السبت، 01 مارس 2025

03:47 م

أزمة المعادن النادرة، مشادة ترامب وزيلينسكي تهدد التحالف الأمريكي الأوكراني

السبت، 01 مارس 2025 01:03 م

ترامب وزيلينسكي

ترامب وزيلينسكي

تحليل/ كريم قنديل

في مشهد غير مسبوق داخل أروقة البيت الأبيض، تحوّل اجتماع كان يُفترض أن يُتوَّج بتوقيع اتفاق اقتصادي هام بين الولايات المتحدة وأوكرانيا إلى مواجهة علنية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. اللقاء، الذي كان من المتوقع أن يعزز التعاون الاقتصادي بين البلدين من خلال اتفاقية المعادن النادرة، انتهى بخروج زيلينسكي غاضباً، دون توقيع الاتفاق، بعد مشادة كلامية حادة بثّتها وسائل الإعلام مباشرة.

الرئيس الأمريكي وزيلينسكي

توتر دبلوماسي أم تحول استراتيجي؟

لم تكن الأجواء بين الزعيمين هادئة منذ البداية، إذ بدأ زيلينسكي الاجتماع بالتشكيك في جدوى جهود ترمب لإحلال السلام بين أوكرانيا وروسيا. ورغم أن الرئيس الأميركي سعى لتقديم الاتفاق كخطوة نحو التوصل إلى هدنة، فإن زيلينسكي اعتبره غير كافٍ، محذراً من أن أي "وقف لإطلاق النار دون ضمانات أمنية حقيقية" سيكون بمثابة فرصة لبوتين لإعادة ترتيب قواته.

تصاعد الخلاف عندما قال ترامب لزيلينسكي بلهجة حادة: "أنت تقامر بحرب عالمية ثالثة.. عليك أن تكون أكثر امتناناً"، في إشارة إلى الدعم العسكري والمالي الأميركي لأوكرانيا منذ بداية الحرب. وردّ زيلينسكي بأن "بوتين لن يتوقف أبداً، وسيذهب إلى أبعد من ذلك"، مؤكداً أنه لا يمكن الوثوق في أي اتفاق سلام لا يتضمن ضمانات أمنية واضحة.

اتفاق المعادن: فرصة اقتصادية ضائعة؟

كانت اتفاقية المعادن النادرة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا تمثل حجر زاوية في الشراكة الاقتصادية بين البلدين، حيث تهدف إلى منح الشركات الأميركية حق الاستثمار في الموارد الطبيعية الأوكرانية، وخاصة المعادن الأرضية النادرة التي تُستخدم في الصناعات التكنولوجية والدفاعية.

وفقاً لمصادر داخل البيت الأبيض، كان ترامب يرى في الاتفاق وسيلة لتعويض دافعي الضرائب الأميركيين عن الدعم المقدم لكييف، بينما كان زيلينسكي يطمح إلى الحصول على التزامات أمنية واضحة ضمن الاتفاق. وبينما حاول الطرفان تحقيق أهدافهما، تحوّل الاجتماع إلى مواجهة سياسية حادة أفضت إلى إلغاء التوقيع على الاتفاقية.

يأتي هذا الخلاف في وقت حساس للغاية، حيث تحاول إدارة ترامب رسم ملامح سياستها الخارجية تجاه أوكرانيا بعد عام من عودته إلى البيت الأبيض. وبينما يسعى ترمب إلى حل سريع للصراع عبر التفاوض مع موسكو، يصر زيلينسكي على استمرار الدعم العسكري والاقتصادي دون شروط مسبقة.

من جهة أخرى، تُراقب أوروبا هذه التطورات بقلق، حيث حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن "أي تراجع أميركي عن دعم أوكرانيا قد يُعزز موقف روسيا". كما دعت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني إلى قمة عاجلة لمناقشة تداعيات الخلاف الأميركي الأوكراني.

هل انتهى التحالف الأميركي الأوكراني؟

بعد ساعات من مغادرته البيت الأبيض، كتب زيلينسكي على منصة "إكس" رسالة مقتضبة: "شكراً أميركا.. شكراً لدعمكم"، في خطوة فُسِّرت على أنها محاولة للتهدئة بعد التوتر الحاد مع ترمب.

لكن التصريحات القوية التي أطلقها ترامب، والتي تضمنت تحذيراً صريحاً بأن "زيلينسكي ليس في موقف يسمح له بإملاء شروطه"، تشير إلى أن العلاقة بين واشنطن وكييف قد تشهد مزيداً من التوتر خلال الفترة المقبلة.

في المقابل، يرى محللون أن هذا الخلاف لا يعني بالضرورة انهيار التحالف، لكنه يعكس تحولاً في الاستراتيجية الأميركية، حيث يبدو أن ترامب أكثر ميلاً لحل الصراع الأوكراني الروسي من خلال التفاوض المباشر، حتى لو كان ذلك على حساب مصالح أوكرانيا.

الرئيس الأوكراني 

المعادلة القادمة: اقتصاد مقابل الأمن

يبقى السؤال الأهم: هل يمكن إعادة إحياء اتفاقية المعادن النادرة؟ أم أن الخلاف السياسي سيؤدي إلى ضياع هذه الفرصة الاقتصادية لكلا البلدين؟

الواضح أن مستقبل التعاون الأميركي الأوكراني لم يعد يعتمد فقط على الاقتصاد، بل بات مرتبطاً بشكل مباشر بالملف الأمني والحسابات الجيوسياسية التي تتجاوز واشنطن وكييف، لتشمل موسكو وأوروبا والعالم بأسره.

تُعَدُّ أوكرانيا من الدول الغنية بالمعادن الأرضية النادرة، التي تشمل 17 عنصرًا كيميائيًا حيويًا للتكنولوجيا الحديثة، مثل اللانثانوم، النيوديميوم، والجادولينيوم. تُستخدم هذه المعادن في صناعات متعددة، بما في ذلك الإلكترونيات، الطاقة المتجددة، والتطبيقات العسكرية.

حجم وأهمية المعادن النادرة في أوكرانيا

الاحتياطيات: تمتلك أوكرانيا احتياطيات كبيرة من المعادن النادرة. وفقًا لتقرير، تُقدَّر احتياطيات الجرافيت، المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية والمفاعلات النووية، بنحو 20% من الموارد العالمية. كما تمتلك أوكرانيا احتياطيات كبيرة من التيتانيوم، وهو عنصر أساسي في صناعات الطيران، والصناعات الطبية، وصناعة السيارات.

الأهمية الاستراتيجية: تُعتبر هذه المعادن حيوية في تطوير التكنولوجيا المتقدمة، مما يجعل أوكرانيا موردًا محتملاً رئيسيًا لهذه العناصر. مع احتدام التنافس العالمي على المعادن الاستراتيجية، تبرز أوكرانيا كأحد أهم اللاعبين بفضل ثرواتها المعدنية الهائلة، التي قد تتحول إلى ورقة تفاوض رئيسية في علاقتها مع الولايات المتحدة، خاصة في ظل حاجتها المستمرة للدعم العسكري والاقتصادي.

الولايات المتحدة وأوكرانيا


اتفاقية المعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا

في 25 فبراير 2025، أعلنت الولايات المتحدة وأوكرانيا عن اتفاقية تهدف إلى استغلال الموارد المعدنية الأوكرانية. تتضمن الاتفاقية إنشاء صندوق استثماري لإعادة الإعمار، حيث ستساهم أوكرانيا بنسبة 50% من عائدات مواردها حتى تصل إلى 500 مليار دولار، بينما تضمن الولايات المتحدة الاستقرار الاقتصادي طويل الأمد لأوكرانيا. ومع ذلك، لا تشمل الاتفاقية ضمانات أمنية محددة أو استمرار إمدادات الأسلحة، مع استمرار المناقشات حول هذه القضايا.

ردود الفعل والتحديات

أثار هذا الاتفاق ردود فعل متباينة على الساحة الدولية. أعربت بعض الدول الأوروبية عن قلقها من تداعيات الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بالتوازن الجيوسياسي في المنطقة، كما تخشى بعض الأطراف من أن يؤدي الاتفاق إلى تقديم تنازلات للجانب الروسي. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف بشأن كيفية تنفيذ الاتفاق وضمان استفادة أوكرانيا الفعلية من عائدات مواردها.

 تُعتبر المعادن الأرضية النادرة في أوكرانيا ذات أهمية استراتيجية كبيرة، ليس فقط لاقتصاد البلاد، ولكن أيضًا للتوازن الجيوسياسي العالمي، خاصة في ظل التنافس بين القوى الكبرى على هذه الموارد الحيوية.

Short Url

search