فيضان الديون يُغرق «المالديف» قبل الخطر المناخي، الجنة سياحية على حافة الإفلاس
الخميس، 24 أبريل 2025 07:29 م

جزر المالديف
كتب/ كريم قنديل
في مشهد يجمع بين السحر الطبيعي والتعقيد الاقتصادي، تقف جزر المالديف اليوم عند مفترق طرق حاد، دولة صغيرة في قلب المحيط الهندي، تحصد مليارات الدولارات من السياحة، لكنها تواجه خطر الإفلاس وسط تساؤلات محيرة، أين ذهبت كل هذه الأموال؟

من قصة نجاح إلى أزمة خانقة
لطالما كانت المالديف قصة نجاح تنموية يُشار إليها بالبنان، مع تحسن ملحوظ في مؤشرات التعليم والصحة ونمو اقتصادي تجاوز 7.5% سنويًا لأكثر من عقد، القطاع السياحي انفجر منذ السبعينيات، وتحول إلى العمود الفقري للاقتصاد، مولدًا أكثر من 60% من الإيرادات الأجنبية و28% من الناتج المحلي الإجمالي، بحلول 2023، بلغت عائدات السياحة وحدها 5 مليارات دولار.
لكن هذه الأرقام اللامعة، تخفي خلفها واقعًا قاتمًا، فوكالات التصنيف العالمية، وعلى رأسها فيتش، دقت ناقوس الخطر، وخفضت تصنيف المالديف إلى درجة "CC"، ما يشير إلى احتمال كبير للتخلف عن سداد الديون.
المشهد المالي، ديون ثقيلة وعوائد ضائعة
المالديف لم تصل إلى هذا المنحدر بين ليلة وضحاها، وراء الانهيار المحتمل خليط من الإنفاق الحكومي المفرط، وسوء إدارة الموارد، والاعتماد المفرط على الاقتراض الخارجي، خلال السنوات الماضية، أنفقت الحكومة ببذخ على مشاريع بنية تحتية طموحة من توسيع المطارات إلى تطوير المنتجعات الفاخرة، دون خطة واضحة للتمويل أو جدوى اقتصادية محكمة.
وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 130% عام 2023، بينما تجاوز الدين الخارجي وحده 100% من الناتج المحلي، هذه الأرقام تضع المالديف في قائمة الدول الأكثر مديونية في المنطقة.
وفي يوليو 2024، تراجعت احتياطيات النقد الأجنبي إلى 395 مليون دولار، بانخفاض 20% خلال شهرين فقط، في حين لم يتبق سوى 44 مليون دولار كاحتياطي صافي بعد خصم الالتزامات قصيرة الأجل وهو أدنى مستوى منذ عام 2016.
عدد السياح لجزر المالديف
وصل عدد وصول السياح إلى جزر المالديف إلى 208980 في ديسمبر، مقارنة بـ 172987 في نوفمبر من عام 2024، ووصل عدد وصول السياح إلى جزر المالديف إلى متوسط 115668.00 منذ عام 2012 حتى عام 2024، ووصل إلى أعلى مستوى على الإطلاق، حيث بلغ 217392.00 في فبراير عام 2024، وسجل أدنى مستوى دون أي سائح في أبريل عام 2020 متأثرًا بجائحة كورونا.

مشاريع عملاقة.. بعوائد ضئيلة
المشاريع الكبرى تحولت إلى عبء ثقيل على الاقتصاد، بدلاً من أن تكون قاطرة للتنمية المستدامة، هذه المشاريع لم تعزز القدرات الاقتصادية، بل زادت هشاشة الوضع المالي للبلاد.
وما يزيد الطين بلّة هو غياب الرقابة والحوكمة المالية، فبحسب البنك الدولي، المشاريع افتقرت إلى دراسات جدوى قوية، وتم تنفيذها بعقلية إنفاق سريع دون النظر إلى الآثار الطويلة المدى.
انفجار القروض وتراجع الثقة
تضاعف الدين الخارجي للمالديف منذ 2015، وباتت الدولة تعتمد بشكل شبه كلي على القروض الأجنبية لسد نفقاتها، التصنيف الائتماني المنخفض يزيد كلفة الاقتراض ويجعل من الصعب إعادة تمويل الديون الحالية بشروط مناسبة، وتبدو صورة المستقبل قاتمة في ظل استمرار عجز الحساب الجاري وارتفاع تكلفة خدمة الدين.
المستثمرون الأجانب أيضًا أداروا ظهورهم للبلاد، مع تراجع الثقة في قدرة الحكومة على إدارة اقتصادها وتزايد المخاطر السيادية.

بين الهيكلة والتقشف، خيارات مؤلمة
إن إعادة هيكلة الديون قد تكون حلاً مؤقتًا، لكن الإصلاح الحقيقي يتطلب تغييرًا جذريًا في إدارة الموارد، وتعزيز قطاعات اقتصادية جديدة بعيدًا عن السياحة وحدها.
المالديف كانت بحاجة إلى سياسة إنفاق أكثر تحفظًا واستثمار مستدام، بدلاً من الاعتماد المفرط على مشاريع سياحية ضخمة ذات عوائد غير مضمونة.
جنة مهددة بالغرق.. ماليًا هذه المرة
في ظل الأزمة الحالية، لم تعد مخاطر التغير المناخي والفيضانات وحدها ما يهدد جزر المالديف، الاقتصاد المحلي الذي لطالما استند على صورة الجزر كجنة استوائية يواجه اليوم خطر الغرق في بحر من الديون والالتزامات غير المسددة.
يبقى السؤال مفتوحًا، هل تستطيع المالديف تحويل مسارها المالي وتجنب الانهيار، أم أن الجزيرة الحالمة على موعد مع كابوس اقتصادي قد يبدد بريقها السياحي إلى الأبد؟
Short Url
أزمة أسعار أم سياسة؟، كيف يعبّر ترامب برجر عن أزمة أمريكا الاقتصادية؟
24 أبريل 2025 04:09 م
ترامب والتعريفات، سياسة بلا بوصلة وفن صفقات محفوف بالمخاطر
24 أبريل 2025 03:23 م
غسّالة الصحون التي هزّت الاشتراكية، تحوّل الاستهلاك إلى سلاح أميركي في الحرب الباردة
24 أبريل 2025 11:57 ص


أكثر الكلمات انتشاراً