الإثنين، 14 أبريل 2025

10:09 م

"الميتافيرس" يُوظّفك من جديد، وظائف من المستقبل تطرق أبواب العرب

الجمعة، 11 أبريل 2025 09:17 ص

الميتافيرس

الميتافيرس

تحليل/ كريم قنديل

لم تكن لحظة إعلان مارك زوكربيرغ في أكتوبر 2021 عن تغيير اسم شركته من فيسبوك إلى ميتا مجرد خطوة في إعادة هيكلة شركة تقنية، بل كانت بمثابة صافرة البداية لعصر جديد يعاد فيه تعريف كل ما نعرفه عن الواقع، والاقتصاد، والعمل، والتعليم.

الميتافيرس

هذا العصر هو عصر الميتافيرس، بيئة رقمية ثلاثية الأبعاد وتفاعلية، تجمع الواقع المعزز والافتراضي وتخلق اقتصادًا موازيًا، لا يتطلب وجودًا ماديًا، بل مهارات رقمية، وهويات افتراضية، وقدرة على التكيّف مع عالم لم تُكتب قواعده بالكامل بعد.

اقتصاد الميتافيرس بالأرقام.. من مليار إلى تريليون

تُظهر التقديرات الصادرة عن شركة PwC أن تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز، وهي أساس الميتافيرس، ستُضيف ما يصل إلى 1.5 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030، هذا ليس نموًا تقليديًا، بل طفرة تماثل الثورة الصناعية من حيث الأثر، لا من حيث الشكل.

بل إن الإنفاق على الميتافيرس بات يتجاوز حدود شركات الألعاب والتكنولوجيا، ليصل إلى قطاعات كالصحة، والتعليم، والتجارة، وحتى القطاع الحكومي، وقد بدأت مؤسسات كبرى، من مايكروسوفت إلى سوني، في ضخ استثمارات ضخمة في تطوير بيئات افتراضية مخصصة للتوظيف، الاجتماعات، التدريب، والتسوق.

روبوتات تعمل 

وظائف بلا مقاعد.. وشهادات بلا جدوى

الميتافيرس لم يُعدّل فقط طريقة العمل، بل أعاد صياغة مفهوم الوظيفة من الأساس، فلم تعد المهن تقتصر على الطبيب والمهندس والمعلم، بل ظهر مصمم العوالم الافتراضية، مطوّر الأفاتار، مدير المجتمع الرقمي، مستشار تجارب المستخدم، وأخصائي الأمان السيبراني داخل الميتافيرس.

هذه الوظائف لا تطلب شهادات تقليدية، بل تعتمد على المهارات العملية، وسرعة التعلّم، والقدرة على حل المشكلات الرقمية، بل تشير تقارير ماكينزي إلى أن الموظفين الذين يمتلكون مهارات رقمية متقدمة يحققون دخلًا أعلى بنسبة 41% من نظرائهم التقليديين في نفس القطاعات.

نصف الوظائف الحالية ستُعاد برمجتها

بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، نحو 50% من الموظفين حول العالم سيحتاجون إلى إعادة تأهيل مهاراتهم بحلول عام 2025، وذلك بسبب التحول الرقمي والتطور السريع في أدوات الذكاء الاصطناعي والواقع الممتد (XR).

هذه الإحصائية تحمل رسالة واضحة: نحن نعيش مرحلة انتقالية في سوق العمل، والمستقبل لن ينتظر من لا يواكب.

الميتافيرس

أين يقف العالم العربي من كل هذا؟

رغم الطفرات العالمية، لا تزال الكثير من الأنظمة التعليمية والاقتصادية في العالم العربي تدور في فلك الوظائف التقليدية، وتُخرّج آلاف الطلبة إلى سوق عمل لا يحتاج إليهم، لأن المهارات التي يملكونها أصبحت خارج نطاق الطلب الحقيقي.

ولعل أبرز التحديات أمام العالم العربي هي:

  • ضعف ربط التعليم بسوق العمل الرقمي.
  • غياب الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية داخل المدارس والجامعات.
  • ندرة المبادرات الحكومية الفعالة لتأهيل الشباب للميتافيرس.

وفي المقابل، بدأت بعض المبادرات الفردية في الجامعات الخاصة أو مراكز التدريب الرقمية تحاول سد الفجوة، لكنها لا تزال محدودة في التأثير والانتشار.

المطلوب.. تعليم جديد لعالم جديد

لن تنجح أي دولة في دخول اقتصاد الميتافيرس إن لم تبدأ من إعادة هيكلة التعليم بالكامل، لا مجرد تطوير المناهج. يجب أن يكون التعليم منصّة لبناء عقل رقمي مبرمج على التعلّم الذاتي، التحليل، والإبداع.

البرمجة، التصميم ثلاثي الأبعاد، الذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات يجب أن تصبح موادًا أساسية.

مهارات مثل التفكير النقدي، العمل الجماعي، والتكيّف مع التكنولوجيا المتغيرة يجب أن تُدمج في العملية التعليمية منذ الصغر.

الميتافيرس

ليس سؤال متى نلحق؟ بل هل نحن مستعدّون؟

الميتافيرس اليوم ليس احتمالًا مستقبليًا، بل واقعًا يزحف بهدوء إلى مفاصل الاقتصاد العالمي، الشركات الكبرى بدأت تعيد بناء فرق عملها ومكاتبها وفق بيئات الميتافيرس، والوظائف بدأت تُطرح على منصات التوظيف بمسميات لم نألفها قبل خمس سنوات.

وفي عالم يتشكل ببرمجيات مفتوحة وقوى عاملة بلا جنسيات، الذي لا يدخل من الباب الرقمي، سيُغلق دونه باب المستقبل.

لن ينتظرنا أحد

في هذا السباق العالمي نحو الميتافيرس، يقف العالم العربي أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يتحرك سريعًا لإعادة بناء منظومة المهارات والتعليم، أو أن يتحوّل إلى مجرد سوق استهلاك لعالم يُصنع في أماكن أخرى.

الوظائف لن تُلغى، لكنها ستُعاد برمجتها، والسؤال الذي علينا أن نواجهه اليوم بصراحة: هل نملك الأدوات لنكون جزءًا من الكود الجديد؟ أم سنبقى مجرد أرقام في دفتر العالم الرقمي؟

Short Url

showcase
showcase
search