«نيوزيلندا تُحرج أمريكا» سفير يُشعل فتيل حرب اقتصادية عالمية باستقالته
الخميس، 06 مارس 2025 02:01 م

فيل جوف
تحليل/ عبد الرحمن عيسى
قررت الحكومة النيوزيلندية إقالة سفيرها في لندن “فيل جوف” بعد تصريحاته المثيرة للجدل التي قارن فيها بين مفاوضات السلام التي يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإطلاقها مع روسيا، واتفاقية ميونيخ المبرمة في عام 1938.
فُجرت القضية بسبب شكوك جوف في فهم ترامب للأحداث التاريخية، معبّرًا عن قلقه من إمكانية تبني الرئيس الأمريكي مواقف قد تشبه تلك التي أدت إلى تراجع أوروبا أمام النازية، كما أثار هذا التصريح موجة من الجدل حول دور التاريخ في السياسة المعاصرة وأثر ذلك على العلاقات الدولية.

التصريحات المثيرة للجدل
خلال مائدة مستديرة في معهد "تشاتام هاوس" في لندن، أثار السفير النيوزيلندي فيل جوف موضوعا حساسا يتعلق بسياسة الرئيس ترامب تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وتساءل السفير، أثناء حديثه عن مفاوضات السلام المحتملة بين ترامب وروسيا، عمّا إذا كان ترامب “يفهم التاريخ”، ثم قام جوف بمقارنة هذه المفاوضات مع اتفاقية ميونيخ الموقعة في عام 1938، والتي سمحت لألمانيا النازية بضم أجزاء من تشيكوسلوفاكيا، في خطوة اعتُبرت تراجعًا أمام التوسع النازي قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية.
عبر هذه المقارنة، أشار جوف إلى أنه قد يكون هناك خطر في أن يدفع ترامب أو يدعو كييف إلى قبول اتفاق سلام مع روسيا يتضمن تنازلات ضخمة في الأراضي الأوكرانية المحتلة.
هذه المقارنة كانت في غاية الحساسية، حيث تم ربط السياسة الحديثة بمأساة تاريخية تحمل أبعادًا إنسانية وعسكرية ضخمة.
رد الفعل الرسمي
لم تمر تصريحات السفير النيوزيلندي مرور الكرام، فقد أثار حديثه موجة من الانتقادات، خصوصا من قبل حكومة نيوزيلندا، كما أن المتحدث باسم وزير الخارجية النيوزيلندي، “ونستون بيترز”، أدان تصريحات جوف بشدة، معتبرًا أن تلك التعليقات كانت "مخيبة للآمال" وغير مقبولة، وبيّن أن هذه التصريحات لا تمثل وجهة نظر الحكومة النيوزيلندية، وأن بقاء السفير في منصبه في لندن بات غير ممكن.

الجدل حول السياسة الأمريكية تجاه روسيا
تسهم تصريحات جوف في إعادة فتح النقاش حول السياسة الأمريكية تجاه روسيا والصراع الروسي الأوكراني، فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في عام 2022، اعتمدت الولايات المتحدة على دعم كييف بالأسلحة والمساعدات العسكرية.
ومع ذلك، تحولت هذه السياسة إلى موضوع خلاف داخلي في الولايات المتحدة، حيث بدأ ترامب، وغيره من المسؤولين السياسيين، في التعبير عن مواقف متباينة حول مسألة استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا.
ترامب، الذي يستأنف التواصل المباشر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أبدى في مناسبات عدة تحفّظًا على استمرار الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا.
وقد هدد ترامب في وقت سابق بقطع المساعدات العسكرية عن أوكرانيا إذا ما تولى السلطة مجددًا، فهذا التوجه، وإن بدا متسقًا مع مواقفه السابقة المتمثلة في "أمريكا أولاً"، يثير تساؤلات حول تداعياته على الموقف الغربي الموحد ضد روسيا.
دور التاريخ في تشكيل السياسات الدولية
من خلال تصريحات السفير جوف، يبرز السؤال الجوهري حول دور التاريخ في تشكيل السياسات الحالية: هل يمكن للزعماء اليوم أن يتعلموا من أخطاء الماضي؟
وهل تُعتبر المقارنات بين الأحداث المعاصرة والأحداث التاريخية مثل اتفاقية ميونيخ منطقية وملائمة؟
إن مقارنة جوف بين مفاوضات ترامب وميونيخ تعكس قلقًا مشروعًا بشأن إضعاف المواقف الغربية في وجه العدوانية الروسية، ففي تاريخ الحرب العالمية الثانية، اعتُبرت اتفاقية ميونيخ رمزًا للخيانة السياسية، إذ سمحت للقوى الكبرى بتفادي الحرب عبر تقديم تنازلات مهينة، وهو ما سُمي لاحقًا بـ "الاستسلام بالعار".
قد تكون هذه المقارنة دقيقة من حيث الجوهر، في سياق تزايد مخاوف الغرب من أن يؤدي الاتفاق المحتمل مع روسيا إلى تفريط في الأراضي الأوكرانية، لكن رغم أهمية دروس التاريخ، فإنه من الضروري النظر في الفروق الجوهرية بين الماضي والحاضر، لا سيما أن العوامل الجيوسياسية اليوم تختلف تمامًا عما كانت عليه في ثلاثينيات القرن الماضي.

أسباب إقالة السفير
أثارت إقالة السفير النيوزيلندي أسئلة حول حدود الحرية الشخصية والتعبير الدبلوماسي، كما إن تصريحات جوف تتخطى حدود النقد المعتاد بين السياسيين والدبلوماسيين، حيث تناول فيها موضوعًا حساسًا بشكل مباشر وبأسلوب يثير الجدل.
ورغم إن السفير لم يهاجم شخصًا بعينه أو يؤذي علاقات بلاده بشكل مباشر، فإن تصريحه بمقارنة الرئيس الأمريكي باتفاق ميونيخ قد يُعتبر تدخلًا في السياسة الداخلية لدولة أخرى، وهو الأمر الذي لا يتماشى مع حيادية السلك الدبلوماسي.
إقالة السفير كانت بمثابة رسالة من الحكومة النيوزيلندية حول عدم قبولها التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، وكذلك التأكيد على الالتزام بالحفاظ على العلاقات الدولية الجيدة، وتعكس هذه الخطوة أيضًا أهمية التوازن بين التوجيهات الدبلوماسية والآراء الشخصية، خصوصًا في سياق العلاقات المتوترة بين القوى الكبرى.
الآثار المحتملة على العلاقات النيوزيلندية-الأمريكية
على الرغم من أن نيوزيلندا تعتبر دولة صغيرة نسبيًا في الساحة السياسية العالمية، إلا أن قرار إقالة السفير قد يترك أثرًا على علاقاتها مع الولايات المتحدة، كما يُتوقع أن تتأثر العلاقة الثنائية بين البلدين على الرغم من أن هذا الحادث قد يُنظر إليه على أنه موقف ناتج عن تصريح شخصي للسفير، لكن تصريحاته حول الرئيس الأمريكي قد تؤدي إلى حالة من التوتر المؤقت بين الدولتين.
دور ترامب في السياسة الأمريكية والعالمية
دونالد ترامب، الذي يظل شخصية مثيرة للجدل في السياسة الأمريكية، قد أظهر مرارًا تباينًا مع السياسات التقليدية تجاه روسيا، حيث أدار ترامب سياسته الخارجية من منطلق رؤية "أمريكا أولاً"، وهو ما يتناقض مع سياسة التضامن الغربي التقليدي ضد روسيا.
ويرى بعض أنصاره أن ترامب يملك رؤية استراتيجية تتعلق بموازنة القوى بين روسيا والغرب، بينما يرى معارضوه أن ذلك قد يهدد الاستقرار العالمي، كما تكمن أهمية تصريحات السفير في أنها تُشير إلى القلق من أن ترامب قد يتخذ قرارات تميل إلى الاستسلام للضغوط الروسية على حساب الأمن الأوروبي والعالمي.
ختامًا: تُظهر حادثة إقالة السفير النيوزيلندي في لندن التعقيدات التي تنطوي عليها السياسة الدولية في العصر الحديث.
تمثل تصريحات فيل جوف حول ترامب وتاريخ الحرب إشارات قوية حول العلاقة بين الأحداث التاريخية والقرارات السياسية المعاصرة.
وعلى الرغم من أن الحرية الدبلوماسية تتيح للمسؤولين إبداء آرائهم الشخصية، إلا أن تلك الآراء قد تترك تداعيات كبيرة على العلاقات الدولية، كما ظهر في هذه القضية.
Short Url
عمالقة التريليونات يقودون الاقتصاد العالمي في 2025
05 مارس 2025 05:34 م
هل تهدد الوظائف البشرية؟، مستقبل العمل في عصر الأتمتة بين الفرص والتحديات
04 مارس 2025 12:33 ص
"المركزي للإحصاء" يكشف كيف تم توظيف 511483 شخص فى 2023
25 فبراير 2025 09:08 م


أكثر الكلمات انتشاراً