الثلاثاء، 15 أبريل 2025

11:18 ص

النسيان الرقمي، الذكاء الاصطناعي يهدد العقل البشرى مع تزايد الاعتماد عليه

الأحد، 13 أبريل 2025 09:37 م

التحول الرقمي

التحول الرقمي

تحليل/ كريم قنديل

في ظل الطفرة الهائلة التي يشهدها مجال الذكاء الاصطناعي، ومع تزايد الاعتماد على أدوات مثل ChatGPT وغيرها، بدأت ظاهرة جديدة تُعيد تشكيل سلوك الأفراد والمؤسسات على حد سواء، وهي ما يُعرف اقتصاديًا واجتماعيًا بـ تأثير جوجل أو "النسيان الرقمي". 

روربوت يحل محل البشر

لم يعد المستخدم يشعر بحاجة ملحة إلى حفظ المعلومة أو حتى فهمها بعمق، طالما أن الوصول إليها لا يتطلب أكثر من ضغطة زر، ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى الصورة، لم يعد الحديث فقط عن البحث، بل عن تنفيذ المهام بالكامل نيابة عن الإنسان.

وهنا تتضح ملامح أزمة أعمق، التخلي التدريجي عن التفكير التحليلي والاستقلال المعرفي، واستبداله باتكال كامل على نظم مؤتمتة قد تُنتج الإجابة، ولكنها لا تُنمي العقل.

التحول في سلوك المستهلك الرقمي

اقتصاديًا، نحن أمام تحوّل جوهري في سلوك المستهلك، وطريقة تعامله مع الخدمات الرقمية، لم يعد المستخدم على استعداد لأن يمر بخطوات معقدة لإجراء عملية شراء، أو تعبئة نموذج، أو استكشاف محتوى، بل يبحث عن واجهات تعتمد على المحادثة الذكية، تختصر عليه الطريق، وتوفر له النتيجة النهائية فورًا. 

هذا الاتجاه، يدفع الشركات لتغيير هيكل خدماتها الرقمية، حيث تتراجع أهمية التطبيقات المعقدة أو الواجهات التقليدية أمام صعود ما يُعرف بـ الواجهة الواحدة الذكية، التي تُبسط تجربة المستخدم وتحولها إلى حوار سهل وسريع مع نموذج ذكي. 

هذا التغير في شكل التفاعل، يُعيد توزيع القيمة في السوق الرقمي، من الشركات التي تقدم خدمات متفرقة إلى تلك التي تقدم تجربة شاملة وسريعة ومدعومة بالذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي يساعد البشر

من المحترفين إلى الاتكال المهني

الأمر لا يتوقف عند المستخدمين العاديين فقط، بل يمتد إلى المحترفين في كافة القطاعات، فنحن نلاحظ اليوم اعتمادًا متزايدًا من الكتّاب، والمصممين، والمبرمجين، ورواد الأعمال على الذكاء الاصطناعي ليس فقط للمساعدة، بل لإنجاز المهام بالكامل. 

ومع هذا التحول، بدأت تظهر حالة من التشابه والرتابة في المحتوى والأفكار، وهو ما يُضعف تدريجيًا من ميزة الإبداع البشري كمصدر للتفوق المهني والاقتصادي، وبذلك، تتحول أدوات الذكاء الاصطناعي من أدوات مساعدة إلى بدائل حقيقية، ما يُهدد تدريجيًا القيمة التي يضيفها العنصر البشري في سلسلة الإنتاج.

شركات تعيد تشكيل الاقتصاد المعرفي

شركات التقنية الكبرى، بدأت تلاحظ هذا التغير، بل وتستثمر فيه بذكاء، شركة مثل Anthropic طورت نماذج لا تكتفي بتقديم الإجابة، بل تشرح كيفية الوصول إليها، والمنطق الذي بُنيت عليه، ومصادرها، في محاولة لإعادة إشراك العقل البشري في العملية المعرفية. 

هذا التوجه لا يهدف فقط لتحسين جودة التفاعل، بل لتخفيف الآثار الجانبية للإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، والتي قد تقود إلى تراجع قدرات التحليل والنقد والفهم لدى الإنسان، مما ينعكس لاحقًا على سوق العمل والإنتاجية ومستوى الإبداع في المجتمعات.

روبوت

خطر الاستسهال.. وغياب التميز الفردي

مع وفرة المحتوى وسهولة الوصول، تقل قيمة التميز الحقيقي، إذ لم يعد القارئ أو المستهلك يميّز بين من كتب بجهده ومن نسخ من الذكاء الاصطناعي، مما يخلق سوقًا مشبعًا بمحتوى متشابه، يُصعّب على المبدعين الحقيقيين إثبات تميزهم، ويُغري الآخرين باتباع نفس الطريق السهل. 

هذا التشبع في السوق يُعيد تشكيل العرض والطلب على المهارات الإبداعية ويُهدد مستقبل المهن القائمة على المعرفة، حيث تتحول من مجالات تنافسية إلى خدمات نمطية يمكن أتمتتها بالكامل.

ما الحل؟ التوازن لا المقاومة

الحل لا يكمن في رفض الذكاء الاصطناعي أو مقاومته، فهذا غير واقعي ولا منطقي، بل في إعادة تعريف القيمة البشرية في زمن الآلة: أن تكون في التحليل، في النقد، في الإضافة الفريدة التي لا تستطيع الآلة محاكاتها. 

المطلوب اليوم، هو أن نُدرب الأجيال الجديدة ليس فقط على استخدام الذكاء الاصطناعي، بل على التفكير معه، لا من خلاله، أن نحفز التساؤل، لا الاستسلام، وأن نغرس فضول المعرفة بدلًا من ثقافة النسخ واللصق، فالأدوات ستبقى، وستتطور، لكن من دون عقل بشري واعٍ خلفها، لن يكون الناتج أكثر من تكرار فارغ بلا روح.

Short Url

showcase
showcase
search