الثلاثاء، 04 مارس 2025

05:34 ص

من زراعة مربحة إلى جريمة يعاقب عليها القانون.. قصة الأفيون في مصر

الأحد، 02 مارس 2025 03:49 م

نبات الأفيون

نبات الأفيون

في منزل بسيط بإضاءة خافتة، جلست الأم على عتبة منزلها، تهدهد طفلها الذي لم يكف عن البكاء، تنهدت بإرهاق، ثم سحبت قطعة صغيرة من الأفيون، وذوّبتها في قطرات ماء بحذر، وضعت السائل في فمه، فارتعش للحظة، ثم غابت عيناه في سبات ثقيل.

هذه القصة ليست من وحي الخيال أو السينما، بل كانت واقعًا حقيقيًا في مصر قبل بداية القرن العشرين، حيث كانت بعض الأمهات يستخدمن الأفيون لتهدئة أطفالهن وإجبارهم على النوم، ومن هنا اعتمدت الحكومة والصيدليات والأطباء والصحف الاسم الشائع لمخدر الأفيون وهو "أبو النوم".

وقتها كان الأفيون متاحًا بسهولة في تلك الفترة، ولم يكن الوعي الطبي كافيًا للتحذير من مخاطره، مما أدى إلى انتشار هذه العادة بين الأسر على اختلاف طبقاتها، إلى أن شنت الصحف المصرية حملة ضد زراعة الأفيون في مصر للمطالبة بمنع زراعته في مصر.

نبات الأفيون


ماذا حدث؟

فى عام 1889، نشرت الصحف المصرية تقريرا عن أخطار الأفيون حيث يتسبب بأضرار كثيرة تؤدي لموت 15 ألفاً من البشر سنويا وأغلبهم من الصين التي كانت من الدول المنتجة للأفيون، وكانت زراعة الأفيون رائجة في مصر حيث كان يُزرع فى نواحي الصعيد.

إذ اعترف أحد الأطباء المشاركين بالمؤتمر الطبي الذي انعقد في أثينا عام 1883، بأنه عند تناوله للأفيون أو حقنة المورفين، يشعر وكأن النمل يسري في جسده، والدود يأكل لحمه، ويتملكه الإرهاق، فيشعر بأن أعضاءه مثقلة، ويسمع طنينًا في أذنيه، وتصبح أنفاسه بطيئة، ويشعر بفراغ في رأسه، وغير قادر على التركيز في أبحاثه الطبية، ولا يفكر سوى في الحصول على جرعة أخرى من المورفين. لكنه بمجرد تعاطيها، يستعيد نشاطه وينطلق في الحديث والعمل.

نبات الأفيون

زراعة الأفيون فى الصعيد قديما

كان يزرع الأفيون في مصر في أراضي قنا، وجرجا، وأسيوط، فى أعقاب مياه الفيضان بدون تجهيز الأرض، كما أن المصريين يزرعونه علي شواطئ النيل، أو حول الحفر التي تحتوي على مياه، أو حول القمح، أو في الأجزاء المنخفضة من الجزائر النيلية.

وكانت أوروبا تعرف "الأفيون الصعيدي" جيدا، وكان التجار الأوروبيون يحتكرون شراء الأفيون ويصدرونه للدول في عهدي سعيد باشا والخديو إسماعيل، وكانوا أيضا يسترشدون بكتابات خبراء الزراعة الأجانب الذين وصفوا طرق غش نبات الأفيون، وكان يتم تحصيل نحو 7 إلي 10 أجزاء من المورفين، وقد يصل لـ12 جزءا من الأفيون.

كما أن بعض المزارعين في الصعيد يحصلون من الفدان الواحد مقدار5 أوقيات من الأفيون، و6 إردبات من الخشخاش لاستخلاص الزيوت واستخدامها في صناعة الصابون.

ونقلت جريدة الأهرام عن الرحالة الإيطالي فيجري بك وهو عالم إيطالي جاء إلى الصعيد، حيث تولى شأن منصب مفتش الصيدليات، وألف كتابه الشهير "البراعة في فن الزراعة" حيث جاب الأقطار المصرية وصحاريها قوله عن حصاد الأفيون في صعيد مصر، فقد كان المزارع يتكلف الشقاء والتعب لمدة 43 يومًا بعد الانتهاء من الحصاد؛ حتي يجف النبات وتنضج بذوره، وقد قدم فيجري بك صورة عن حصاد الأفيون الذي كان يؤدى لإغماءات للمزارعين، خاصة بعد حرق عيدانه.

نبات الأفيون

قوانين تجريم الأفيون

بدأت قصة تجريم زراعة الأفيون من الأمر الصادر من قائد الحملة الفرنسية، فى 8 أكتوبر 1800 بتجريم تعاطى الحشيش، ثم الأمر العالى الصادر فى 29 مارس 1879 الذى جعل زراعة الحشيش واستيراده مخالفة عقوبتها الغرامة.

في 21 مايو 1926، أصدرت جريدة "الوقائع" الحكومية عدة قرارات، استنادًا إلى المادة 41 من الدستور، والقانون رقم 18 لسنة 1918، الذي حظر زراعة الخشخاش المعروف بـ"أبو النوم".

وأكدت القرارات أن الأفيون الخام الناتج من الزراعة المحلية لم يُستخدم طبيًا كما كان متوقعًا، بل استُهلك داخليًا، مما استدعى حظر زراعته في مصر بالكامل.

عقب إصدار قانون الحظر عام 1925، نشرت جريدة "الأهرام" مطالب المزارعين ونواب البرلمان بإعطاءهم مهلة لإنهاء حصاد المحصول، حيث كانت محافظة قنا وحدها تضم 12 ألف فدان من الأفيون، وكانت تجارة المحصول تُدر أرباحًا تصل إلى 500 ألف جنيه. 

نبات الأفيون

وذكرت أن الفلاحين المصريين تعاطوا الأفيون كما فعل الصينيون، مشيرة إلى أن نحو مليون ونصف شخص كانوا يعتمدون عليه.

أوضحت أن معامل الصيدليات لم تكن تفضل الأفيون المصري بسبب انخفاض نسبة المورفين فيه، مقارنة بالأفيون الأناضولي، الذي يحتوي على نسبة تتراوح بين 10% و12% من المواد المخدرة.

وفي أبريل 1928م، نشرت "الوقائع" نظامًا جديدًا لتنظيم الاتجار بالمواد المخدرة، حيث سمحت فقط للصيدليات المعتمدة بتخزين الأفيون الخام، وأكدت ضرورة الحصول على تراخيص خاصة لاستيراده أو تصديره.

وفي 8 يوليو 1940م، جددت "الوقائع" القوانين المتعلقة بمكافحة المخدرات، ومنحت موظفي وزارة الزراعة صلاحيات الضبطية القضائية لملاحقة المخالفين، إلى أن صدر القانون الحالى رقم 182 لسنة 1960 وتعديلاته وآخرها القانون 122 لسنة 1989.

Short Url

showcase
showcase
search