الذهب الأسود يفقد بريقه، هل نشهد عصر النفط الرخيص؟

الإثنين، 17 مارس 2025 10:56 ص

النفط

تحليل/ عبد الرحمن عيسى

خفض بنك الاستثمار العالمي "جولدمان ساكس" توقعاته لأسعار النفط بعد أن شهدت أسواق النفط تراجعًا ملحوظًا في مستويات الأسعار مقارنة بالذروات التي سجلتها في بداية العام 2025.

جاء هذا التعديل نتيجة جملة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية التي تؤثر على العرض والطلب العالميين، وفي هذا التحليل، نستعرض الأسباب التي دفعت "جولدمان ساكس" لتعديل توقعاته، مع تسليط الضوء على العوامل المؤثرة في أسواق النفط في الوقت الراهن.

الاقتصاد الأمريكي والعوامل المؤثرة على التوقعات

ساهم تباطؤ النمو الاقتصادي الأمريكي في تغيير التوقعات حول أسعار النفط في المستقبل، فبينما كانت النظرة الاقتصادية لعام 2025 إيجابية في السابق، فإن التوترات التجارية والرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة ودول أخرى أدت إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في الداخل الأمريكي.

نظرًا لأن الولايات المتحدة تعد من أكبر المستهلكين العالميين للطاقة، فإن أي تباطؤ في نموها ينعكس على الطلب على النفط، كما إن سياسة زيادة الرسوم الجمركية تتسبب في رفع تكاليف الإنتاج، مما يزيد من تعقيد الوضع بالنسبة للاقتصاد الأمريكي بشكل عام.

إنتاج أوبك+ وتأثيره على السوق

من جهة أخرى، شكل زيادة الإنتاج من قبل منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها (أوبك+) عاملًا آخر يؤثر على الأسعار.

وبينما كانت دول "أوبك" في السابق تحرص على تقليص الإنتاج للحفاظ على استقرار الأسعار، فإن زيادة الإمدادات في الوقت الحالي تساهم في زيادة المعروض من النفط في السوق.

ويدفع ذلك إلى تراجع الأسعار بشكل ملموس، في وقت تتزايد فيه المخاوف من انخفاض الطلب بسبب الحرب التجارية العالمية.

وفرة المعروض وضعف الطلب

أدت وفرة الإمدادات النفطية من دول مثل روسيا والسعودية إلى تراجع الأسعار بشكل حاد، وهو ما دفع "جولدمان ساكس" إلى خفض توقعاته.

تجدر الإشارة إلى أن هذا التراجع جاء في وقت يتوقع فيه محللو الطاقة أن تظل الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، في موقف غير مريح اقتصاديًا بسبب تباطؤ النمو في اقتصادها، وقد أدى ذلك إلى تراجع آفاق الطلب العالمي على النفط، مما يجعل السوق أكثر عرضة للتقلبات في الأسعار.

التوقعات المستقبلية لأسعار خام برنت

وفقًا لتوقعات "جولدمان ساكس"، فإن سعر خام برنت في ديسمبر 2025 سيشهد تراجعًا بمقدار 5 دولارات عن التوقعات السابقة ليصل إلى 71 دولارًا للبرميل.

يعكس هذا التعديل التحديات الاقتصادية والجيوسياسية الحالية التي تؤثر على أسواق النفط العالمية، ومع ذلك، يرى البنك أن هناك احتمالية لتعافي الأسعار بشكل "متواضع" في الأشهر المقبلة، شريطة أن يظل النمو الاقتصادي الأمريكي ثابتًا، وأن تواصل "أوبك+" تقديم دعم للإنتاج، وهو ما سيُحسن التوقعات تدريجيًا.

التوترات الجيوسياسية وتأثيراتها على أسواق النفط

على الرغم من التوقعات السلبية، لا يمكن إغفال تأثير العوامل الجيوسياسية على السوق، وتتجلى أبرز هذه العوامل في الهجمات العسكرية الأمريكية على مواقع في اليمن، وهي خطوة تزيد من التوترات في منطقة الشرق الأوسط.

تُعتبر هذه المنطقة من أهم مسارات النقل البحرية في العالم، وبالتالي فإن أي تهديد في حركة الملاحة قد يسبب ارتفاعًا مفاجئًا في الأسعار، ومع تصاعد هذه المخاطر، قد يجد "جولدمان ساكس" نفسه مجبرًا على تعديل توقعاته مستقبلًا في حال تفاقمت الأوضاع.

التوقعات المستقبلية من الشركات الكبرى في تجارة النفط

أصبح بعض من أكبر اللاعبين في صناعة النفط أكثر تشاؤمًا بشأن المستقبل. فشركات مثل "فيتول" و"غنفور" أصبحت تتوقع أن يشهد السوق فائضًا في المعروض من النفط في المستقبل القريب، وهو ما يعزز من القناعة بأن السوق قد يواجه حالة من الركود لفترة أطول.

مثل هذه التوقعات قد تُساهم في الضغط على أسعار النفط بشكل أكبر، في وقت يسعى فيه العالم للتعافي من تأثيرات جائحة كورونا والحرب التجارية.

الطلب العالمي وتوقعات وكالة الطاقة الدولية

أشارت وكالة الطاقة الدولية إلى انخفاض الطلب على النفط بسبب تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، كما توقعت أن يشهد السوق فائضًا قدره 600 ألف برميل يوميًا هذا العام.

يعد هذا الفائض نسبة ضئيلة من الاستهلاك العالمي اليومي، لكنه لا يزال يشير إلى وجود توازن غير مستقر بين العرض والطلب، مع استمرار هذه العوامل الاقتصادية والجيوسياسية، يُتوقع أن يشهد السوق المزيد من التقلبات في الأسعار.

ختامًا: يشير خفض "جولدمان ساكس" لتوقعات أسعار النفط إلى وجود حالة من عدم اليقين في أسواق الطاقة العالمية، يظل تأثير النمو الاقتصادي الأمريكي، وزيادة الإنتاج من "أوبك+"، والتوترات الجيوسياسية عوامل حاسمة في تحديد الاتجاه المستقبلي للأسعار.

على الرغم من ذلك، يتوقع أن يشهد السوق تحسنًا متواضعًا في المستقبل القريب في حال استقرار العوامل الأساسية، كما إن متابعة هذه التطورات عن كثب ستظل ضرورية لفهم ديناميكيات أسواق النفط في السنوات القادمة.

Short Url

أخبار متعلقة