الإثنين، 07 أبريل 2025

09:37 م

رسوم ترامب الجمركية، زلزال اقتصادي يعيد رسم خريطة التجارة العربية

الإثنين، 07 أبريل 2025 07:00 ص

دونالد ترامب

دونالد ترامب

تحليل/كريم قنديل

في صباح بدا عاديًا، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرارًا غير عادي جاعلًا الاقتصاد العالمي على المحك: رسوم جمركية جديدة على سلع مستوردة من معظم دول العالم، بما في ذلك معظم الدول العربية، هذا الإعلان لم يكن مجرد خطوة حمائية، بل تجلٍّ صارخ لعودة القومية الاقتصادية، وهي السياسة التي لطالما وعد بها ترامب وأعاد إحياءها تحت شعار "أميركا أولاً".

ترامب

لكن، ماذا يعني هذا للدول العربية؟ هل هو مجرد عقبة على طريق التجارة؟ أم فرصة لإعادة ترتيب الأوراق وبناء نموذج اقتصادي جديد أكثر استقلالية وذكاء؟

ترامب ويوم التحرير.. حماية الاقتصاد أم حصار الحلفاء؟

من البيت الأبيض، وصف ترامب قراره بيوم التحرير الاقتصادي، معتبرًا أن هذه الرسوم تمثل "تصحيحًا تاريخيًا" في ميزان التجارة الخارجية الأميركية، لكن المثير أن القرار لم يميز بين خصوم أميركا ومُقرّبيها، فكما طال الصين وروسيا، طال أيضًا السعودية، الإمارات، مصر، والأردن حلفاء استراتيجيون للولايات المتحدة منذ عقود.

والمفارقة أن الميزان التجاري بين أميركا ومعظم الدول العربية يميل أصلاً لصالح واشنطن، فوفقًا لبيانات عام 2024، بلغت الصادرات الأميركية إلى الدول العربية نحو 80 مليار دولار، مقابل واردات بقيمة 61 مليار دولار فقط، فلماذا يفرض ترامب الرسوم إذن؟ البعض يرى أنها محاولة ضغط لإعادة التفاوض حول شروط التبادل، فيما يرى آخرون أنها مجرد امتداد لنهج انعزالي يفتقر للحسابات الدقيقة.

الدول العربية في مرمى الرسوم.. من التأثر إلى التحول

الرسوم الجمركية تفاوتت بين الدول: من 41% على سوريا، إلى 10% على أغلب الدول الخليجية وشمال إفريقيا، هذه النسب، رغم تفاوتها، تحمل انعكاسات اقتصادية حقيقية على التبادل التجاري، وعلى تدفق الاستثمارات، وعلى سلاسل التوريد.

الصادرات 

تأثير مباشر على الصادرات العربية

أغلب الدول الخليجية تصدّر إلى أميركا منتجات نفطية وبتروكيماوية، في حين أن دولاً مثل مصر وتونس والمغرب تعتمد على تصدير المنتجات الزراعية والمنسوجات، الرسوم الجديدة تقلّل القدرة التنافسية لهذه السلع، وقد تعني ببساطة تراجع الصادرات وارتفاع العجز التجاري.

تكلفة الاستثمار ترتفع

الكثير من الصناديق السيادية الخليجية تستثمر في العقارات والبنية التحتية الأميركية، لكن ارتفاع تكاليف المواد الخام، بجانب انكماش السوق الأميركية المحتمل، قد يدفع هذه الصناديق إلى إعادة توجيه استثماراتها شرقًا، نحو الصين والهند وماليزيا وأميركا اللاتينية.

 سلاسل التوريد

اضطراب سلاسل التوريد

تستورد الشركات العربية تقنيات ومعدات أميركية لتشغيل مصانعها، وخاصة في قطاعات الطاقة والدواء والطيران، ومع الرسوم الجديدة، تبدأ الشركات في البحث عن موردين جدد، هذه العملية ليست بسيطة، ولكنها تفتح بابًا لإعادة رسم خريطة التجارة الصناعية، بعيدًا عن الاعتماد الكامل على أميركا.

التصنيع المحلي كأولوية

بدأت دول مثل السعودية بالفعل في الاستثمار في الصناعات العسكرية والتكنولوجية، ومصر تشهد تحركات لصناعة السيارات ومكوّناتها، الرسوم قد تكون الدفعة الأخيرة التي تُخرج هذه المشاريع من الأدراج إلى خطوط الإنتاج.

أمن غذائي لا يتحقق بالاستيراد

يستورد الخليج أكثر من 90% من غذائه، أي ارتفاع في الأسعار نتيجة الرسوم قد يؤدي إلى أزمات تضخم غذائي، لذلك، بدأت بعض دول الخليج في استثمار مكثف في الزراعة الذكية والصوبات الزراعية، وتقنيات الزراعة العمودية والمائية.

قناة السويس

قناة السويس... ضحية غير مباشرة؟

واحدة من أكثر الزوايا المفاجئة في هذا الملف، هي التأثير غير المباشر على قناة السويس، إذا ما تراجعت حركة التجارة العالمية بسبب الرسوم، سيتقلص عدد السفن العابرة، مما يعني تراجع الإيرادات المصرية من القناة وهي أحد أهم مصادر العملة الصعبة.

التحالفات تتحرك شرقًا.. والعالم يعيد التموضع

في ظل هذا التوتر المتصاعد، تبدو الدول العربية أمام منعطف استراتيجي، الاستمرار في الاعتماد على السوق الأميركية لم يعد خيارًا آمنًا، الصين التي تواجه نفس الإجراءات، تسعى هي الأخرى لإعادة تموضعها الاقتصادي، وقد تجد في الدول العربية شريكًا بديلاً مثاليًا.

الهند، من جانبها، تبني شراكات تجارية قوية مع الخليج، وتستثمر في الطاقة والبنية التحتية، بل إن بعض الدول العربية بدأت تفكر في الانضمام لمبادرات تجارية كـ"البريكس" أو مشاريع الحزام والطريق الصينية، كوسيلة لتعويض التراجع في العلاقات الأميركية.

الحروب التجارية

الرسالة الأخيرة.. لا بقاء للتابعين

في عالم تسوده الحروب التجارية، لم يعد الانتماء الجغرافي أو السياسي كافيًا، من لا ينتج، لن ينجو، ومن لا يبتكر، سيُقصى، رسوم ترامب ليست فقط سياسة حمائية، بل جرس إنذار بأن على الدول العربية أن تعيد صياغة أولوياتها الاقتصادية، وأن تبني اقتصادًا أقل هشاشة، وأكثر استقلالاً.

فكما قال أحد كبار المحللين الاقتصاديين: “من لا يعيد رسم خرائطه بنفسه، سيُرسم على خرائط الآخرين.. ولكن بلون رمادي.”

Short Url

showcase
showcase
search