الأربعاء، 12 مارس 2025

08:32 م

أسباب التضخم وآثاره على الأسرة المصرية والاقتصاد العام

الثلاثاء، 11 مارس 2025 02:58 م

التضخم

التضخم

كتب/كريم قنديل

إن أسعار المستهلك تشكل أهمية كبيرة لأننا نواجهها كل يوم، وقد تتغير الأسعار بمرور الوقت، وقد تختلف من بلد إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر، وحتى في نفس المكان وفي ظل نفس الظروف، قد يختلف سعر المنتج نفسه، لمجرد أنه تم شراؤه في فترة زمنية مختلفة، وهذا يرجع إلى التضخم والانكماش.

التضخم والانكماش

الفرق بين التضخم والانكماش

عندما يكون هناك تضخم في الاقتصاد، تنخفض قيمة المال، وبالتالي يحتاج الناس إلى إنفاق المزيد من المال لشراء نفس المنتجات مقارنة بالسابق، على العكس من ذلك، في أوقات الانكماش تزداد قيمة المال وغالبًا ما يكون لدى الناس المزيد من المدخرات، مما قد يكون له تأثيرات متناقضة على الاقتصاد، ولكن نظرًا لأن الانكماش ليس شائعًا جدًا، فغالبًا ما يشار إلى التغيير في الأسعار ببساطة باسم التضخم.

التضخم هو زيادة عامة في الأسعار، في حين أن الانكماش هو انخفاض في الأسعار.

كيف يتم قياس التضخم؟

يتم قياس التضخم من خلال النظر إلى تطور الأسعار التي يدفعها الناس مقابل السلع والخدمات بمرور الوقت، وللقيام بذلك، يحسب الإحصائيون ما يسمى بمؤشرات أسعار المستهلك (CPI)، ويقارن مؤشر الأسعار بأسعار المنتج بمرور الوقت، مع مراعاة فترة مرجعية تسمح بمقارنة الأسعار من نقطة زمنية إلى أخرى.

يُقاس التضخم على أنه معدل الارتفاع العام في الرقم القياسي لأسعار المستهلكين (CPI) الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS) والذي يجمع أسعار السلع والخدمات ويعالجها من خلال تخصيص أوزان لكل سلعة ومجموعة.

التضخم وارتفاع الأسعار

الفرق بين مستوى التضخم والأسعار

زيادة التضخم تعني ارتفاع مستمر فى المستوى العام للأسعار بمعدل أعلى مقارنة بالفترة المرجعية، بينما انخفاض التضخم يعني ارتفاع المستوى العام للأسعار بمعدل أقل مقارنة بالفترة المرجعية، على الصعيد الآخر، انخفاض مستوى الأسعار يعد انكماشًا وهو عكس التضخم.

عملية حساب التضخم في مصر

يقوم الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS) بإعداد الرقم القياسي لأسعار المستهلكين وفقًا لتصنيف الاستهلاك الفردي حسب الغرض 1999 (COICOP)، حيث يتم اختيار عدد محدد من السلع والخدمات وتجميعها في 12 فئة رئيسية، ويتم منح كل سلعة وزنًا مستخرجًا من مسح الدخل والإنفاق والاستهلاك للأسرة (HIECS) ويمثل كل وزن متوسط حصة السلعة أو الخدمة المعنية في سلة استهلاك الأسر المصرية.

يقوم الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كل شهر وبشكل دوري بجمع أسعار السلع والخدمات ومعالجتها مستخدمًا الأوزان التي تم تحديدها مسبقًا.

الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

مسح شامل كل 5 سنوات

منذ السنة المالية 1990/1991، يقوم الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بإجراء مسحًا شاملاً للدخل والإنفاق والاستهلاك للأسرة المصرية في كلاً من الحضر والريف كل 5 سنوات، ولكن بدايةً من السنة المالية 2008/2009، أصبح يتم إجراء المسح كل عامين، وتستخدم نتائج هذه المسوحات لتحديث أوزان الإنفاق الاستهلاكي الخاصة بالرقم القياسي لأسعار المستهلكين، ويُقاس وزن أي بند (سلعة/خدمة) في سلة مؤشر أسعار المستهلكين وفقًا لنسبة الإنفاق على هذا البند بالنسبة إلى إجمالي الإنفاق الاستهلاكي.

تمت المراجعة الأخيرة في 10 أكتوبر 2019، عندما أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء السلسلة العاشرة من الرقم القياسي لأسعار المستهلكين باستخدام السنة المالية 2018/2019 كسنة أساس وباستخدام الأوزان المستخرجة من مسح الدخل والإنفاق والاستهلاك للأسرة في السنة المالية 2017/2018.

يعتبر تحقيق استقرار الأسعار أحد الأهداف الأساسية للبنك المركزي المصري حسب اختصاصاته في إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة، وفقاً لقانون البنك المركزي رقم 194 لسنة 2020، لتحقيق ذلك الهدف، يقوم البنك المركزي المصري حاليًا بتحويل إطار سياسته النقدية إلى نظام مرن لاستهداف التضخم حيث تعمل توقعات التضخم كهدف وسيط.

حزم من السياسات نحو العدالة الاجتماعية

تبنّت الدولة المصرية نهجًا شاملًا لتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال حزمة من السياسات الاجتماعية الداعمة للفئات الأكثر احتياجًا، بهدف تعزيز الأمن الإنساني، وذلك بالتوازي مع الإصلاحات الاقتصادية وضبط معدلات التضخم عقب تحرير سعر الصرفن وقد تعاملت الحكومة مع ملف الحماية الاجتماعية من منظور احتوائي، مع العمل على توسيع نطاق الخيارات المتاحة للمواطنين.

المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

ووفقًا لدراسة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات، تم تخصيص 529.7 مليار جنيه لبرامج الدعم والحماية الاجتماعية في خطة العام المالي 2023/2024، ما يمثل زيادة بنسبة 48.8% مقارنة بالعام السابق، كما أقرت الحكومة زيادة الحد الأدنى للعلاوات للعاملين بالدولة، إلى جانب التعجيل برفع الأجور للمرة الخامسة خلال السنوات الأربع الماضية، في استجابة واعية للظروف الاقتصادية التي يمر بها المواطنون، ونتيجة لهذه الزيادات، ارتفع الحد الأدنى للأجور من 1200 جنيه في مارس 2019 إلى 4000 جنيه في سبتمبر 2023، أي بنسبة تجاوزت 230%، ومن المتوقع أن تُكلّف هذه الزيادة الموازنة العامة للدولة نحو 2.5 مليار جنيه شهريًا، بإجمالي 25 مليار جنيه حتى نهاية العام المالي 2022/2023، وذلك بالنظر إلى أن عدد العاملين بالدولة يبلغ حوالي 5 ملايين موظف.

وفي إطار مواصلة الجهود الحكومية، تم مضاعفة العلاوة الاستثنائية لأصحاب المعاشات الاجتماعية في سبتمبر 2023، لترتفع من 300 جنيه إلى 600 جنيه، ما يعود بالنفع على نحو 11 مليون مواطن، وبذلك، تتحمل الموازنة العامة للدولة تكلفة شهرية تقدر بحوالي 3.3 مليارات جنيه، وبإجمالي 33 مليار جنيه حتى نهاية موازنة 2023/2024، كما تم رفع الحد الأدنى للإعفاء من ضريبة الدخل من 36 ألف جنيه إلى 45 ألف جنيه، أي بزيادة نسبتها 25% تعادل 9000 جنيه، ما يكلّف الموازنة العامة للدولة نحو 3.8 مليارات جنيه.

التضخم 

تراجع التضخم في فبراير 2025

سجّل معدل التضخم تراجعًا ملحوظًا في فبراير 2025، حيث انخفض إلى 12.5% مقارنة بـ 23.2% في يناير من العام نفسه، وهو ما يعكس تحسنًا ملحوظًا في استقرار الأسعار وتراجع الضغوط التضخمية على المستهلكين.

وجاء هذا الانخفاض مدفوعًا بتراجع أسعار العديد من السلع الأساسية والخدمات، حيث شهدت أسعار الخضروات هبوطًا بنسبة 8.2%-، ما ساهم في تخفيف الضغوط على سوق الغذاء. ويعود هذا التراجع إلى عوامل موسمية مرتبطة بتقلبات العرض والطلب، بالإضافة إلى جهود الحكومة في تحسين منظومة التوزيع لضمان استقرار الأسعار.

كما انخفضت أسعار البن والشاي والكاكاو بنسبة 0.2%-، وهو ما يعكس تأثير التغيرات في الأسعار العالمية لهذه السلع، التي تتأثر بالإنتاج العالمي ومستويات العرض والطلب في الأسواق الدولية.

وعلى صعيد الخدمات، شهدت أسعار المياه والكهرباء والغاز ومواد الوقود الأخرى استقرارًا عند 0.0%، وهو ما يعكس نوعًا من الثبات في هذا القطاع الحيوي، مما يساهم في استقرار النفقات الأساسية للمستهلكين.

ورغم هذه الانخفاضات، شهدت بعض القطاعات ارتفاعات طفيفة، حيث ارتفعت أسعار الحبوب والخبز بنسبة 0.8%، بينما سجلت أسعار اللحوم والدواجن زيادة بنسبة 3.2%، ما قد يترك أثرًا على تكلفة المعيشة اليومية للمواطنين، وتعكس هذه التحركات المتباينة في الأسعار ديناميكية السوق، حيث يتأثر الاقتصاد المحلي بعوامل داخلية وخارجية تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد اتجاهات الأسعار خلال الفترة المقبلة.

 تباين بين الارتفاع والانخفاض في مختلف القطاعات

شهدت الأسعار في فبراير 2025 تغيرات متفاوتة عبر مختلف القطاعات، حيث ارتفعت بعض السلع والخدمات، في حين سجلت أخرى انخفاضًا ملحوظًا، مما انعكس على معدلات التضخم الشهرية.

قطاع الطعام والمشروبات، ارتفاع طفيف رغم تراجع أسعار الخضروات

ارتفع قسم الطعام والمشروبات بنسبة 0.4% خلال شهر فبراير مقارنة بشهر يناير، مدفوعًا بارتفاع أسعار الحبوب والخبز بنسبة 0.8%، واللحوم والدواجن بنسبة 3.2%. كما سجلت الأسماك والمأكولات البحرية زيادة طفيفة بلغت 0.4%.
لكن في المقابل، أسهم الانخفاض الحاد في أسعار الخضروات بنسبة 8.2%- في تخفيف الضغط على سلة الغذاء، ما ساعد في الحد من الزيادة الإجمالية في هذا القسم.

قطاع المشروبات الكحولية والدخان، ارتفاع ملحوظ بفعل زيادة الطلب

شهد هذا القطاع ارتفاعًا كبيرًا بنسبة 6.3%، حيث زادت أسعار الدخان بنفس النسبة، بينما ارتفعت المشروبات الكحولية بنسبة 3.3%، وهو ما يعكس تأثيرات السوق المحلي وزيادة الطلب على هذه المنتجات.

قطاع الملابس والأحذية، ارتفاع بسبب زيادة تكاليف الأقمشة والأحذية

سجل قسم الملابس والأحذية ارتفاعًا بنسبة 0.6% نتيجة لزيادة أسعار الأقمشة بنسبة 0.9%، والملابس الجاهزة بنسبة 0.6%، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأحذية بنسبة 0.8%، مما يعكس ارتفاع تكاليف الإنتاج والتوريد.

قطاع المسكن والمرافق، ارتفاع طفيف مع استقرار الكهرباء والغاز

ارتفع قسم المسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود بنسبة 0.5%، مدفوعًا بزيادة الإيجار الفعلي للمسكن بنسبة 1.1%، وارتفاع تكاليف الصيانة والإصلاح بنسبة 0.2%، في حين استقرت أسعار الكهرباء والغاز دون تغيير، مما ساهم في تقليل الأثر التضخمي لهذا القطاع.

قطاع الرعاية الصحية، ارتفاع في تكاليف الخدمات الطبية

سجل قطاع الرعاية الصحية ارتفاعًا بنسبة 0.6% بسبب زيادة أسعار المنتجات الطبية بنسبة 0.5%، إلى جانب ارتفاع تكاليف خدمات العيادات الخارجية والمستشفيات بنسبة 0.8%، مما يعكس تزايد نفقات الرعاية الصحية خلال الفترة الأخيرة.

قطاع النقل والمواصلات، ارتفاع بسبب زيادة تكاليف المركبات وخدمات النقل

ارتفعت أسعار قطاع النقل والمواصلات بنسبة 0.4%، مدفوعة بزيادة أسعار المركبات بنسبة 0.3%، وارتفاع تكاليف النقل الخاص بنسبة 0.2%، في حين سجلت خدمات النقل أكبر زيادة في هذا القطاع بنسبة 0.5%.

قطاع الاتصالات، زيادة طفيفة بفعل ارتفاع خدمات البريد والمعدات

سجل قطاع الاتصالات ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.1%، حيث ارتفعت أسعار خدمات البريد بنسبة 2.9%، بينما شهدت معدات الهاتف والفاكس زيادة بنسبة 0.6%، وهو ما يعكس ارتفاع تكاليف التكنولوجيا والاتصالات.

تأثيرات متباينة على التضخم العام

تعكس هذه التغيرات في الأسعار ديناميكية السوق المحلية، حيث تتفاوت الأسعار بين ارتفاع في بعض القطاعات مثل الطعام، النقل، والصحة، واستقرار أو انخفاض في قطاعات أخرى مثل المرافق والخضروات. ويرجع ذلك إلى مزيج من العوامل المحلية والعالمية التي تؤثر على سلاسل التوريد والأسواق الاستهلاكية.

التضخم السنوي فبراير 2025

سجل معدل التضخم السنوي في فبراير 2025 نسبة 12.5%، متراجعًا عن مستواه في فبراير 2024، وذلك نتيجة لعوامل متعددة أثرت بشكل متفاوت على القطاعات المختلفة، بينما في قطاع الطعام والمشروبات، ارتفعت الأسعار بنسبة 4.2% مدفوعة بزيادة كبيرة في أسعار الفاكهة التي سجلت قفزة 44.1%، مما أدى إلى ضغط مباشر على تكلفة الغذاء، إلى جانب ارتفاع أسعار الحبوب والخبز بنسبة 7.2%، ما انعكس على تكاليف المعيشة.

أما قطاع المشروبات الكحولية والدخان فقد شهد زيادة حادة بلغت 26.8%، حيث ارتفعت أسعار الدخان بنفس النسبة، في حين سجلت المشروبات الكحولية ارتفاعًا بنسبة 18.8%، مما يعكس التأثير القوي لارتفاع تكاليف الإنتاج والضرائب المفروضة على هذه المنتجات، وفي قطاع الملابس والأحذية، قفزت الأسعار بنسبة 18.1% نتيجة ارتفاع أسعار الأحذية والملابس الجاهزة والأقمشة، كما سجلت خدمات التنظيف والتأجير للأحذية زيادة ضخمة بلغت 22.5%، مما ساهم في ارتفاع تكاليف هذا القطاع بشكل ملحوظ.

التضخم وأسعار المنتجات

لم يكن قطاع المسكن بمنأى عن هذه الزيادات، حيث ارتفعت أسعاره بنسبة 17.3% متأثرة بزيادة الإيجار الفعلي للمساكن بنسبة 11.0%، إلى جانب ارتفاع أسعار صيانة وإصلاح المساكن بنسبة 12.6%، ما يعكس الضغوط المستمرة على قطاع الإسكان، أما قطاع الرعاية الصحية، فقد سجل أعلى معدل تضخم بين القطاعات، حيث ارتفعت أسعاره بنسبة 27.0%، مدفوعة بزيادة ضخمة في أسعار المنتجات الطبية بنسبة 36.0%، إضافة إلى ارتفاع تكاليف خدمات المستشفيات بنسبة 16.8%، مما يعكس التأثير المتزايد لارتفاع تكلفة الخدمات الصحية على المستهلكين.

وفي قطاع النقل والمواصلات، شهدت الأسعار قفزة كبيرة بنسبة 32.4%، نتيجة ارتفاع أسعار المركبات والنقل الخاص بشكل لافت، ما أدى إلى زيادة تكاليف التنقل للمواطنين، ورغم تراجع معدل التضخم السنوي مقارنة بالعام الماضي، فإن استمرار ارتفاع الأسعار في بعض القطاعات الأساسية لا يزال يشكل تحديًا اقتصاديًا، حيث تؤثر هذه الزيادات على القدرة الشرائية للمواطنين، مما يجعل مراقبة الأسواق واتخاذ التدابير الاقتصادية أمرًا ضروريًا لضمان استقرار الأسعار خلال الفترة المقبلة.

Short Url

showcase
showcase
search