تحالفات أم انقسامات؟.. العالم يبحث عن نظام اقتصادي بديل حال غياب أمريكا
الأحد، 02 مارس 2025 06:59 م

مستقبل الاقتصاد العالمي
تحليل/ كريم قنديل
لطالما كان الاقتصاد العالمي بحاجة إلى قوة مهيمنة تقوده خلال الأزمات، قادرة على التدخل لإنقاذ الأسواق ومنع الانهيارات المالية.
وعلى مدار العقود الماضية، لعبت الولايات المتحدة هذا الدور دون منازع، متحملة التكاليف السياسية والاقتصادية لضمان الاستقرار العالمي. لكنها اليوم، ومع تغير سياساتها الاقتصادية في ظل الإدارة الحالية، ولم تعد راغبة في دفع هذا الثمن.

عالم بلا قائد اقتصادي
لكن اليوم، ومع تغير السياسات الاقتصادية الأميركية في ظل الإدارة الحالية، يبدو أن واشنطن لم تعد راغبة في دفع هذا الثمن، مما يفتح الباب أمام تساؤل جوهري: إذا كانت أميركا تتراجع عن قيادة الاقتصاد العالمي، فمن سيتولى هذه المهمة؟
ومع غياب قيادة واضحة، تتزايد المخاوف من أن العالم قد يكون على أعتاب مرحلة من عدم الاستقرار الاقتصادي غير المسبوق، شبيهة بتلك التي شهدها في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما أدى انهيار التعاون الاقتصادي العالمي إلى أزمات مالية خانقة.
تراجع أميركا عن قيادة الاقتصاد العالمي
لم يكن تحول واشنطن في سياستها الاقتصادية مفاجئًا، بل جاء نتيجة لنهج اقتصادي جديد يركز على المصالح المباشرة أكثر من المسؤولية العالمية.
1. من سياسة "المنقذ" إلى "التاجر"
أثبت التاريخ أن غياب القيادة الاقتصادية قد يؤدي إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، كما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي عندما أدى انهيار التعاون الاقتصادي العالمي إلى أزمات مالية خانقة. وبالنظر إلى المشهد الحالي، يبدو أن العالم يتجه نحو سيناريو مشابه.
تفضل أميركا التركيز على مصالحها الداخلية بدلاً من لعب دور المنقذ العالمي. فبعدما كانت تتدخل لإنقاذ الأسواق عند الأزمات، مثل أزمة الديون في أميركا اللاتينية في الثمانينيات، والأزمة المالية الآسيوية عام 1997، والأزمة المالية العالمية عام 2008.

على مدار العقود الماضية، كانت الولايات المتحدة تتدخل لإنقاذ الأسواق عند الأزمات، مثل:
- أزمة الديون في أميركا اللاتينية خلال الثمانينيات.
- الأزمة المالية الآسيوية عام 1997.
- الأزمة المالية العالمية 2008-2009، حين ضخت أميركا مليارات الدولارات لإنقاذ النظام المصرفي العالمي.
لكن اليوم، لم تعد واشنطن مستعدة للقيام بهذه التدخلات دون مقابل، فالإدارة الأميركية الحالية باتت تنظر إلى دورها الاقتصادي من زاوية "الربح والخسارة"، وأصبحت المساعدات الاقتصادية والاستقرار المالي أدوات للمساومة السياسية، كما حدث مع أوكرانيا، التي وجدت أن دعمها المالي والعسكري أصبح مرتبطًا بشروط أميركية صارمة.
تراجع الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي
تراجع دور الولايات المتحدة كقائد اقتصادي عالمي سيترك تأثيرًا عميقًا على الاقتصاد العالمي. في غياب قيادة اقتصادية واضحة، ستزداد التحديات الاقتصادية، حيث يصبح التنسيق بين القوى الكبرى أكثر صعوبة. مع عدم وجود جهة واحدة قادرة على تحمّل مسؤولية استقرار الأسواق العالمية، قد نشهد اضطرابات مالية شبيهة بتلك التي حدثت في ثلاثينيات القرن الماضي، ما قد يؤدي إلى تقلبات غير مسبوقة في الأسواق المالية، كما أن تزايد الصراعات الاقتصادية بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين قد يفضي إلى تجزئة النظام الاقتصادي العالمي، مما يعقد من عملية اتخاذ القرارات الحاسمة ويزيد من المخاطر.

من جهة أخرى، قد يؤدي انسحاب أميركا من دورها القيادي إلى فتح المجال لتوسيع نفوذ القوى الاقتصادية الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي والصين، لكن ذلك سيواجه تحديات كبيرة. بينما يسعى الاتحاد الأوروبي لتحقيق مزيد من التنسيق الاقتصادي بين أعضائه، يظل يعاني من انقسامات سياسية داخلية تؤثر على فعاليته.
أما الصين، رغم قوتها الاقتصادية، فهي تركز على النمو الداخلي ولا ترغب في تحمل مسؤولية الاستقرار الاقتصادي العالمي، ما يجعل من غير المرجح أن تملأ هذا الفراغ بسهولة. في النهاية، سيواجه الاقتصاد العالمي مرحلة من عدم اليقين والتقلبات المستمرة، ما يزيد من المخاوف حول استدامة النمو الاقتصادي والتعاون الدولي.
2. الدولار.. الهيمنة مستمرة رغم الانسحاب
رغم تراجع أميركا عن دورها كحامي الاقتصاد العالمي، فإنها لا تزال متمسكة بسيادة الدولار كعملة احتياطية عالمية. فواشنطن تدرك أن قوة الدولار تمنحها نفوذًا استثنائيًا، وتسمح لها بفرض العقوبات المالية والتأثير على الأسواق العالمية.
ولهذا، بينما تتراجع عن تحمل مسؤولية الاستقرار الاقتصادي، تبقى مستعدة لمواجهة أي محاولة تهدد مكانة الدولار، مثل مبادرات الصين وروسيا لتعزيز التجارة بعملاتهم المحلية.
غياب البديل.. من يستطيع قيادة الاقتصاد العالمي؟
لكن مع انسحاب أميركا، من يستطيع ملء الفراغ؟

الاتحاد الأوروبي
قوة اقتصادية بلا نفوذ سياسي كافٍ، ويُنظر إلى الاتحاد الأوروبي كمرشح قوي لهذه المهمة، نظرًا لما يمتلكه من:
مؤسسات اقتصادية متطورة مثل البنك المركزي الأوروبي.
سوق موحدة تعزز قدرته على التنسيق الاقتصادي.
عملة اليورو التي تعد ثاني أكبر عملة احتياطية في العالم.
لكن رغم هذه المقومات، يعاني الاتحاد الأوروبي من انقسامات سياسية داخلية تعرقل قدرته على اتخاذ قرارات موحدة. كما أن اقتصادات بعض دوله مثل إيطاليا واليونان لا تزال هشة، مما يحد من قدرته على تحمل مسؤولية الاقتصاد العالمي بمفرده.
الصين
جاء هذا الأمر تزامنًا مع خطوة من شأنها أن تؤجج التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على واردات المنتجات الصينية، مما يثير مخاوف من أن يفتح هذا الإجراء الباب أمام تصعيد آخر في الحرب التجارية بين البلدين.
وفي رد فعل سريع، توعدت الصين باتخاذ "كل التدابير المضادة الضرورية" للدفاع عن مصالحها في حال أصرّت الولايات المتحدة على تنفيذ هذه الرسوم. ووصف المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية هذا الإجراء بأنه محاولة من الولايات المتحدة لإلقاء اللوم على الآخرين والتهرب من مسؤولياتها، معتبرًا أن هذه الرسوم تخالف قواعد منظمة التجارة العالمية وتضر بالنظام التجاري متعدد الأطراف.

رسوم جمركية في وقت حساس
وتأتي هذه الرسوم الجمركية الجديدة في وقت حساس، حيث كانت الولايات المتحدة قد فرضت في وقت سابق رسومًا بنسبة 10% على بعض المنتجات الصينية، مما يزيد العبء على الشركات والمستهلكين الأميركيين، بحسب البيان الصيني. وتتهم واشنطن بكين بالتساهل في مكافحة تجارة مادة الفنتانيل المخدرة، التي تسببت في وفاة العديد من الأميركيين، وهو ما يراه البيت الأبيض سببًا رئيسيًا في تصعيد الإجراءات التجارية ضد الصين.
الصين من جانبها، تؤكد أن لديها واحدة من أكثر سياسات مكافحة المخدرات صرامة في العالم، وتعتبر أن اتهامها بالتراخي في هذا الملف لا يعكس الواقع. ووفقًا للبيان الصيني، فإن الرسوم الجمركية الأميركية ستؤثر سلبًا على الاستقرار العالمي لسلاسل التوريد، وهو ما يعكس تعقيد الوضع الذي قد يهدد الاقتصاد العالمي بآثار غير محمودة.
مع استمرار التصعيد بين البلدين، تظل الأسواق العالمية في حالة ترقب حذر، إذ من المرجح أن تساهم هذه الإجراءات في تعميق الأزمات الاقتصادية العالمية وزيادة التقلبات في الأسواق المالية.
عملاق اقتصادي متردد
- تحقيق نمو اقتصادي داخلي مستدام.
- تعزيز نفوذها التجاري من خلال مبادرة "الحزام والطريق".
- تقليل اعتمادها على الدولار دون إثارة مواجهة مباشرة مع أميركا.
ومع أن بكين تمتلك القوة الاقتصادية اللازمة، إلا أن سياساتها التجارية الصارمة، ونزاعاتها مع الغرب، تجعلها خيارًا غير مضمون كقائد جديد للاقتصاد العالمي.
الاقتصادات الناشئة
أدوار مساندة لا قيادية، حيث تُظهر دول مثل الهند والبرازيل معدلات نمو مرتفعة، لكن اقتصاداتها لا تزال تواجه تحديات هيكلية، تجعل من الصعب عليها أن تلعب دور القائد الاقتصادي العالمي في المستقبل القريب.
هل تستطيع المؤسسات المالية ملء الفراغ؟
مع غياب دولة واحدة تتحمل المسؤولية، يطرح البعض خيار الاعتماد على المؤسسات المالية الدولية مثل:
صندوق النقد الدولي: يقدم قروضًا للدول المتعثرة لكنه يخضع لتأثير أميركي كبير.
البنك الدولي: يدعم المشروعات التنموية لكنه يركز على المدى الطويل أكثر من الاستجابة للأزمات.

لكن المشكلة أن هذه المؤسسات، رغم دورها في توفير الائتمان، لا يمكنها اتخاذ قرارات حاسمة دون ضوء أخضر من القوى الاقتصادية الكبرى، وخاصة واشنطن. وهذا يعني أن انسحاب أميركا قد يؤدي إلى ضعف تأثيرها، مما يجعل الاستقرار الاقتصادي العالمي أكثر هشاشة.
هل التحالفات الاقتصادية هي الحل؟
مع غياب قائد واحد، قد يكون الحل هو بناء ائتلاف اقتصادي عالمي، يشمل القوى الاقتصادية الكبرى مثل:
مجموعة العشرين: تضم الاقتصادات الكبرى، ويمكنها أن تلعب دورًا في تنسيق الاستجابات للأزمات المالية.
تحالفات إقليمية: مثل الاتحاد الأوروبي، الذي يمكنه التعاون مع الصين والهند لخلق توازن اقتصادي عالمي جديد.
لكن نجاح هذا الحل يعتمد على قدرة الدول على تجاوز خلافاتها السياسية والاقتصادية، وهو أمر ليس مضمونًا.
تغيير قواعد اللعبة.. أميركا لا تزال اللاعب الأقوى
رغم أن أميركا قد تبدو وكأنها تتخلى عن دورها القيادي، إلا أن الواقع يشير إلى أنها تعيد صياغة شروط اللعبة لصالحها. فالسياسات الاقتصادية الجديدة التي تنتهجها الإدارة الأميركية تهدف إلى:
- تحقيق مكاسب مباشرة مقابل كل تدخل اقتصادي.
- إجبار الدول الأخرى على تقديم تنازلات اقتصادية وسياسية مقابل الدعم الأميركي.
- الحفاظ على الهيمنة من خلال الدولار، دون الالتزام بمسؤوليات الإنقاذ المالي العالمي.
وهذا يعني أن أميركا قد لا تترك الاقتصاد العالمي تمامًا، لكنها تريد أن تكون مشاركتها مشروطة أكثر من أي وقت مضى.

مستقبل الاقتصاد العالمي بين الفوضى والتحالفات
مع تراجع أميركا عن دورها التقليدي، يواجه الاقتصاد العالمي مرحلة جديدة من عدم اليقين. فالعالم لم يعد يملك قائدًا اقتصاديًا واضحًا، والمخاوف تتزايد من أزمات مالية قد تكون أكثر تعقيدًا من السابق.
في النهاية، يواجه الاقتصاد العالمي مرحلة جديدة من عدم اليقين، حيث لم يعد هناك منقذ واحد، بل مجموعة من اللاعبين الذين يتصارعون على النفوذ في ظل غياب رؤية واضحة لمستقبل الاستقرار الاقتصادي. والسؤال المطروح: هل ستنجح القوى الاقتصادية الكبرى في بناء تحالفات جديدة لتجنب الفوضى، أم أن العالم سيتجه نحو مرحلة من التقلبات المستمرة، حيث تتحكم المصالح الضيقة في استقرار الأسواق؟ في كل الأحوال، يبدو أننا أمام مشهد اقتصادي جديد لم تتضح ملامحه بعد، لكنه بالتأكيد سيكون أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.
Short Url
البورصات الأوروبية تتباين خلال جلسة الاثنين وداكس الألماني يصعد 0.71%
03 مارس 2025 11:19 ص
«أباتشي» تعلن عن ضخ 2.7 مليار دولار في السوق المصري لتحقيق نمو مستدام
02 مارس 2025 06:57 م
"أبوغزالة": نحتاج إلى استراتيجية موحدة لنقل حقيقة القضية الفلسطينية
02 مارس 2025 05:42 م


أكثر الكلمات انتشاراً