الطاقة النووية في بيتك.. كيف تغير الضبعة تفاصيل حياتنا اليومية؟
الخميس، 17 أبريل 2025 12:14 م

الضبعة النووية
عندما يُذكر مصطلح “النووي”، غالبًا ما تتجه الأذهان إلى الخيال العلمي أو تكنولوجيا معقدة محاطة بأسوار الأمان المشدد. لكن للطاقة النووية وجه آخر، أكثر قربًا مما نتخيل، يتواجد بهدوء في تفاصيل حياتنا اليومية. فهي لا تقتصر فقط على توليد الكهرباء، بل تُستخدم أيضًا في دعم العلاجات الطبية المنقذة للحياة، وتعزيز سلامة الغذاء، وتحسين جودة المياه. إنها ليست أداة استعراضية بقدر ما هي قوة تحوّلية هادئة ومستدامة.
وفي مصر، تتعاظم هذه القوة يومًا بعد يوم. فمع إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية، تدخل الطاقة النووية دائرة الضوء – ليس فقط كمصدر للكهرباء، بل كركيزة أساسية لمستقبل مصر المستدام. وعلى عكس مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح، لا تعتمد الطاقة النووية على ظروف الطقس أو ضوء النهار. إنها تعمل دون توقف، على مدار الساعة، وتوفر كهرباء مستقرة وموثوقة. وهذا يُعد إنجازًا حاسمًا لدولة مثل مصر ذات احتياجات متزايدة وطموحات تنموية واسعة.

بقيادة شركة روساتوم، الرائدة عالميًا في مجال التكنولوجيا النووية، من المتوقع أن توفر محطة الضبعة 4.8 جيجاوات من الطاقة النظيفة، بما يغطي نحو 10% من إجمالي احتياجات مصر من الكهرباء. لكن ما هو أبعد من الأرقام، هو أن الضبعة تمثل ميلاد منظومة طاقة جديدة – منخفضة الكربون، طويلة الأجل، وتعتمد على التعاون التكنولوجي المتطور.
ورغم أن مصر حديثة العهد بتوليد الكهرباء من الطاقة النووية، إلا أن مسيرتها في هذا المجال لم تبدأ منذ فترة قصيرة وكانت تستند في مجملها إلى خبرات ممتدة من الشركاء الروس. وتحتفل روسيا هذا العام بمرور 80 عامًا على إطلاق صناعتها النووية، وهو إرث معرفي وتقني بات جزءًا من مسيرة مصر من خلال شراكة متعددة الأوجه.

ولا تقتصر مساهمة “روساتوم” في مشروع الضبعة على توريد المفاعلات وبناء المحطة فحسب، بل تشمل أيضًا تزويدها بالمعدات الأساسية، والوقود النووي، وأنظمة تخزين الوقود المستهلك، مما يضمن دورة دعم متكاملة. وبنفس القدر من الأهمية، تنقل الشركة المعرفة والخبرة عبر تدريب المهندسين والفنيين والمختصين المصريين الذين سيتولون تشغيل المحطة وصيانتها مستقبلاً. فهذه الشراكة ليست عقدًا فقط، بل تعاون طويل الأمد قائم على بناء القدرات والطموح المشترك.
وليس هذا كل شيء. فالتقنيات النووية تخدم بالفعل قطاعات حيوية أخرى في مصر. ففي المستشفيات، تُستخدم النظائر المشعة لتشخيص السرطان وعلاجه. وفي الزراعة، تساهم تقنية التشعيع في حماية المحاصيل والحفاظ على جودة الغذاء. أما في إدارة المياه، فتوفر التقنيات النووية حلولًا فعالة لتحلية المياه وتنقيتها، وهي مسألة بالغة الأهمية في بلد يعاني من ندرة الموارد المائية.
ومن الأعمدة الأساسية لهذا التحول: التعليم – ومصر تخطو خطوات جريئة في هذا الاتجاه أيضًا. ففي قلب هذه الجهود تقف المدرسة الفنية المتقدمة للطاقة النووية بالضبعة (ATSNEE) – أول مؤسسة تعليمية من نوعها في مصر والمنطقة. تمثل هذه المدرسة ركيزة تعليمية محورية ضمن برنامج مصر للطاقة النووية، حيث تؤسس لمعيار جديد في التعليم الفني والتقني المتخصص.
تُعِدّ المدرسة طلابها من خلال برنامج مدته خمس سنوات، يجمع بين الدراسة الأكاديمية المكثفة والتدريب العملي في مجالات الكهرباء والميكانيكا والهندسة النووية، بالإضافة إلى مواد تخصصية مثل الفيزياء النووية والأمان النووي، ما يمنحهم قاعدة معرفية قوية تؤهلهم للالتحاق بسوق العمل في هذا القطاع المتقدم.
ما يميز ATSNEE هو شراكتها الوثيقة مع هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA)، والتي تمنح الطلاب فرص التدريب في مواقع العمل الحقيقية، والتعلّم على يد خبراء الهيئة ممن يزوّدونهم بأحدث المعارف والخبرات العملية بما يمنحهم فرص تعليمية وتحوّلية، حيث تُطلع الطلاب على أحدث تقنيات الطاقة النووية ومعايير السلامة العالمية.
وبتعزيزها لثقافة الابتكار والتميز التقني والاستعداد العملي، لا تكتفي المدرسة ببناء الكفاءات فحسب، بل تضع مصر في موقع الريادة المستقبلية في التعليم النووي، لتكون نموذجًا يُحتذى به في المنطقة.
إنها ليست مجرد تنمية للمهارات، بل استثمار في المستقبل. وقد أثبتت دول مثل فرنسا (التي تنتج أكثر من 70% من كهربائها من الطاقة النووية) وكوريا الجنوبية (أكثر من 25%) الجدوى الاستراتيجية طويلة المدى لهذه الطاقة. بل إن دولًا غنية بالوقود الأحفوري، مثل الإمارات (التي تمتلك وتُشغّل محطة نووية بالفعل) والمملكة العربية السعودية (التي بدأت استكشاف هذا المجال)، باتت ترى فيها خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه.
إن السردية العالمية للطاقة في تحوّل – من الوقود الملوِّث والمحدود إلى التكنولوجيا النظيفة والموثوقة. ومصر تشارك بنشاط في هذا التحول. ففي الضبعة، لا يُنظر إلى التنمية وخفض الانبعاثات كمسارين متضادين، بل كحليفين متكاملين.

إن تأثير الطاقة النووية خفي لكنه بعيد المدى. ومن خلال محطة الضبعة، لا تشغّل مصر محطة كهرباء فحسب – بل تُطلق عصرًا جديدًا من الاستقلالية في مجال الطاقة، والابتكار التكنولوجي، والنمو المستدام. ومع شريك مثل “روساتوم” الذي يحمل في جعبته 80 عامًا من التميّز النووي، فإن مصر لا تسير هذه الرحلة بمفردها – بل تسير فيها مع الأفضل.
لذا، في المرة القادمة التي تُضيء فيها مصباحًا، أو تزور عيادة، أو تملأ كوبًا من الماء النقي، تذكّر أن الطاقة النووية موجودة – تعمل في صمت، بثبات، وموثوقية. وستبقى.
Short Url
اللحم الوقيع وخطورة الذبح كاريكاتير جديد لموقع "إيجي إن"
10 أبريل 2025 03:42 م
المرشد السياحي جمال مرسي يكتب: زيارة تاريخية تنعش السياحة المصرية
07 أبريل 2025 09:40 م


أكثر الكلمات انتشاراً