الرقمنة اللوجستية تعيد تشكيل التجارة العالمية، محرك اقتصادي حيوي وسط تنافس عالمي

الأربعاء، 02 أبريل 2025 10:58 ص

قطاع اللوجستيات

تحليل/كريم قنديل

يشهد قطاع اللوجستيات في مصر تحولًا استراتيجيًا مدفوعًا بمزيج من الاستثمارات الضخمة، والتطورات التكنولوجية، والموقع الجغرافي الفريد الذي يجعل البلاد مركزًا حيويًا لحركة التجارة بين أوروبا، إفريقيا، والشرق الأوسط، في ظل هذه الديناميكية المتغيرة، تتنافس الشركات العالمية والمحلية على اقتناص الفرص في سوق لوجستي متنامٍ، مدعومًا بخطط حكومية طموحة لتطوير البنية التحتية وزيادة كفاءة النقل والخدمات اللوجستية.

قطاعات مؤثرة في سوق اللوجستيات المصري

كشف تقرير mordorintelligence، اعتبار قطاع اللوجستيات في مصر ركيزة أساسية للعديد من الصناعات، حيث تمتد خدماته إلى قطاعات التصنيع، والبناء، والنفط والغاز، والزراعة.

قطاع التصنيع: يمثل محركًا رئيسيًا للطلب على الخدمات اللوجستية، مع توسع المشروعات الصناعية وزيادة الإنتاج المحلي.
قطاع البناء والتشييد: مدفوعًا بالمشروعات القومية الكبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة والتوسعات الحضرية في مختلف المحافظات.
قطاع النفط والغاز والتعدين: يتطلب عمليات نقل معقدة ومكثفة نظرًا لحجم الإنتاج والاستكشافات المستمرة.
قطاع الزراعة: يشكل عنصرًا مهمًا، لا سيما مع تركيز الدولة على زيادة الصادرات الزراعية وتعزيز الأمن الغذائي.

نمو ملحوظ في النقل والشحن

يستحوذ قطاع نقل البضائع على الحصة الأكبر من سوق اللوجستيات في مصر، حيث يمثل حوالي 38% من إجمالي السوق في عام 2024، هذا النمو مدفوع باستثمارات ضخمة في مشروعات البنية التحتية، إذ تنفذ الحكومة 80 مشروعًا للنقل بتكلفة تصل إلى 6.6 مليار دولار، تشمل تطوير الموانئ، محطات الحاويات، والمرافق متعددة الوسائط.

وتتجه الحكومة، ضمن رؤية مصر 2030، إلى تعزيز قدرة الموانئ على التعامل مع 370 مليون طن متري سنويًا مقارنة بالسعة الحالية البالغة 120 مليون طن متري، مما يعكس توجهًا استراتيجيًا لتحويل مصر إلى مركز لوجستي عالمي.

الشحن الجوي.. نجم صاعد في السوق المصري

رغم سيطرة النقل البحري والبري على المشهد اللوجستي، إلا أن قطاع الشحن الجوي يشهد طفرة كبيرة، حيث يتوقع أن ينمو بمعدل 6% سنويًا خلال الفترة من 2024 إلى 2029، ويعود هذا النمو إلى ازدهار التجارة الإلكترونية وزيادة الطلب على شحن الطرود الحساسة للوقت.

وقد انعكس هذا التطور في توسع مصر للطيران، التي وقّعت اتفاقية لتأجير 18 طائرة بوينج 737-8 لتعزيز قدرتها التشغيلية بحلول 2025، إضافة إلى ارتفاع عدد الرحلات بنسبة 29% خلال النصف الأول من 2023 مقارنة بالعام السابق، مما يعزز مكانة مصر كمركز إقليمي للشحن الجوي.

منافسة شرسة في سوق الخدمات اللوجستية

يشهد السوق المصري منافسة قوية بين الشركات العالمية والمحلية، حيث تتواجد شركات عملاقة مثل CMA CGM ،DHL ،Kuehne + Nagelإلى جانب لاعبين محليين مثل LATT Trading وNACITA Corporation، وتتنافس هذه الشركات على تطوير خدماتها من خلال:

التحول الرقمي: اعتماد أنظمة تتبع الشحنات في الوقت الفعلي، والأتمتة في إدارة المستودعات.
التوسع في الحلول المستدامة: تعزيز النقل الصديق للبيئة وخفض الانبعاثات الكربونية.
الاستحواذات والتحالفات: شهد السوق عمليات اندماج ضخمة، أبرزها استحواذ DSV على Schenker مقابل 15.78 مليار دولار لتعزيز تواجدها العالمي، في خطوة تعكس استراتيجية التوسع التي تنتهجها الشركات الكبرى.

التحول الرقمي في الخدمات اللوجستية

في عالم يتسارع فيه كل شيء، لم يعد قطاع الخدمات اللوجستية استثناءً من ثورة الرقمنة التي تجتاح القطاعات الاقتصادية كافة، فمع تزايد الاعتماد على التجارة الإلكترونية والتوسع في الأسواق العالمية، أصبحت الحاجة إلى أنظمة إدارة رقمية أكثر إلحاحًا لضمان سرعة وكفاءة تدفق السلع والخدمات.

الرقمنة.. ضرورة أم رفاهية؟

أثبتت جائحة كورونا بما لا يدع مجالًا للشك أن التحول الرقمي لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة ملحة، تعطلت سلاسل التوريد التقليدية، وواجهت الشركات تحديات كبيرة في تلبية الطلب المتزايد بسبب محدودية الإمكانيات التشغيلية، هنا برزت أهمية الأنظمة الرقمية مثل إدارة النقل (TMS)، وإدارة المخزون (IMS)، وإدارة المستودعات (WMS)، والتي ساعدت الشركات على تحسين كفاءة العمليات، وتقليل التكاليف التشغيلية، وزيادة الإنتاجية.

لكن في المقابل، لا تزال الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة تنظر إلى هذه الأنظمة كتكاليف إضافية باهظة، يصعب تحملها خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية، فوفقًا لدراسات اقتصادية، فإن تكاليف تبني الأنظمة الرقمية اللوجستية يمكن أن تتراوح بين آلاف إلى ملايين الدولارات، اعتمادًا على حجم العمليات وتعقيدها.

تأثير الرقمنة على الاقتصاد الكلي

على المستوى الكلي، يعزز التحول الرقمي في الخدمات اللوجستية من كفاءة الأسواق، حيث يؤدي إلى تحسين تدفق البضائع وتقليل فترات التأخير، مما يزيد من تنافسية المنتجات المحلية في الأسواق العالمية، كما أن الأنظمة المتقدمة مثل إنترنت الأشياء (IoT) والذكاء الاصطناعي (AI) تسهم في خفض الهدر وتحسين استخدام الموارد، مما يؤدي إلى رفع الإنتاجية العامة للاقتصاد.

إلا أن التحول الرقمي يحمل تحديات أخرى، أبرزها فقدان العديد من الوظائف التقليدية في القطاع اللوجستي، حيث يتم استبدال العمالة اليدوية بالتقنيات الحديثة مثل الروبوتات والطائرات بدون طيار، وهذا قد يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة في بعض الفئات المهنية، ما لم تتوافر برامج تدريب وتأهيل لمواكبة هذا التحول.

هل العائد على الاستثمار يستحق العناء؟

بالرغم من التكاليف المرتفعة، تشير التقارير الاقتصادية إلى أن العائد على الاستثمار (ROI) في الأنظمة الرقمية اللوجستية يمكن أن يكون مجزيًا على المدى الطويل، فالشركات التي تعتمد على الرقمنة تحقق انخفاضًا في التكاليف التشغيلية بنسبة تصل إلى 30%، وتتحسن كفاءة عملياتها بنسبة تتجاوز 40%، ما يمنحها ميزة تنافسية واضحة.

إذن، يمكن القول إن التحول الرقمي في الخدمات اللوجستية يمثل استثمارًا استراتيجيًا أكثر من كونه تكلفة إضافية، ومع التطور المستمر في التكنولوجيا وانخفاض تكاليفها تدريجيًا، قد تصبح هذه الأنظمة أكثر انتشارًا حتى بين الشركات الصغيرة، مما يعزز من نمو الاقتصاد ككل.

التحديات والفرص المستقبلية

رغم النمو السريع للقطاع، إلا أن هناك تحديات قائمة، منها ارتفاع تكاليف النقل، وتأثيرات التضخم، ومتطلبات الامتثال للمعايير البيئية الجديدة، وتفتح المشروعات الضخمة مثل ميناء السخنة الجديد، ومجمعات الخدمات اللوجستية الذكية، والتوسعات في قناة السويس آفاقًا واسعة لتعزيز مكانة مصر كمحور لوجستي عالمي.

يواصل قطاع اللوجستيات في مصر تطوره السريع ليصبح أحد الدعائم الرئيسية للاقتصاد، مستفيدًا من الاستثمارات الضخمة والموقع الاستراتيجي للبلاد، ومع استمرار التنافس بين الشركات وتبني التكنولوجيا الحديثة، يبدو أن السوق المصري مهيأ لمزيد من النمو، مما يجعله وجهة جذابة للمستثمرين العالميين الساعين للاستفادة من الفرص الواعدة في واحدة من أكثر الأسواق اللوجستية حيوية في المنطقة.

الرقمنة في الخدمات اللوجستية تمثل سلاحًا ذو حدين، فهي تفتح آفاقًا جديدة للنمو والابتكار، لكنها في الوقت ذاته تشكل تحديًا ماليًا وتنظيميًا للشركات. ورغم هذه التحديات، فإن الشركات التي تستثمر في التكنولوجيا اليوم ستكون أكثر قدرة على المنافسة والبقاء في سوق المستقبل، حيث لا مكان لمن لا يواكب التطور.

Short Url

أخبار متعلقة