جنيه منذ بداية العام، في وقت لم يتحرك فيه الدولار المحلي إلا هامشيًا.

المفارقة هنا أن السعر المحلي للذهب بات مرآة صادقة لما يحدث في البورصات العالمية، فمع استقرار سعر الصرف في البنوك، أصبح السعر العالمي هو المحدد الرئيسي، مما يعكس ترابطًا غير مسبوق بين الأسواق المحلية والعالمية.

الذهب يربح، لأن الثقة تخسر

ما يجري اليوم هو أكبر من مجرد ارتفاع في سعر سلعة، إنه تحوّل في الثقة، فالمستثمرون، أفرادًا ومؤسسات، باتوا يتعاملون مع المعدن الذهبي ليس فقط كأداة تحوّط، بل كتصويت صريح ضد سياسات أميركية غير مستقرة، وضد نظام مالي عالمي يترنّح على وقع النزاعات الجيوسياسية.

ومع تراجع الدولار إلى أدنى مستوياته خلال ثلاث سنوات، وتزايد القلق من انهيار في أسهم كبرى الشركات، ووسط ضبابية المستقبل الاقتصادي، يظل الذهب هو الصوت الوحيد الذي لا يكذب.

نحن أمام مرحلة جديدة، يَصعُب فيها التنبؤ بمسار الاقتصاد العالمي، لكن ما هو واضح الآن، أن الذهب لم يعد فقط ذلك المعدن اللامع الذي يُهدى في المناسبات، بل بات بطاقة تأمين لاقتصادات خائفة، ومفتاحًا لقراءة مستقبل يزداد اضطرابًا كل يوم.

Short Url

showcase
showcase
search