«من أرض النيل إلى عرش المال»، كيف غزا «أنسي ساويرس» قمة الاقتصاد العالمي

الأحد، 02 فبراير 2025 11:29 ص

أنسي ساويرس

كريم قنديل

ولد رجل الأعمال البارز أنسي نجيب ساويرس يوم 14 أغسطس 1930 في محافظة سوهاج بصعيد مصر، لعائلة مسيحية تقليدية، كان والده يعمل في المحاماة، وكانت الأسرة تتألف من أب وأم وثلاثة أبناء وبنت، وكان أنسي هو الأصغر بينهم، منذ صغره، كان والده يتطلع إلى أن يحمل أحد أبنائه مسؤولية الأرض الزراعية التي تمكن من شرائها بمدخراته والتي بلغت 50 فدانًا، وبناءً على هذا الهدف، طلب من أنسي الالتحاق بكلية الزراعة.

تخرج أنسي ساويرس من كلية الزراعة بجامعة القاهرة عام 1950، وبعد التخرج حاول التكيف مع حياة الريف وإدارة الأراضي الزراعية، لكنه شعر أن الفلاحين لديهم خبرة أعمق منه في هذا المجال، وكان يردد دائمًا مقولة “الأرض لمن يزرعها”، ومن هنا، بدأ يبحث عن شغفه الحقيقي، والذي وجده في عالم المقاولات.

البداية: تأسيس أولى الشركات

كانت بداية أنسي الحقيقية عام 1952 عندما قرر الانتقال إلى عالم المقاولات، جاءت هذه الخطوة بمحض الصدفة حين كان والده يبني عمارة سكنية في سوهاج، تعرف أنسي خلال تلك الفترة على المقاول لمعي يعقوب، وشكلا معًا شراكة أطلقا عليها اسم “أنسي ولمعي”، كان أول مشروع للشركة هو حفر 18 بئرًا ارتوازيًا في صعيد مصر، سرعان ما توسعت أعمال الشركة وأصبحت تساهم في مشاريع حيوية مثل تمهيد الطرق وحفر ترع الري.

في عام 1961، واجهت الشركة تحديًا كبيرًا عندما تم تأميمها جزئيًا ثم كليًا ضمن السياسات الاقتصادية للدولة آنذاك، ورغم ذلك، ظل أنسي يدير الشركة لمدة خمس سنوات على أمل تسوية الأمور، لكنه أدرك لاحقًا أن الوضع لن يعود إلى ما كان عليه، وهنا قرر أن يتخذ خطوة جريئة بالانتقال للعمل خارج مصر.

الهجرة إلى ليبيا

في عام 1966، هاجر أنسي ساويرس إلى ليبيا ليبدأ فصلًا جديدًا من حياته، عمل في مجال المقاولات هناك لمدة 12 عامًا. ورغم صعوبة الحياة في ليبيا وبعده عن أسرته، إلا أن تلك الفترة كانت بمثابة مدرسة حقيقية تعلم خلالها فنون المساومة والشراء وأسس إدارة الأعمال في بيئة صعبة، كان أنسي يصف تلك السنوات بأنها الأهم في حياته المهنية.

الحياة في ليبيا لم تكن سهلة على الإطلاق؛ فقد كان أنسي يعمل بعيدًا عن عائلته التي بقيت في مصر، عدم وجود مدارس أجنبية مناسبة لأولاده كان من أبرز التحديات التي واجهها، لكن إصراره على النجاح جعله يحقق إنجازات مميزة في عالم المقاولات، حيث استطاع بناء شبكة قوية من العلاقات المهنية.

العودة إلى مصر وتأسيس "أوراسكوم"

مع انفتاح الاقتصاد المصري في عهد الرئيس أنور السادات في منتصف السبعينيات، عاد أنسي ساويرس إلى مصر عام 1976، قرر أن يؤسس شركة جديدة باسم "أوراسكوم للمقاولات العامة والتجارة"، والتي سرعان ما أصبحت واحدة من أبرز شركات المقاولات في مصر، مع بداية الثمانينيات، توسعت الشركة بشكل كبير لتشمل أنشطتها مجالات السياحة، الفنادق، خدمات الكمبيوتر، وخدمات الهاتف المحمول.

كان النجاح الكبير الذي حققته "أوراسكوم" في التسعينيات هو نقطة تحول رئيسية في مسيرة أنسي، حيث أصبحت الشركة إمبراطورية اقتصادية متعددة الأنشطة. وفيما بعد، تغير اسم الشركة إلى "أوراسكوم للصناعات الإنشائية"، واستمرت في تحقيق إنجازات مذهلة. توسعت الشركة في الأسواق الدولية، لتصبح من أبرز الشركات المصرية عالميًا.

حياته الشخصية

في عام 1953، تزوج أنسي ساويرس من السيدة يسرية لوزة، التي لعبت دورًا بارزًا في حياته الاجتماعية والعائلية، كانت يسرية من سيدات المجتمع الراقي وشاركت في العديد من المناصب الاجتماعية والسياسية. شغلت عضوية مجلس الشعب المصري لست سنوات، كما أسست مدرسة "ارتقاء" وجمعيات خيرية تهدف لتحسين مستوى المعيشة للفئات المهمشة في المجتمع.

كانت يسرية لوزة شخصية ملهمة ومؤثرة، حيث ساهمت في تأسيس العديد من المبادرات التي تدعم التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، كان لها دور رئيسي في جمعية حماية البيئة، إضافة إلى تأسيس الجمعية المصرية التي تهدف إلى مساعدة الأطفال المشردين وتوفير مأوى وتعليم لهم. بجانب دعمها للأنشطة الاجتماعية، كانت يسرية شريكة حقيقية لأنسي في تحقيق رؤيته.

أنجب أنسي ثلاثة أبناء: نجيب، سميح، وناصف، الذين أصبحوا فيما بعد رموزًا اقتصادية بارزة في مصر والعالم، نجيب ساويرس، الابن الأكبر، حصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية وماجستير في علوم الإدارة التقنية من المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في سويسرا، أما سميح، الابن الأوسط، فقد درس الهندسة الميكانيكية في جامعة برلين التقنية. ناصف، الابن الأصغر، التحق بجامعة شيكاغو وتخصص في الاقتصاد.

الإنجازات الاقتصادية

توسعت إمبراطورية أوراسكوم تحت قيادة أنسي وأبنائه لتشمل مختلف القطاعات، مثل السياحة، البناء، الاتصالات، والخدمات. بحلول عام 2017، قُدرت ثروة أنسي ساويرس بحوالي 1.2 مليار دولار، بينما بلغت إجمالي ثروة عائلة ساويرس 13.8 مليار دولار وفقًا لمجلة فوربس، ناصف ساويرس، الابن الأصغر، كان الأبرز بين الأبناء بثروة بلغت 9.2 مليار دولار، يليه نجيب بـ 3.1 مليار دولار، وسميح بـ 850 مليون دولار.

ساهمت شركة "أوراسكوم" في تحقيق مشاريع كبيرة بمصر والعالم، من بينها بناء منتجعات سياحية شهيرة مثل الجونة ومشاريع بنية تحتية ضخمة، كما أنشأت الشركة أول شبكة محمول خاصة في مصر، مما جعلها من الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا.

المحطات الأخيرة في حياته

ظل أنسي ساويرس نشطًا حتى سنواته الأخيرة، يشارك في إدارة أعمال العائلة ويقدم النصائح لأبنائه. رغم تقدمه في العمر، كان يتمتع بحيوية ورؤية ثاقبة جعلته قريبًا من كل تفاصيل أعمال شركته، توفي في 29 يونيو 2021 في منطقة الجونة بالغردقة عن عمر ناهز 91 عامًا بعد معاناة مع الفشل الكلوي، كان لرحيله أثر كبير في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية في مصر، حيث اعتبره الكثيرون رمزًا للنجاح والإصرار.

حضر جنازته شخصيات بارزة من مختلف المجالات، حيث أشاد الجميع بإسهاماته في دفع عجلة التنمية بمصر، ترك أنسي خلفه إرثًا عظيمًا من النجاحات والإنجازات.

إرث أنسي ساويرس

ترك أنسي ساويرس إرثًا غنيًا من النجاحات والمشاريع التي غيرت وجه الاقتصاد المصري. لم تكن مسيرته خالية من التحديات، لكنه استطاع دائمًا أن يحول الأزمات إلى فرص، ليصبح نموذجًا يُحتذى به في عالم ريادة الأعمال، واليوم، تستمر عائلته في إدارة شركاته وتحقيق المزيد من الإنجازات، محافظين على اسم ساويرس كواحد من أهم الأسماء في العالم الاقتصادي.

تعتبر قصة أنسي ساويرس درسًا في الإصرار والعمل الجاد، حيث أثبت أن الطموح مع التخطيط الجيد يمكن أن يحقق أحلامًا تبدو مستحيلة، فقد بدأ حياته ببدايات متواضعة، لكنه استطاع أن يبني واحدة من أكبر الإمبراطوريات الاقتصادية في مصر والمنطقة.

Short Url

أخبار متعلقة