الأحد، 09 مارس 2025

10:45 م

«اقتصاد الظل» كيف تزدهر تجارة النفط بين إيران والصين في ظل العقوبات الأمريكية؟

الأحد، 09 مارس 2025 03:35 م

الصين وإيران

الصين وإيران

تحليل/ عبد الرحمن عيسى

تواجه إيران العديد من العقوبات الاقتصادية، خاصة في قطاع النفط، من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى، وقد تم فرض هذه العقوبات بهدف تقليص صادرات النفط الإيرانية وقطع تمويل طهران لمشاريعها النووية وبرامجها العسكرية.

تعتبر الصين أكبر مستورد للنفط الإيراني، مما يجعلها الشريك التجاري الأكثر أهمية لطهران في هذا القطاع، لكن العقوبات الأمريكية الأخيرة قد أثرت بشكل كبير على تجارة النفط بين إيران والصين، حيث دفعت الشركات إلى اتخاذ إجراءات محفوفة بالمخاطر للتكيف مع هذه العقوبات.

يهدف هذا التحليل إلى تبيان تأثير العقوبات الأمريكية على تجارة النفط بين إيران والصين، مع التركيز على الآليات التي تم استخدامها لتجاوز هذه العقوبات والتحديات التي تواجهها الأطراف المعنية.

تأثير العقوبات على تجارة النفط الإيراني

فرضت الولايات المتحدة جولات من العقوبات على إيران بدءًا من عام 2018، بعد انسحابها من الاتفاق النووي مع طهران.

فكانت العقوبات تهدف إلى تقليص صادرات النفط الإيراني، خاصة إلى الصين التي تعد أكبر مستورد للنفط الإيراني.

كما أثرت هذه العقوبات بشكل ملحوظ على سلاسل التوريد الخاصة بالنفط الإيراني، ولكن الصين، التي تعتبر حليفًا اقتصاديًا رئيسيًا لإيران، استمرت في استيراد النفط رغم القيود الأمريكية.

تأثير العقوبات على الشحن والنقل

أدت العقوبات الأمريكية إلى تكثيف الضغوط على شحنات النفط الإيراني المتجهة إلى الصين، حيث شملت العقوبات شركات الشحن والناقلات التي كانت تشارك في نقل النفط الإيراني، وهو ما جعل الشحنات تواجه عقبات لوجستية كبيرة.

وفي الأسابيع الأخيرة، تسببت هذه العقوبات في توقف تدفق بعض الشحنات الإيرانية إلى الصين بسبب مشاكل في الوفاء بالعقود من قبل البائعين الإيرانيين.

ولم يكن السبب في ذلك واضحًا بشكل محدد، لكن المحللين أرجعوا ذلك إلى التحديات اللوجستية وزيادة التكاليف التي تعيق عملية الشحن.

مع تزايد قائمة السفن المدرجة في القائمة السوداء من قبل الولايات المتحدة، أصبح من الصعب نقل النفط الإيراني عبر السفن التجارية المعتادة.

كما اضطر العديد من التجار إلى استخدام السفن الأصغر، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا من حيث التكلفة والفعالية، وتشير البيانات إلى أن تكلفة استئجار ناقلة عملاقة غير خاضعة للعقوبات يمكن أن تصل إلى مستويات قياسية تتراوح بين 5 إلى 6 ملايين دولار، مما يشكل عبئًا إضافيًا على التجار ويزيد من تكاليف النقل بشكل عام.

الالتفاف على العقوبات الأمريكية

منذ فرض العقوبات الأمريكية على إيران، استخدمت الصين أساليب متعددة لتجاوز القيود المفروضة على التجارة مع إيران.

كما بدأ العديد من التجار في استخدام أساليب "التعتيم" أو إخفاء الشحنات، بحيث يتم نقل النفط الإيراني من سفينة إلى أخرى قبالة السواحل الماليزية، مما يجعل تتبع مصدر النفط أمرًا صعبًا.

وهذه العمليات التي تتم في "إعتام كامل" توفر مستوى من السرية، حيث يتم إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال لإخفاء هوية السفن.

بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الشركات الصينية تعتمد بشكل متزايد على "أسطول الظل"، وهو عبارة عن شبكة من الشركات والسفن التي تقوم بتفريغ وتحميل النفط الإيراني بعيدًا عن الأنظار.

ورغم إن هذه الأساليب قد أثبتت فعاليتها إلى حد كبير، إلا أن زيادة القيود الأمريكية قد تجعلها أقل فعالية في المستقبل.

زيادة التكاليف بسبب العقوبات

أثرت العقوبات على تكلفة شراء النفط الإيراني، حيث أدى ارتفاع تكلفة تأمين الناقلات وعدم القدرة على تأمين السفن في بعض الأحيان إلى ارتفاع التكاليف الإجمالية للصفقات.

وتعكس البيانات زيادة ملحوظة في تكاليف الشحن التي تمثل عبئًا إضافيًا على التجار. في بعض الحالات، قد يؤدي ارتفاع تكاليف الشحن إلى تقليص هوامش الربح للمصدرين الإيرانيين وتقليل جاذبية النفط الإيراني للمشترين في الصين.

ومع ارتفاع أسعار الشحن، تبين أن المشترين الصينيين يطالبون بخصومات أكبر على النفط الإيراني، حيث تراوحت الخصومات من 0.50 دولار إلى 1 دولار للبرميل مقارنة بعقود برنت المستقبلية، وهو ما يشير إلى ضغط متزايد على الشركات الإيرانية.

وفي الوقت نفسه، تسببت هذه الزيادة في تكاليف النقل في تراجع فعالية النفط الإيراني مقارنة بالنفط الآخر في الأسواق العالمية.

التحديات التي تواجهها الصين في التجارة مع إيران

على الرغم من أن الصين لا تعترف بالعقوبات الأحادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة، إلا أن نظامها المالي الواسع والمترابط مع الاقتصاد العالمي يجعلها أكثر حذرًا في التعامل مع السفن والشركات الخاضعة للعقوبات.

أما شركات الشحن والموانئ الصينية، فأصبحت أكثر حذرًا في التعامل مع الشحنات الإيرانية بسبب احتمال فرض عقوبات على كيانات خارج الصين من قبل واشنطن. يشير هذا إلى تأثير النظام المالي الأمريكي الكبير على التجارة الصينية مع إيران.

الرد الصيني على العقوبات

على الرغم من العقوبات والضغوط الدولية، تواصل الصين دفاعها عن حقوقها في التجارة مع إيران، كما تعتبر الصين أن تجارة النفط مع إيران لا تتعارض مع القوانين الدولية، وهي مستمرة في شراء النفط الإيراني بشكل أساسي على الرغم من الزيادة الكبيرة في التكاليف المرتبطة بالالتفاف على العقوبات.

الآفاق المستقبلية لتجارة النفط بين إيران والصين

تظل تجارة النفط بين إيران والصين مرشحة للنمو في ظل الظروف الحالية، فعلى الرغم من العقوبات، استمرت تجارة النفط الإيراني إلى الصين في الزيادة بشكل تدريجي، حيث سجلت تدفقات النفط أعلى مستوياتها في عدة أشهر.

مما يعكس ذلك قدرة الطرفين على التكيف مع الظروف المعقدة التي فرضتها العقوبات، وهو ما يجعل تجارة النفط الإيرانية مع الصين أكثر مقاومة لتأثير العقوبات من المتوقع.

ختامًا: تستمر تجارة النفط بين إيران والصين في مواجهة تحديات كبيرة نتيجة العقوبات الأمريكية المتزايدة، التي تهدف إلى تقليص صادرات النفط الإيراني.

فعلى الرغم من هذه العقوبات، أثبتت الصين قدرتها على التكيف مع الوضع الحالي من خلال استخدام أساليب غير تقليدية مثل النقل في "إعتام كامل" والاعتماد على أسطول الظل.

ورغم التحديات اللوجستية وارتفاع التكاليف، تظل الصين أكبر شريك تجاري لإيران في قطاع النفط، كما تبقى العلاقة التجارية بين إيران والصين مرنة بما يكفي لمواصلة التجارة، ولكن الضغط الأمريكي قد يتزايد في المستقبل، مما يفرض تحديات إضافية على هذا التعاون.

Short Url

showcase
showcase
search