الأربعاء، 16 أبريل 2025

08:54 ص

الذكاء الاصطناعي يدخل الفصول، فهل يصنع فوارق تعليمية خفية؟

الإثنين، 14 أبريل 2025 10:18 م

التعلم الفعال

التعلم الفعال

كتب/ كريم قنديل

في مشهدٍ عالميٍ تتسارع فيه التحوّلات التقنية، يبرز الذكاء الاصطناعي كواحد من أعظم الابتكارات التي عرفها التعليم الحديث، منصات ذكية، تقييمات فورية، مسارات تعليمية مخصصة، وكل هذا يوحي بعصرٍ ذهبيٍ من التعلم الفعّال والمرن، ولكن خلف هذه الواجهة البرّاقة، تلوح ملامح سؤال اقتصادي لا يقل أهمية: من يدفع الثمن؟ ومن يحصد العائد؟

التعلّم الرقمي

اقتصاد التعليم الرقمي: مَن يملك ومَن يُقصى؟

الذكاء الاصطناعي في التعليم لا يُنتج من فراغ، بل ينمو داخل بيئة اقتصادية محددة، تحكمها الاستثمارات، والبنية التحتية، والسياسات الحكومية، وبالتالي، فإن الفجوة الرقمية التي تفصل بين طلاب المدن الموصولة بشبكات الألياف الضوئية، وطلاب القرى التي ما زالت تكافح للوصول إلى اتصال ثابت، ليست مجرد تفاوت تقني، بل اختلال في توزيع الفرص التعليمية، وبالتالي المستقبل الاقتصادي.

حين يكون الطالب في بيئة مهيأة رقميًا، فهو يتعلم أسرع، ويكتشف مهاراته أسرع، ويصل إلى سوق العمل بأدوات أفضل، وهذه الميزة التنافسية، وإن بدت تربوية في ظاهرها، فهي رأس مال معرفي واقتصادي في جوهرها.

 

تحيّز الخوارزميات وخسائر غير مرئية

من منظور اقتصادي، فإن تحيّز الخوارزميات، لا يؤدي فقط إلى قرارات تعليمية غير دقيقة، بل ينتج عنه ما يمكن تسميته بـخسائر الكفاءة البشرية، حين يُقيَّم طالب عربي بناءً على نموذج تعليمي غربي، فإن نظام الذكاء الاصطناعي لا يُخطئ فقط، بل يُقصى بطريقة ناعمة، وغير معلنة الإمكانيات المحلية، والمواهب غير النمطية.

وهذا يُعيد إنتاج نمط قديم من الاقتصاد العالمي: مركز يُنتج المعرفة، وأطرافًا تستهلكها، دون أن تمتلك أدوات التأثير أو التعديل.

التعلم الالكتروني

 

البيانات: النفط الجديد .. ولكن لمن؟

يعتمد الذكاء الاصطناعي، على البيانات تمامًا كما يعتمد الاقتصاد على رأس المال، لكن في التعليم، هذه البيانات تأتي من الطلاب، وتُستخدم لتحسين أداء الأنظمة، أو لغايات تجارية، وهنا نواجه مفارقة اقتصادية حرجة: من يملك البيانات؟ ومن يستفيد منها؟

وإذا لم تُوضع أطر تنظيمية صارمة لحماية هذه العملات الرقمية البشرية، فإن أدوات التعليم، قد تتحوّل إلى وسائط ربحية، تُعيد استغلال الفئات الأضعف دون علمها، أو قدرتها على الاعتراض.

 

الاستثمار في العدالة الرقمية: تكلفة أم فرصة؟

وقد يُنظر إلى العدالة الرقمية في التعليم على أنها عبء إضافي على الميزانية، لكن الحقيقة أن كل ريال يُستثمر في سدّ الفجوة الرقمية، هو استثمار في رأسمال بشري عالي الإنتاجية، واقتصادات اليوم، لا تقوم على الثروات الطبيعية فقط، بل على ما يعرف بـ"اقتصاد المعرفة"، حيث يصبح الإنسان المتعلّم، والموصول رقميًا، أهم أصول الدولة.

الدول التي تفشل في دمج الذكاء الاصطناعي بعدالة في أنظمتها التعليمية، ستواجه ليس فقط فجوة تعليمية، بل فجوة في الابتكار، والمهارات، والتنافسية الدولية.

التعليم

 

نحو اقتصاد تعليمي أكثر عدلًا: ما المطلوب؟

بنية تحتية رقمية عادلة: الاستثمار في الإنترنت والأجهزة في المناطق الطرفية لم يعد خيارًا، بل ضرورة اقتصادية.

إنتاج أدوات تعليمية ذكية محلية: للحد من التبعية المعرفية، وتقليل التحيّز الثقافي.

تشريعات لحوكمة البيانات التعليمية: حماية للخصوصية، وللثروة الرقمية الوطنية.

شراكات استراتيجية بين القطاعين العام والخاص، لتوفير حلول ذكية منخفضة التكلفة.

الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تعليمية، بل أداة لإعادة توزيع الفرص في الاقتصاد الرقمي، وإن لم يُستخدم بعدالة، فإن الفجوة لن تكون فقط رقمية، بل معرفية، وفرصوية، واقتصادية. 

والسؤال الحقيقي ليس: هل نُدخِل الذكاء الاصطناعي إلى التعليم؟ بل: كيف نُدخله دون أن نُقصي أحدًا من الغد؟

Short Url

showcase
showcase
search