أكل الفسيخ فى شم النسيم، طقوس تاريخية تتحدى غلاء الأسعار؟
الإثنين، 21 أبريل 2025 12:56 م

الفسيخ
شهيرة أحمد
رغم التحذيرات الصحية وارتفاع الأسعار، لا يزال الفسيخ نجم مائدة شم النسيم لدى ملايين المصريين، باعتباره طقسًا متجذرًا في تقاليد الاحتفال بعيد الربيع منذ عصور الفراعنة، وبين التاريخ والواقع، تبرز تساؤلات حول أصل هذه العادة ومدى جدواها اقتصاديًا في ظل المتغيرات الحالية، خاصة مع ارتفاع الأسعار وتراجع القوة الشرائية.

في هذا التقرير نتناول الفسيخ في شم النسيم، من أين بدأت الحكاية؟ وكيف أصبح سوقًا موسميًا يدر الملايين؟ وهل لا تزال هذه العادة مربحة في ظل ارتفاع الأسعار؟.
في مشهد يتكرر كل عام، يحتفل المصريون اليوم الاثنين بعيد شم النسيم، بالخروج إلى الحدائق العامة والمتنزهات، وتناول الفسيخ والرنجة والبيض الملون. مشهد مألوف لكن جذوره فرعونية، حيث تعود طقوس الاحتفال إلى أكثر من 4700 عام، اعتبر المصريون القدماء فصل الربيع رمزًا لانبعاث الحياة وتجددها.
أصل تسمية شم النسيم بهذا الاسم
شم النسيم، الذي اشتق اسمه من الكلمة الفرعونية "شمو" وتعني "بعث الحياة"، تحول بمرور الزمن من عيد رسمي فرعوني إلى مهرجان شعبي مصري، يميزه تناول الفسيخ كطقس مركزي، يمثل عند القدماء رمزًا للخلود، نظرًا لقدرة الأسماك المملحة على البقاء دون فساد.
الرمزية الفرعونية.. من الخلود إلى العادة الموسمية
لم تكن الأسماك المملحة مجرد غذاء في مصر القديمة، بل حملت رمزية دينية وثقافية كبيرة، باعتبارها رمزًا للخلود والبقاء، وكان القدماء المصريون يحرصون على تمليح الأسماك وتخزينها، لتناولها خلال الاحتفالات الموسمية، أبرزها شم النسيم، الذي ارتبط أيضًا بتناول البيض كرمز للخلق، والبصل كرمز للطهارة والحماية.

توارث المصريون تلك الطقوس، بمرور الزمن لتصبح عادة راسخة، لا يمر شم النسيم دون أن تكون الأسماك المملحة جزءًا أصيلًا من مائدته، مهما اختلفت الطبقات الاجتماعية أو الظروف الاقتصادية.
اقتصاد "الفسيخ".. موسم ينتظره السوق سنويًا
قبل أيام من حلول شم النسيم، تشهد الأسواق المصرية رواجًا ملحوظًا في بيع الفسيخ والرنجة، حيث يقبل المواطنون على شرائها بكميات كبيرة، في المحلات، وتعتبر هذه الفترة موسمًا اقتصاديًا مهمًا للتجار والباعة، حيث ترتفع حركة البيع بشكل كبير.
أسعار الفسيخ والرنجة مقارنة بالعام الماضي
وفقًا لتصريحات أصحاب محلات الفسيخ والرنجة، فقد سجلت الأسعار هذا العام زيادة تتراوح بين 15 إلى 20% مقارنة بالعام الماضي، نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج ونفقات النقل والتخزين.
ارتفاع أسعار الفسيخ والرنجة
الفسيخ العادي (3 قطع/كجم): بين 300 و320 جنيهًا.
الفسيخ البوري بالبطارخ: بين 350 و360 جنيهًا.
الرنجة: من 130 إلى 150 جنيهًا للكيلو.
الرنجة المخلية (350 جم): بين 180 و190 جنيهًا.
الرنجة الهولندية المخلية: نحو 650 جنيهًا للكيلو.
الملوحة: بين 90 و100 جنيهًا.
السردين: نحو 35 جنيهًا للكيلو.

قفزة في الواردات.. استعداد مبكر لموسم الربيع
وبموازاة النشاط المحلي، ارتفعت واردات مصر من الرنجة والأسماك المحفوظة بشكل ملحوظ، في استعداد مبكر لموسم شم النسيم، وبلغت قيمة الواردات نحو 122 مليون دولار (ما يعادل نحو 6.4 مليار جنيه) خلال الفترة من يناير 2024 حتى نهاية يناير 2025.
وووفقَا لبيانت نشرة التجارة الخارجية الواردة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، سجلت واردات الرنجة خلال يناير 2025 فقط، ارتفاعًا بنسبة 166% مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، لتصل إلى نحو 14.8 مليون دولار (ما يعادل 757 مليون جنيه).
كما حققت واردات مصر من جميع أنواع الأسماك المحفوظة ارتفاعًا سنويًا بنسبة 14% خلال عام 2024، لتسجل 710.8 مليون دولار، مقارنة بـ 623.6 مليون دولار في 2023.
ويعود هذا الارتفاع جزئيًا إلى استيراد كميات كبيرة لتغطية الطلب الموسمي، حيث شكلت منتجات مثل التونة، الرنجة، والجمبري نحو 54% من إجمالي واردات الأسماك بقيمة 41.681 مليون دولار.

هل لا تزال عادة تناول الفسيخ مجدية اقتصاديًا؟
رغم ارتفاع الأسعار، لا تزال عادة تناول الفسيخ مجدية اقتصاديًا من وجهة نظر التجار والمستهلكين على حد سواء، فبالنسبة للتجار، يعد الموسم فرصة لتحقيق أرباح مضاعفة، خاصة مع تزايد الإقبال.
أما المستهلكون، فرغم الغلاء، فإن الطقس الاجتماعي والرمزية الثقافية للعيد يدفعان الكثيرين للحفاظ على العادة ولو بكميات أقل.
مبيعات الأسماك المملحة
ارتفعت مبيعات الأسماك المملحة، مثل الرنجة والفسيخ، بنسبة 25% خلال عيد الفطر مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، رغم ارتفاع أسعارها، وفقًا لبيانات الواردة عن شعبة الأسماك.
وأكد تجار أن المستهلكين واصلوا الإقبال على الشراء، نظرًا لارتباطهم بهذه العادة المتجذرة، ومن المتوقع أن يشهد السوق مزيدًا من الانتعاش بالتزامن مع احتفالات شم النسيم، الذي عد موسمًا رئيسيًا لهذه المنتجات، بحكم التقاليد المصرية التي تحتفي فيه بتناول الفسيخ والرنجة كطقس أساسي.
رمزية علمية.. أقدم سمكة رنجة في الفيوم
في لمسة طريفة تجمع بين العلم والتاريخ، كشف عالم الحفريات والأستاذ بكلية العلوم والهندسة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة والأستاذ في قسم الجيولوجيا بجامعة المنصورة، د. هشام سلام، عن اكتشاف أقدم سمكة رنجة في مصر بصحراء الفيوم عام 2016، تعود إلى حوالي 30 مليون سنة، تنتمي لفصيلة الرنجة والسردين.

الفسيخ بين الماضي والحاضر.. طقس باقي رغم التغيرات
في النهاية، ورغم المتغيرات الاقتصادية، تبقى عادة تناول الفسيخ في شم النسيم واحدة من أكثر العادات المصرية تميزًا واستمرارًا. فهي ليست فقط طقسًا غذائيًا، بل رمز للانتماء، واستدعاء لذكريات الطفولة والعائلة والربيع، تجتمع فيها التقاليد، الاقتصاد، والهوية الثقافية في طبق مملّح.
Short Url
أزمة أسعار أم سياسة؟، كيف يعبّر ترامب برجر عن أزمة أمريكا الاقتصادية؟
24 أبريل 2025 04:09 م
ترامب والتعريفات، سياسة بلا بوصلة وفن صفقات محفوف بالمخاطر
24 أبريل 2025 03:23 م
غسّالة الصحون التي هزّت الاشتراكية، تحوّل الاستهلاك إلى سلاح أميركي في الحرب الباردة
24 أبريل 2025 11:57 ص


أكثر الكلمات انتشاراً