«تحدي الـ 24%» تركيا في مهمة شاقة لخفض التضخم بحلول نهاية 2025
الخميس، 13 مارس 2025 08:57 م

تركيا
تحليل/ عبد الرحمن عيسى
تواجه تركيا تحديات اقتصادية معقدة تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم التي تعد من أهم القضايا التي تؤثر على استقرار الاقتصاد.
وعلى هذا المنوال، يستمر البنك المركزي التركي في تطبيق سياسة نقدية مشددة بهدف السيطرة على التضخم وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
تأتي هذه التحركات وسط تصريحات مهمة من محافظ البنك المركزي، فاتح قرة خان، الذي أكد ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة لضبط الأسعار وضمان استقرار النمو.
في هذا التحليل، سنستعرض السياسة النقدية للبنك المركزي التركي وأهدافه في ظل الضغوط الاقتصادية الحالية.

التضخم في تركيا والوضع الراهن
في الأشهر الأخيرة، شهدت تركيا تباطؤًا ملحوظًا في معدل التضخم السنوي، الذي انخفض إلى 39% بعد أن كان قد بلغ مستويات مرتفعة خلال العام الماضي.
ورغم هذا التراجع، يظل هذا الرقم بعيدًا عن الهدف المستهدف للبنك المركزي التركي، وهو 5%، وفي حين أن هذا التحسن يعتبر خطوة إيجابية، فإن التحدي الأكبر يكمن في ضرورة استمرارية هذا التراجع دون حدوث تقلبات مفاجئة قد تؤدي إلى اضطراب مسار انخفاض التضخم.
يشير محافظ البنك المركزي، فاتح قرة خان، إلى أن التضخم لا يزال يشكل تهديدًا كبيرًا للاستقرار الاقتصادي، وذلك على الرغم من تحسن الأوضاع الاقتصادية جزئيًا في الأشهر التسعة الماضية.
وقد حذر قرة خان من خطر "الاضطراب" الذي قد يصيب الاتجاه النزولي لمعدل التضخم، ما يجعل الحاجة إلى استراتيجيات جديدة أكثر إلحاحًا.
النمو الاقتصادي من حيث القوة والضبابية
وفقا للتصريحات الصادرة عن قرة خان، شهدت تركيا في الربع الرابع من العام الماضي نموًا اقتصاديًا قويًا للغاية، متجاوزًا توقعات البنك المركزي.
في الوقت نفسه، أظهرت البيانات الأولية لمبيعات التجزئة في يناير بوادر إيجابية تشير إلى متانة الاستهلاك المحلي.
وعلى الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية، تظل هناك بعض المخاوف المتعلقة بتوقعات الطلب في الأشهر القادمة، خاصة في ظل تقليص الإنفاق عبر بطاقات الائتمان بشكل معتدل منذ بداية عام 2025 بعد انتعاشه في أواخر 2024.
التحدي الذي يواجهه البنك المركزي يتمثل في كيفية إدارة النمو الاقتصادي في وقت تتصاعد فيه مخاطر التضخم، وهو ما يتطلب اتخاذ قرارات نقدية دقيقة لحفظ توازن الاقتصاد.

هدف المركزي: خفض التضخم إلى 24% بنهاية العام
من أبرز الأهداف التي حددها البنك المركزي التركي في الفترة القادمة هو خفض معدل التضخم إلى 24% بحلول نهاية عام 2025.
هذه الخطوة تمثل تحديًا كبيرًا في ضوء المعطيات الاقتصادية الحالية، خاصة في ظل التضخم المرتفع الذي يتجاوز النسبة المستهدفة بشكل كبير، لكن البنك المركزي يواصل تطبيق السياسة النقدية المشددة في محاولة لتوجيه الاقتصاد نحو الاستقرار.
من أجل تحقيق هذا الهدف، يواجه البنك المركزي تحديات عديدة، بما في ذلك الحاجة إلى تحفيز الطلب في الاقتصاد دون زيادة الضغوط التضخمية.
وهذا يتطلب تحقيق توازن دقيق بين السياسة النقدية وتشجيع النشاط الاقتصادي، بحيث لا تؤدي أي خطوة إلى تعزيز التضخم.
تقليص أسعار الفائدة
منذ نهاية ديسمبر الماضي، بدأ البنك المركزي التركي في خفض سعر الفائدة الأساسي من 50% إلى 42.5%، وهو ما يعكس بداية مرحلة من التخفيف التدريجي للسياسة النقدية.
ومع ذلك، يبقى هناك توقعات قوية بأن البنك المركزي سيواصل خفض أسعار الفائدة في الاجتماعات المقبلة للسياسة النقدية، مما قد يؤدي إلى مزيد من التسهيلات النقدية في الاقتصاد.
رغم أن البعض يرى في هذه التخفيضات خطوة إيجابية لتحفيز النمو، فإن هناك آخرين يعتبرون أن خفض أسعار الفائدة بشكل متسارع قد يؤدي إلى عواقب سلبية على التضخم، مما يزيد من تعقيد مهمة البنك المركزي في السيطرة على الأسعار.
لذلك، يجب أن يكون البنك المركزي حذرًا في تحديد توقيت وحجم هذه التخفيضات، بحيث يتم الحفاظ على استقرار الأسعار في الأسواق.
توقعات التضخم
رغم الجهود المستمرة من قبل البنك المركزي، يظل أحد أكبر التحديات هو توقعات التضخم لدى الأسر والشركات، والتي تتجاوز بشكل كبير التوقعات الرسمية للبنك المركزي.
إذ إن ثقة الأسر والشركات في قدرة البنك المركزي على السيطرة على التضخم قد تؤثر بشكل مباشر على القرارات الاقتصادية، مثل الإنفاق والاستثمار، مما قد يؤدي إلى تغييرات غير مرغوب فيها في مسار التضخم.
وبحسب تصريحات قرة خان، يتعين على البنك المركزي العمل على تخفيض هذه التوقعات بشكل تدريجي، وهي مهمة لا تقتصر فقط على السياسة النقدية، بل تتطلب أيضًا تحركات في مختلف القطاعات الاقتصادية لضمان استقرار الأسعار.

الآفاق المستقبلية
على الرغم من التحديات الحالية، يبقى السؤال الأبرز هو مدى قدرة البنك المركزي التركي على استدامة النمو الاقتصادي في ظل التضخم المرتفع.
فبينما حققت تركيا بعض النجاحات في تخفيض التضخم جزئيًا، يظل أمامها طريق طويل للسيطرة الكاملة على التضخم وتحقيق استقرار الأسعار.
يجب أن يأخذ البنك المركزي التركي في اعتباره التقلبات الاقتصادية العالمية والمحلية في الفترة القادمة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة التي تشهدها الأسواق العالمية.
كما إن تطبيق استراتيجيات نقدية فعّالة لا يكفي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، بل يتطلب أيضًا تنسيقًا بين السياسات المالية والنقدية والهيكلية لضمان نجاح الخطط الاقتصادية.
ختامًا: السياسة النقدية للبنك المركزي التركي في مواجهة التضخم تعتبر اختبارًا حقيقيًا لصبر ومرونة الاقتصاد التركي.
وفي الوقت الذي يبدي فيه البنك المركزي حذرًا في خفض أسعار الفائدة، فإنه يبقى ملتزمًا بهدفه في خفض التضخم إلى 24% بنهاية العام، لكن يبقى التحدي الأكبر في كيفية إدارة الطلب في الاقتصاد والحد من توقعات التضخم لدى الأسر والشركات.
Short Url
الصناعات الإبداعية في عصر الذكاء الاصطناعي، بين الفرص والتحديات
16 مارس 2025 04:38 م
من الركود إلى الازدهار، هل تنجح خطة الصين في تحويل دفة الاقتصاد؟
16 مارس 2025 03:43 م
«2% تضخم» السعودية تنجح في كبح جماح الأسعار في فبراير رغم التحديات
16 مارس 2025 02:51 م


أكثر الكلمات انتشاراً