الإثنين، 10 مارس 2025

11:13 م

طرد الموظفين ذوي الأداء الضعيف في الشركات، هل يقتل الأرباح والابتكار؟

الإثنين، 10 مارس 2025 08:32 م

فصل الموظفين

فصل الموظفين

كتب/كريم قنديل

في عام 2025، أصبح فصل الموظفين الذين يُصنفون ضمن "ذوي الأداء الضعيف" شعارًا متكررًا بين كبار المديرين التنفيذيين في الشركات الأميركية، من فيسبوك إلى مايكروسوفت، وحتى إيلون ماسك، باتت سياسة "تحسين الأداء" مبررًا لتسريح آلاف العاملين، وسط وعود برفع الكفاءة وتعزيز بيئة العمل، لكن هل أدت هذه السياسات إلى تحقيق النتائج المرجوة، أم أنها جاءت بنتائج عكسية تهدد أرباح الشركات وإبداع موظفيها؟

فصل الموظفين

عصر الطرد الجماعي.. من فيسبوك إلى مايكروسوفت وماسك

حين أعلن مارك زوكربيرغ عن فصل قرابة 4 آلاف موظف، كان الهدف المعلن هو "التخلص من ضعيفي الأداء"، وضمان وجود أفضل الكفاءات داخل الفرق، وفقًا لما نشره تقرير بيزنس إنسايدر، لم يكن فيسبوك وحده في هذا النهج؛ إذ طبقت مايكروسوفت نظام "التصنيف والتصفية"، مما أدى إلى إنهاء خدمات عدد كبير من الموظفين، بينما لجأ إيلون ماسك إلى قرارات مماثلة بحجة أن الموظفين لم يحققوا معايير الأداء، رغم أن بعضهم حصل مسبقًا على تقييمات إيجابية.

ثقافة الخوف وانخفاض الأداء

يرى آدم غرانت، عالم النفس التنظيمي وأستاذ الإدارة في مدرسة وارتون، أن هذه السياسات تهدف إلى خلق "مساءلة أكبر"، لكنها تؤدي في الواقع إلى نشر ثقافة الخوف وعدم اليقين. وأوضح غرانت أن "هذه القرارات قصيرة النظر تخفض معنويات الموظفين، وتزيد من معدل دورانهم الوظيفي، مما ينعكس سلبًا على الابتكار والأرباح على المدى الطويل".

وتشير الأبحاث إلى أن الضغط المستمر على الأداء لا يؤدي إلى تحسين النتائج، بل يقوض الإبداع ويحد من الإنتاجية، فالموظفون الذين يعملون في بيئة مليئة بالخوف يميلون إلى التركيز على تجنب الأخطاء بدلًا من تجربة أفكار جديدة، مما يؤدي إلى تراجع القدرة التنافسية للشركة.

مايكروسوفت

دروس من التاريخ الإداري.. أخطاء الماضي تعود

فكرة تصنيف الموظفين بناءًا على الأداء ثم تصفية الأقل كفاءة ليست جديدة، بل تعود إلى نظريات إدارية قديمة مثل تلك التي طرحها فريدريك تايلور، والتي تفترض أن العمال بطبيعتهم كسالى ويحتاجون إلى رقابة صارمة.

لكن التاريخ أظهر أن هذه الفلسفات قد تكون مضرة أكثر مما هى نافعة. على سبيل المثال، تبنت شركة جنرال إلكتريك تحت قيادة جاك ويلش نظام "التصنيف والتصفية"، والذي أدى في النهاية إلى نتائج عكسية، حيث زادت النزاعات الداخلية، وانخفضت الإنتاجية، بل وتراجعت القيمة السوقية للشركة.

ومايكروسوفت نفسها عانت من انخفاض في قيمتها السوقية بأكثر من 50% في الفترة التي طبقت فيها هذه السياسة، وفقًا لتقارير متخصصة.

فصل الموظفين

كيف يقتل الخوف الإبداع والابتكار؟

بيئة العمل القائمة على الخوف تخلق ما يُعرف بـ"استجابة التصلب الناجم عن التهديد" (Threat-Rigidity Response)، حيث يؤدي القلق من فقدان الوظيفة إلى تقليل التفكير الإبداعي، والتركيز على الالتزام بالقواعد بدلًا من المخاطرة بابتكار أفكار جديدة.

كشفت دراسة في التسعينيات داخل إحدى كبرى الشركات التكنولوجية أن الموظفين الذين يعملون في أجواء ضاغطة قدَّموا عددًا أقل من الأفكار الإبداعية، كما تباطأت عمليات الاختراع والتطوير.

التكلفة الاقتصادية للطرد الجماعي

على الرغم من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تحسن قصير الأجل في الإنتاجية، فإنها على المدى الطويل تُلحق ضررًا بالغًا بالشركات، حيث تعوق التعاون بين الفرق وتدمر روح الفريق، مما يؤدي إلى انخفاض الأداء العام وخسائر مالية كبيرة.

وكشف الصحفي كورت آيشينوالد في أحد تقاريره أن هذه السياسات أدت إلى "معارك داخلية مستمرة" داخل الشركات، مما عطل مشاريع استراتيجية هامة مثل تطوير تكنولوجيا الكتب الإلكترونية والهواتف الذكية.

فصل الموظفين

بدائل أكثر استدامة.. بيئة العمل الداعمة

في ضوء هذه الأدلة، يتضح أن نهج "طرد ضعيفي الأداء" ليس حلًا مستدامًا لتحسين الكفاءة أو تعزيز الابتكار. ينصح الخبراء ببدائل أكثر استدامة، مثل:

  • أنظمة تقييم تركز على التحفيز والدعم: بدلًا من الاكتفاء بتصنيف الموظفين، يمكن تطوير برامج تقييم تمنحهم الفرص لتحسين أدائهم عبر التدريب والتوجيه.
  • تقديم برامج تدريب مستمرة: من خلال الاستثمار في تنمية المهارات، يمكن تحسين الإنتاجية دون الحاجة إلى اللجوء إلى الفصل الجماعي.
  • تعزيز ثقافة التعاون والابتكار: حين يشعر الموظفون بالتقدير والأمان الوظيفي، يكونون أكثر استعدادًا لتقديم أفكار جديدة والمساهمة في نجاح الشركة.

 سياسة قصيرة النظر أم تهديد استراتيجي؟

في حين قد تبدو سياسة "تصفية ضعيفي الأداء" حلاً سريعًا لتحسين الإنتاجية، فإنها تحمل آثارًا سلبية على المدى البعيد، بدءًا من انخفاض الروح المعنوية، وارتفاع معدل دوران الموظفين، وانتهاءً بتراجع الكفاءة والربحية. وكما أشار آدم غرانت، فإن "الموظفين الذين يشعرون بالدعم والتقدير يكونون أكثر إبداعًا وأكثر ولاءً لشركاتهم".

لذا، يبقى السؤال الأهم: هل ستدرك الشركات خطورة هذه السياسات قبل فوات الأوان، أم أن خسائرها ستدفعها إلى إعادة النظر في استراتيجياتها المستقبلية؟.

Short Url

search