هل ينجح تثبيت أسعار الفائدة في كبح جماح التضخم ودعم الاقتصاد ؟
الإثنين، 03 مارس 2025 11:57 ص

البنك المركزي المصري
تحليل/ عبد الرحمن عيسى
قبل نحو أسبوعين قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري الإبقاء على أسعار العائد الأساسية دون تغيير، واستمرت أسعار الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25% و28.25% و27.75% على التوالي.
كما تقرر الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند 27.75%، ويسلط هذا القرار الضوء على الاستراتيجية النقدية للبنك المركزي المصري في ظل الظروف الاقتصادية المحلية والعالمية، وتداعيات ذلك على التضخم، النمو الاقتصادي، وسوق العمل في مصر.
ويهدف هذا التحليل إلى توضيح القرار وتقديم رؤية متكاملة عن تأثيراته على الاقتصاد المصري في المدى القصير والمتوسط.
_1773_114940.jpg)
تحليل الوضع الاقتصادي العالمي وتأثيره على السياسة النقدية المصرية
تشهد العديد من البنوك المركزية في اقتصادات متقدمة وناشئة تغيرات في سياستها النقدية، حيث تنتهج بعض هذه البنوك تقليص أسعار الفائدة تدريجيًا رغم حالة عدم اليقين التي تحيط بآفاق النمو الاقتصادي والتضخم عالميًا.
بينما تتبع بنوك مركزية أخرى نهجًا أكثر حذرًا نتيجة لتقلبات السوق والضغوط الجيوسياسية، وبالرغم من ذلك، فإن الاقتصاد المصري يسير على مسار مستقر نسبيًا.
حيث يظل النمو الاقتصادي مستقرًا، في الوقت الذي تعكس المؤشرات الأولية للربع الرابع من 2024 انتعاشًا ملحوظًا في النشاط الاقتصادي المحلي.
مقارنة بالربع الثالث من نفس العام، وإن هذا الاستقرار النسبي في الاقتصاد العالمي ساعد في تحديد النهج النقدي للبنك المركزي المصري، الذي يواجه تحديات مثل التأثيرات السلبية للسياسات النقدية التقييدية على النشاط الاقتصادي.
الوضع المحلي والتحديات الاقتصادية
نمو الاقتصاد المحلي: استمر الاقتصاد المصري في إظهار أداء إيجابي مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بوتيرة أسرع في الربع الرابع من 2024 مقارنة بالربع الثالث.
كان هذا النمو مدفوعًا أساسًا بزيادة مساهمة قطاعي الصناعة التحويلية والنقل، علاوة على ذلك، تبين المؤشرات الاقتصادية أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لا يزال أقل من طاقته القصوى، مما يعني أن الاقتصاد لا يزال بحاجة إلى مزيد من التحفيز للوصول إلى مستوياته المثلى.
سوق العمل: تراجعت معدلات البطالة في مصر بشكل طفيف إلى 6.4% في الربع الرابع من 2024، من 6.7% في الربع الثالث من نفس العام.
ويعكس هذا التراجع تحسنًا تدريجيًا في سوق العمل، إلا أن الفجوة بين النمو الاقتصادي والقدرة الكاملة للاقتصاد تشير إلى أنه لا يزال أمامه تحديات تتطلب مزيدًا من الجهود لتحسين المستوى العام للتوظيف.
التضخم المحلي: بخصوص التضخم، شهدت الأسعار تباطؤًا ملحوظًا في النصف الثاني من عام 2024 مقارنة بالنصف الأول، حيث استقر معدل التضخم السنوي في يناير 2025 عند 24.0%.
وكان التضخم الأساسي، الذي يعكس التغيرات في الأسعار باستثناء السلع المتقلبة مثل الأغذية، مستقرا بشكل عام خلال نفس الفترة، حيث بلغ 22.6% في يناير 2025.
ومن جانب آخر، استمر التضخم في السلع الغذائية في التباطؤ، وهو ما يشير إلى أن تأثير الصدمات السابقة بدأ في التلاشي تدريجيًا.

تطورات التضخم والآفاق المستقبلية
المخاطر والتوقعات: رغم تباطؤ التضخم المحلي، فإن المخاطر المحيطة بتوقعات التضخم تزايدت بسبب التوترات الجيوسياسية والنزاعات التجارية العالمية، وخاصة في ظل السياسات الحمائية التي تتبعها بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة.
تتوقع اللجنة أن يتراجع التضخم العام بشكل ملحوظ في الربع الأول من عام 2025، استنادًا إلى تأثيرات السياسات النقدية التقييدية التي تم تطبيقها في الفترات السابقة.
كما إن أثر هذه السياسات سيظل مستمرًا، ولكن بوتيرة أبطأ نتيجة للجهود الرامية إلى ضبط المالية العامة.
مخاطر التضخم العالمية: تواجه الأسواق العالمية أيضًا تقلبات في أسعار السلع الأساسية، مثل الحبوب، مع احتمالات زيادة الأسعار في المستقبل القريب.
وهذه المخاطر لا تقتصر فقط على الاقتصاد المصري، بل تؤثر على الاقتصادات العالمية أيضًا، مما قد يعقد عملية السيطرة على التضخم محليًا.
تأثير قرار البنك المركزي المصري على الاقتصاد
استقرار الأسعار: من خلال الإبقاء على أسعار العائد الأساسية دون تغيير، يسعى البنك المركزي المصري إلى ضمان استقرار الأسعار والمحافظة على السياسة النقدية التقييدية.
ويعمل هذا القرار على تقليل الضغوط التضخمية من جانب الطلب، وفي الوقت ذاته يساهم في تقليص تأثيرات صدمات العرض، بما يساهم في تحقيق انخفاض مستدام في معدل التضخم.
تحقيق أهداف السياسة النقدية: تهدف السياسة النقدية للبنك المركزي إلى تحقيق معدلات تضخم منخفضة ومستدامة، وهو ما يتماشى مع أهداف استقرار الأسعار وتحقيق بيئة اقتصادية مواتية للنمو.
ويعكس القرار الأخير أيضًا التزام البنك المركزي بالحفاظ على استقرار العملة المحلية، وهي خطوة أساسية لدعم الاقتصاد في مواجهة تحديات عالمية وإقليمية.
التأثير على سوق الدين العام: ينعكس الإبقاء على أسعار الفائدة على سوق الدين العام، حيث يواصل المستثمرون المحليون والدوليون توجيه استثماراتهم نحو أدوات الدين الحكومية، مثل السندات، بناءً على العوائد الجذابة التي تقدمها، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في الفترة المقبلة، مما يعزز من استقرار سوق المال في مصر.
آفاق النمو الاقتصادي: من المتوقع أن تقترب معدلات النمو الاقتصادي تدريجيًا من طاقتها القصوى بحلول نهاية السنة المالية 2025/2026 مع استمرار جهود تحفيز النمو الاقتصادي في مختلف القطاعات.
وفيما يتعلق بالتضخم، فإن لجنة السياسة النقدية تتوقع أن تشهد الأسعار العامة تراجعًا على المدى القصير بفضل التشديد النقدي، مما يساعد على استقرار الاقتصاد وزيادة قدرتها على مواجهة الأزمات المحتملة.

استراتيجيات المستقبل
التيسير النقدي: رغم أن البنك المركزي يواصل اتباع سياسة نقدية تقييدية، فإنه لن يتردد في اتخاذ خطوات للتيسير النقدي إذا دعت الحاجة.
لذلك، تقوم لجنة السياسة النقدية بتقييم قراراتها في كل اجتماع على حدة بناءً على التوقعات والمخاطر المحيطة بالاقتصاد المحلي والدولي.
وبالتالي، فإن من المتوقع أن تظل هناك إمكانية لبدء دورة التيسير النقدي في المستقبل إذا تحسنت الظروف الاقتصادية بشكل عام.
المراقبة المستمرة: تستمر لجنة السياسة النقدية في مراقبة التطورات الاقتصادية والمالية عن كثب، وتحليل تأثيراتها المحتملة على المؤشرات الاقتصادية.
ويشمل ذلك متابعة سياسات الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، وتقييم تأثيراتها على الاقتصاد المصري، وهذا التقييم المستمر يساعد على اتخاذ القرارات المناسبة التي تضمن استقرار الاقتصاد الوطني وتحقيق الأهداف الاقتصادية طويلة المدى.
ختامًا: في ظل حالة عدم اليقين العالمية والمحلية، قررت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري الإبقاء على أسعار العائد الأساسية دون تغيير في فبراير 2025.
كما يمثل هذا القرار استمرارًا لنهج السياسة النقدية التقييدية التي تهدف إلى مكافحة التضخم وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
ومن المتوقع أن يسهم هذا القرار في تقليل الضغوط التضخمية على المدى القصير، مما يدعم النمو الاقتصادي ويعزز الثقة في الاقتصاد المصري.
ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في مراقبة التطورات العالمية والإقليمية، واتخاذ القرارات المناسبة استجابة لها، لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في مصر.
Short Url
اقتصاد التأجير الرقمي.. كيف يعيد تشكيل مستقبل الأعمال عبر الإنترنت؟
03 مارس 2025 06:39 م
زيادة قيمة الإصدار في أذون الخزانة المصرية غدًا، اعرف التفاصيل
03 مارس 2025 02:12 م
"الاستثمار": سداد 67 مليار جنيه من مستحقات المصدرين المتأخرة حتى أغسطس 2024
02 مارس 2025 05:02 م


أكثر الكلمات انتشاراً