الإثنين، 03 مارس 2025

11:43 م

فراغ القيادة العالمية.. من يقود الاقتصاد العالمي حال غياب أمريكا؟

الأحد، 02 مارس 2025 11:05 ص

الاقتصاد العالمي

الاقتصاد العالمي

كتب/ عبد الرحمن عيسى

كان الاقتصاد العالمي دائمًا بحاجة إلى قوة مهيمنة أو قائد قوي مستعد لدفع الثمن من أجل استقرار الجميع، وكانت الولايات المتحدة تلعب هذا الدور القيادي على مدى عقود دون منازع، حيث تدخلت في الأزمات العالمية، وحمت النظام المالي من الانهيار، وساهمت في استقرار الأسواق العالمية.

ومع ذلك، بدأت تظهر مؤشرات على أن الولايات المتحدة تتراجع عن هذا الدور الحيوي، ما يثير العديد من التساؤلات حول من سيملأ الفراغ القيادي في الاقتصاد العالمي في ظل غياب وضوح في السياسة الأمريكية، واحتمال عدم رغبة الصين في تحمل هذه المسؤولية.

التقلبات الاقتصادية العالمية

التحولات في السياسة الأمريكية

بدأت تظهر تغييرات كبيرة في سياسة الولايات المتحدة تجاه الاقتصاد العالمي منذ أن تولت الإدارة الأمريكية الجديدة مقاليد الحكم.

في السابق، كانت الولايات المتحدة تشارك في التدخلات الاقتصادية كجزء من مسؤولياتها لتأمين استقرار النظام المالي العالمي، ولكن، كما تبين من تصريحات المسئولين الأمريكيين في مؤتمر ميونيخ الأخير، هناك تحول ملموس في هذه السياسة، حيث أعلنت واشنطن أنها لم تعد تضمن أمن أوروبا، وهو ما يعكس تراجعها عن دورها كضامن عالمي للاستقرار.

وتعتبر هذه الخطوة جزءًا من تحول أوسع في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع قضايا الاقتصاد العالمي، حيث يبدو أن واشنطن لم تعد مستعدة لتحمل العبء الأكبر من المسؤولية دون مقابل مادي ملموس.

الرئيس الأميركي: دونالد ترامب

تأثير التغيير على الاقتصاد العالمي

أصبح العالم في حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل الاقتصادي في ظل هذه التغيرات، خاصةً في ظل غياب قوة مهيمنة على الساحة الدولية، فإن غياب القيادة الاقتصادية يمكن أن يعيد العالم إلى حالة من عدم الاستقرار مشابهة لتلك التي شهدها في ثلاثينيات القرن الماضي، وهي فترة شهدت أزمات مالية كبرى كانت صعبة المعالجة في غياب قوة منسقة قادرة على التحكم بالأوضاع الاقتصادية العالمية.

التحول في النهج الأمريكي

لا تزال الولايات المتحدة متمسكة بسيادة الدولار الأمريكي على الرغم من تراجعها عن قيادة الاقتصاد العالمي، وتظهر تصميمًا قويًا على الدفاع عن مركزه كعملة احتياطية عالمية.

ويشير بعض المحللين إلى أن النهج الاقتصادي الأمريكي في الوقت الراهن لا يقتصر على تقديم الخدمات الاقتصادية بشكل مجاني كما كان في السابق، بل أصبح يرتكز على سياسة "الربح والخسارة".

فبعد فترة طويلة من تقديم الدعم المالي والمساعدة الدولية دون مقابل مباشر، تحولت هذه السياسات إلى "صفقات تجارية" تضمن واشنطن من خلالها حصولها على عوائد ملموسة مقابل الدعم الذي تقدمه، كما يتضح في تعاملات واشنطن مع أوكرانيا.

أوكرانيا

هل يمكن للمؤسسات المالية الدولية ملء الفراغ؟

لا شك أن هناك مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تستمر في تقديم الدعم الائتماني للدول المتعثرة، لكن قدرة هذه المؤسسات على معالجة أزمات اقتصادية ضخمة قد تكون محدودة.

فعلى سبيل المثال، واجه صندوق النقد الدولي صعوبات كبيرة في معالجة الأزمات المالية في دول مثل اليونان وأيرلندا والأرجنتين، وهو ما يثير تساؤلات حول فعاليته في التعامل مع أزمات أكبر.

وتظل هذه المؤسسات تحت تأثير الهيمنة الأمريكية، حيث لا تتحرك عادةً إلا بعد موافقة الولايات المتحدة، ما يحد من قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة في غياب توافق مع المصالح الأمريكية.

هل يواجه العالم فترة من عدم الاستقرار؟

مع غياب القيادة الواضحة من قبل الولايات المتحدة ورفض الصين تحمّل هذه المسؤولية، يبدو أن العالم قد يواجه فترة من عدم الاستقرار الاقتصادي، حيث يراهن الكثيرون على "الحظ" في تجنب الأزمات الكبرى التي تتطلب استجابة منسقة.

ولكن الاعتماد على الحظ وحده ليس استراتيجية مضمونة، حيث أظهرت التجارب التاريخية أن الأزمات الاقتصادية غالبًا ما تحدث عندما يكون العالم غير مستعد للتعامل معها.

أزمة الدولار

من سيملأ فراغ القيادة الاقتصادية؟

بحسب المحللة الاقتصادية محاسن مرسل، لا يمكن لدولة واحدة أو جهة واحدة أن تتحمل مسؤولية الاقتصاد العالمي في هذا السياق، بل الحل يكمن في بناء شبكة من التعاون بين الكتل الاقتصادية الكبرى.

الاتحاد الأوروبي قد يكون أحد أبرز المرشحين لهذا الدور، بسبب المؤسسات المتطورة التي يملكها والسوق الموحدة والعملات المشتركة التي تعزز من قدرته على التنسيق في الأزمات الاقتصادية، كما إن بعض الاقتصادات الناشئة مثل الهند قد يكون لها دور مستقبلي في "مساندة" الاقتصاد العالمي نظرًا لنموها السريع ومكانتها الاستراتيجية.

تعزيز دور مجموعة العشرين

مجموعة العشرين تحالفًا جماعيًا بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة، ففي حال تم تعزيز قدرة هذه المجموعة على اتخاذ قرارات فاعلة وتنسيق سياسات اقتصادية، فإنها قد تشكل جزءًا من الحل للمشاكل الاقتصادية العالمية في المستقبل.

لكن تعزيز دور هذه المجموعة يتطلب تذليل العديد من العقبات السياسية والاقتصادية الداخلية بين دول المجموعة.

إصلاحات مؤسسية وسياسية

الحل الأمثل لمواجهة هذا الفراغ القيادي هو بناء شبكة تعاون بين الكتل الاقتصادية الرئيسية التي تسمح بتنسيق السياسات المالية والنقدية على مستوى عالمي.

مثل هذا التعاون يتطلب إصلاحات مؤسسية عميقة، تتضمن تعزيز الاستقرار الداخلي للكتل الاقتصادية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي، وتعزيز التنسيق بين الدول الناشئة مثل الهند.

مجموعة العشرين

التحديات أمام الصين

لم تبدِ الصين اهتمامًا كبيرًا بتولي القيادة الاقتصادية العالمية على الرغم من طموحاتها في تعزيز نفوذها على الساحة الاقتصادية الدولية، فوفقًا لبعض المحللين، فإن الصين تركز في الوقت الحالي على أهدافها المحلية والإقليمية أكثر من الانخراط في أزمات عالمية.

مما يعزز من فرضية أن الصين ليست مستعدة، أو ربما لا ترغب، في تحمل أعباء الدور الذي كانت تلعبه الولايات المتحدة.

ختامًا: تسعى الولايات المتحدة حاليًا إلى إعادة تشكيل دورها في الاقتصاد العالمي بناءً على مصالحها الخاصة، ما يخلق فراغًا في القيادة الاقتصادية قد يعيد العالم إلى حالة من عدم الاستقرار.

ورغم أن المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تواصل عملها، إلا أن غياب التنسيق الفعّال بين الكتل الاقتصادية الكبرى قد يجعل من الصعب التعامل مع الأزمات المستقبلية.

وتظل الأسئلة حول من سيملأ هذا الفراغ وما إذا كان العالم قادرًا على التنسيق بشكل فاعل لمواجهة التحديات الاقتصادية أم لا، محط اهتمام كبير.

Short Url

showcase
showcase
search