"بـ لبن".. النجاح السريع والسقوط المُر
السبت، 19 أبريل 2025 12:29 م

محلات بـ لبن
تحليل/ كريم قنديل
أعلنت سلسلة محلات "بـ لبن" إغلاق جميع فروعها بعد تجربة قصيرة، مثيرة للضجة، وأيضًا مثيرة للتأمل.
من السهل أن نُحمّل السوق المسؤولية، أو نتحدث عن المنافسة، أو حتى الجمهور، لكن في عالم الإدارة، من المفيد أن نطرح سؤالاً أعمق، هل التوسع دائمًا هو الخيار الصحيح؟

هل التوسع يساوي النجاح؟
سنقدم رؤية مختلفة تمامًا عن التصوّر الشائع بأن “التوسع = النجاح”، هذا يذكّرنا بأن هذه الفرضية لا أساس لها سوى سلسلة من التخمينات والنماذج النظرية التي لم تُختبر عمليًا، بل إن مثال "مصنع الدبابيس" الشهير الذي استخدمه آدم سميث نفسه لم يكن سوى وصفًا لمصنع لم يزره أحد.
فالمشكلة قد لا تكون في التوسع ذاته، بل في الافتراض بأن كل مشروع يجب أن يتوسع، وبسرعة، بل إن بعض أنجح المشاريع عالميًا، لم تتوسع بشكل تقليدي، بل قامت بـ نشر نموذجها أو توسيع أثرها، دون أن تتورط في سلسلة متاجر أو خطوط إنتاج ضخمة.
هل استمعت العلامة التجارية لأصوات الشارع؟ هل أجرت المراجعة الذاتية الكافية؟ هل ركزت على بناء نموذج مستدام قبل أن تطلق فروعًا متعددة؟
الدرس ليس عن "بـ لبن" فقط، بل عن كل من يطمح ببناء مشروع ناجح، فأحيانًا، البقاء صغيرًا بحكمة أفضل من التوسع السريع الذي ينهار فجأة.
"بـ لبن" كانت واحدة من تلك الظواهر
منتج جذاب، فكرة مختلفة، تسويق ذكي، وانتشار ناري خلال فترة قصيرة، فجأة أصبح اسم "بـ لبن" على كل لسان، وأصبحت فروعه جزءًا من المشهد اليومي في مناطق حيوية بمصر، بدا وكأن النجاح وُلد كبيرًا، لا يحتاج إلى مراحل النضج والنمو المعتادة، لكن، كما يقول المثل الشعبي: "اللي بيجي بسرعة.. بيروح بسرعة".

النجاح ليس نظيفًا دائمًا
من الصعب تخيل شركة جديدة، بلا إرث إداري أو قانوني، قادرة على التوسع بهذه السرعة داخل هذا المناخ، دون أن تدفع ثمنًا ما أو تتجاهل تفصيلة ما أو تُهمل عن قصد أو دون قصد جزءًا من المنظومة المعقدة.
التوسع.. هل الهدف أم فخ؟
في خيال رواد الأعمال الجدد، يُنظر للتوسع كعلامة انتصار، فرع وراء فرع، انتشار جغرافي واسع، وعدد موظفين متزايد، لكن الحقيقة الاقتصادية تقول: النمو السريع هو أخطر أنواع النمو، لأنه يستهلك مواردك قبل أن تُتقن إدارتها.
في حالة "بـ لبن"، التوسع لم يكن فقط طموحًا، بل كان يبدو كأنه السبيل الوحيد لاستغلال الزخم، لكن التوسع في مجال الطعام والمشروبات لا يشبه التوسع في تطبيق رقمي، هنا نتحدث عن لوجستيات ونقل وتخزين وتدريب موظفين وجودة خامات وتجربة عميل في كل فرع على حدة، كل فرع يُعتبر كيانًا قائمًا بذاته، هل كانت المنظومة جاهزة فعلًا؟
الإجابة الأرجح: لا.

كيف استطاع مشروع جديد افتتاح أكثر من 200 فرع في شهور؟
إن افتتاح فرع واحد لمطعم أو محل مأكولات في مصر يحتاج إلى إجراءات طويلة ومعقدة تبدأ من التراخيص البلدية، مرورًا بموافقات الصحة والحماية المدنية، وصولاً إلى اشتراطات البيئة والسلامة، فكيف يمكن لمشروع حديث العهد أن يتجاوز كل هذه العراقيل ويفتتح أكثر من 200 فرع في فترة وجيزة، مقتحمًا 9 أسواق في 9 دول عربية؟
الإجابة الأكثر ترجيحًا أن التوسع سبق التنظيم، أي أن الرغبة في الوجود الميداني فرضت نفسها على مسارات الاستعداد الإداري، والهيكلي، واللوجستي، ومن غير المستبعد بحسب ما يتداوله العاملون في القطاع أن بعض الفروع كانت تعمل دون استيفاء كامل للمتطلبات القانونية، أو كانت تعتمد على طرق التفافية لتسريع الإجراءات.
الغرور.. العدو الخفي بعد النجاح
أكثر ما يُخيف في قصص النجاح السريع، هو اللحظة التي يصدق فيها المؤسس أنه فهم اللعبة، وأنه صار أكبر من السوق والمنافسين والنقد، نبرة الاستعلاء التي لاحظها البعض في ظهور بعض الإعلانات، والتقليل من المنافسين، بل وحتى تجاهل التحذيرات من خبراء ومتخصصين، كانت كلها إشارات خطر.
النجاح لا يُلغي الحاجة للتواضع، بل العكس، التواضع هو ما يُطيل عمر أي نجاح، تجاهل الخبرات القديمة، والتعامل مع السوق وكأنه ملعب خاص، غالبًا ما ينتهي بانهيار قاسٍ.
لماذا اختارت العلامة التجارية أن تصطدم بالسوق بدلًا من احتوائه؟
بدلًا من أن تركز الشركة على بناء هوية مستقرة وتحترم المنافسين القدامى في السوق، اختارت على ما يبدو أن تقدم نفسها بصيغة متمردة، ترى أنها جاءت لتصحح المسار وتنتزع الريادة من الجميع.
هذه النغمة التنافسية الحادة، التي بدت في بعض الحملات التسويقية أو اللقاءات الإعلامية، ساهمت في خلق حالة من التربص العام، فبدلاً من أن تجد "بـ لبن" داعمين، وجدت خصومًا في كل الاتجاهات.
السوق المصري لا يتعامل مع الغرور بكثير من اللين، والمنافسة فيه ليست بالأرقام فقط، بل بالعلاقات، والذكاء الاجتماعي، واحترام التوازنات.

الأثر الإنساني.. ما بعد سقوط الحلم
وراء كل شركة تنهار، هناك موظفون لا تُعرض قصصهم على العناوين، أشخاص تركوا وظائف مستقرة، وصدّقوا حلم المشروع الجديد، فُتحت أمامهم الأبواب، وارتفعت رواتبهم، وظنوا أن القطار يسير للأمام فقط.
لكن حين توقف القطار فجأة، لم تُفتح الأبواب، ولم تكن هناك مخارج طوارئ.
الأثر الاقتصادي على السوق ليس فقط في خسارة شركة واعدة، بل في اهتزاز الثقة بمنظومة ريادة الأعمال ككل، خاصة لدى الكفاءات التي تجرأت وخاضت التجربة.
هل يمكن أن تعود "بـ لبن"؟ وهل سيثق الناس بها مجددًا؟
العودة ممكنة من حيث المبدأ، فالسوق لا يُغلق أبوابه أمام أحد، لكن عودة أي علامة تجارية سقطت بهذه الطريقة تتطلب جهودًا غير عادية لإعادة بناء الثقة.
الجمهور لا ينسى بسهولة، والسمعة التي تُضرب في العلن تحتاج إلى وقت وصدق كبيرين لترميمها، وقد تكون هناك حاجة لاعتراف علني بالأخطاء، وتغيير في السياسات، وربما حتى في الهيكل الإداري أو اسم العلامة نفسه.
فالاسم حين يرتبط بالانهيار قد يصبح عبئًا لا ميزة.
دروس لا بد أن تُفهم
قصة "بـ لبن" ليست مأساة، بل فصل من كتاب مفتوح يُكتب في السوق المصري كل يوم، الدرس الأهم، لا تخدعك البداية، ولا تُغرّك الضجة.
الشركة التي تسعى لتصبح علامة تجارية ناجحة لا تحتاج فقط إلى فكرة قوية، بل إلى بنية تحتية حقيقية، وتخطيط استراتيجي، وتواضع إداري، وقدرة على التعلم من الأخطاء، النجاح لا يُقاس بعدد الفروع، بل بقدرتك على الحفاظ على الجودة في كل فرع، كل يوم.
البيزنس ليس سباق سرعة، بل ماراثون نفس طويل.
و"بـ لبن"؟
ربما تعود يومًا بشكل أقوى، أو تظل مجرد قصة تُروى لمن يأتي بعدها، وفي الحالتين، نحن أمام درس يستحق التأمل.
Short Url
ترامب والرقائق، خطة لإنعاش الصناعة أم خطوة تشعل السوق؟
19 أبريل 2025 04:47 م
بعد خفض الفائدة، خبراء يكشفون أفضل وجهات الاستثمار في 2025
19 أبريل 2025 04:45 م
7 مليار يورو يغيروا الخريطة، مشروع الهيدروجين الأخضر ينطلق من مصر
19 أبريل 2025 03:59 م


أكثر الكلمات انتشاراً