السبت، 19 أبريل 2025

05:25 ص

أوروبا بين المطرقة والسندان، صراع القوى في 2025 قد يغير وجه القارة

الأربعاء، 16 أبريل 2025 08:58 م

أوروبا والناتو

أوروبا والناتو

كتب/ كريم قنديل

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان التحالف مع الولايات المتحدة هو العمود الفقري للمعجزة الأوروبية الحديثة، ما بين مارشال بلان ومظلة الناتو، استطاعت أوروبا أن تُحيل ركام المدن إلى أسواق موحدة، وتبني مشروعًا اقتصاديًا عابرًا للحدود. 

حلف الناتو

لكن، مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، بدأ هذا التوازن الذهبي في الاهتزاز، وظهر سؤال ثقيل يفرض نفسه على كل عاصمة أوروبية، هل يمكن للاقتصاد أن ينمو في غياب الأمن المستقر؟

انسحاب أميركي.. وصدمة في الأسواق

الإدارة الأميركية الجديدة، بشعارها الجديد "أميركا أولًا"، لم تُخفِ رغبتها في تقليص التزاماتها العسكرية، وتحويل الحماية الأمنية إلى صفقة تجارية مشروطة، هذه السياسة أطلقت موجة ارتدادية في القارة العجوز، حيث بدأت مؤشرات القلق تتسلل إلى الأسواق، هل ما زالت أوروبا مكانًا آمنًا للاستثمار؟ وما مصير سلاسل الإمداد في حال انزلاق الجغرافيا نحو صراع جديد؟

تراجع الموثوقية في المظلة الأطلسية لا يعني فقط خطرًا على الأمن، بل يحمل في طياته كلفة اقتصادية مباشرة، تتراوح ما بين ارتفاع الإنفاق الدفاعي وضرورة إعادة توزيع الموازنات الوطنية، إلى احتمال تآكل جاذبية أوروبا كمركز للاستقرار طويل الأجل.

الدفاع الذاتي.. فاتورته أغلى مما يبدو

تتحدث بروكسل منذ سنوات عن الاستقلالية الاستراتيجية، لكن التحول من الكلام إلى الفعل يمر عبر ميزانيات ضخمة، وإرادة سياسية قد لا تكون متوفرة في جميع العواصم، مشروع دفاع أوروبي موحد يعني تغييرات هيكلية في الاقتصاد، من إعادة توجيه الاستثمارات نحو الصناعات العسكرية، إلى تخصيص موارد للبحث والتطوير في مجال الدفاع السيبراني والتكنولوجي.

النتيجة؟ أوروبا على أعتاب عصر تقشّف استراتيجي جديد، ولكن هذه المرة ليس بسبب الأزمات المالية، بل بسبب متطلبات بناء الحماية الذاتية، وهي خطوة قد تُؤثر على أولويات النمو الأخضر والتحول الرقمي، إذا لم تُدار بذكاء اقتصادي متكامل.

القوة الروسية

روسيا.. التهديد الرخيص والأثر المكلف

التهديد الروسي، ورغم ثباته منذ عقود، بات أكثر خطورة تحت ظل رئاسة ترامب الثانية، الاحتمال الأكبر اليوم هو اختبار روسيا لثغرات التحالف الغربي، وهو ما يجعل دول مثل بولندا ودول البلطيق تضخ استثمارات عاجلة في الدفاع، ما يخلق تفاوتًا داخل السوق الأوروبية الموحدة، ويضغط على العملات المحلية وأسعار السندات.

وبالنسبة للمستثمرين، فإن أي سيناريو تصعيدي، حتى لو بقي في إطار الحرب السيبرانية أو الهجينة، يكفي لتقليص التوسع الاستثماري في أوروبا الشرقية، ما يهدد جهود سد فجوة التنمية بين شرق القارة وغربها.

تعددية الأقطاب.. أوروبا بين المطرقة والسندان

في ظل تراجع الغطاء الأميركي، تُفتح الساحة الأوروبية أمام قوى جديدة، الصين تدخل كفاعل اقتصادي ثقيل عبر البنية التحتية، وروسيا تواصل اختراقها الإعلامي والسياسي، وتركيا تبحث عن دور أوسع، هذا المشهد يُربك بيئة الأعمال ويُربك كذلك السياسات النقدية والمالية.

كل قوة من هذه القوى تحمل أجندة مختلفة، وتعتمد أدوات ناعمة وخشنة، ما يعني أن أوروبا باتت تحتاج إلى استراتيجية اقتصادية أمنية، لا فقط استراتيجية اقتصادية تقليدية.

أوروبا 

بين الخوف والفرصة.. هل تولد أوروبا جديدة؟

وسط هذا التهديد المعقد، تكمن فرصة نادرة، أن تُحول أوروبا الخوف من الانكشاف إلى مشروع تكاملي جديد، توحيد الصناعات الدفاعية قد يُعيد تشكيل القاعدة الصناعية الأوروبية، وضخ الاستثمارات في الأمن السيبراني يمكن أن يُحول الاتحاد إلى لاعب عالمي في الاقتصاد الرقمي.

لكن السؤال الحاسم: هل تمتلك أوروبا الإرادة السياسية لتحويل أزمتها الأمنية إلى مشروع نهضوي؟ أم أن الانقسامات التقليدية ستُعيد القارة إلى هامش التأثير في عالم لا يعترف بالضعفاء؟

في عالم تتغير فيه التحالفات بلمح البصر، صار الأمن الاقتصادي لأوروبا مرتبطًا بقدرتها على الاكتفاء الذاتي في القرارات، والموارد، وحتى في الحماية، إنها لحظة اختبار وجودي، ستحدد إن كانت القارة العجوز قادرة على الصمود، أو ستتحول إلى ساحة تنافس بين قوى لا تؤمن إلا بلغة المصالح.

Short Url

search