تريليوني طن من المعادن النادرة في أعماق البحار، هل بدأ سباق الذهب الجديد؟

الإثنين، 14 أبريل 2025 12:51 م

المعادن النادرة

تحليل/ ميرنا البكري

كشف مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، عن تحليل جديد بعنوان "التعدين في قاع البحار.. مورد استراتيجي جديد"، تحدث من خلاله عن الأهمية الاستراتيجية لقاع البحار، كما ركز على جهود الدول لتوسيع نفوذها داخله، بالإضافة إلى المخاطر البيئية للتعدين البحري، مشيرًا إلى أن هذا النوع من التعدين ظهر كمصدر جديد للحصول على الموارد، وهدفه هو استخراج الرواسب المعدنية القيمة الموجودة في قاع البحار، على عمق مئات أو حتى آلاف الأمتار تحت سطحه

بجانب الحياة البحرية في هذه الأعماق، توجد احتياطيات كبيرة من النحاس والكوبالت والنيكل والزنك والفضة والذهب والعناصر الأرضية النادرة، وهي مواد ضرورية يتم استخدامها في بناء مكونات طاقة خالية من الكربون.

مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء – تفنيد — **مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار**

المعادن النادرة تُشعل سباقًا جيوسياسيًا جديدًا في قاع البحار

أوضح المركز إن قاع البحار يضم ثلاثة أنواع رئيسة من الرواسب المعدنية، وهي: قشور المنجنيز الحديدي الغنية بالكوبالت، والكبريتيدات متعددة الفلزات، والعُقيدات متعددة المعادن (وهي كريات تحتوي على معادن نادرة يشكل المنجنيز النسبة الكبرى فيها)، وفي هذا الصدد نشرت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) معلومات أثبتت أن كمية العُقيدات متعددة المعادن في المياه الدولية قد تصل إلى تريليوني طن، ويُعد المنجنيز من بين العناصر المتوفرة بكثرة في قاع البحار بحوالي 227 مليار طن، يليه الحديد في المرتبة الثانية بكمية تبلغ 219 مليار طن، ثم المغنيسيوم بنحو 16.9 مليار طن.

وفي هذا الإطار، لم يعد التنافس الجيوسياسي العالمي على الموارد التقليدية كالنفط والغاز الطبيعي فقط، بل أصبحت المعادن النادرة والرواسب المعدنية في قاع البحار مسرحًا جديدًا للتنافس بين القوى العالمية المختلفة، نظرًا لأهميته الكبرى في صناعات البناء، والإلكترونيات، والسيارات الكهربائية، ومعدات الطاقة المتجددة، والبطاريات، والأسلحة العسكرية، وغير ذلك من الصناعات.

الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين - هل يشهد العالم صراعاً على المعادن البحرية؟ — **استخراج المعادن النادرة من قاع البحار**

المعادن الخضراء، سلاح العالم في مواجهة التغير المناخي

تمتلك هذه المعادن أهمية محورية في إطار سياسات مواجهة تغير المناخ والتحول نحو الطاقة النظيفة، نظرًا لدخولها في التقنيات المنخفضة الكربون، مثل: الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، وبطاريات السيارات الكهربائية أو خلايا وقود الهيدروجين. واستنادًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، يُتوقع أن يرتفع استهلاك هذه المعادن بشكل كبير بحلول سنة 2040، وتعد المعادن الآن لا غنى عنها لجميع القطاعات الاقتصادية، مدفوعة بالتوجه العالمي نحو إزالة الكربون، وفي هذا الإطار، تستحوذ الرواسب المعدنية البحرية على اهتمام مختلف الدول والشركات.

على الجانب الآخر، تتم إدارة منطقة قاع البحار من قبل السلطة الدولية لقاع البحار، وهي كيان تابع للأمم المتحدة، تم إنشاؤه وفقًا لـ اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1994، وتمتلك السلطة الدولية لقاع البحار الحق في التفويض الحصري لتنظيم ومراقبة الأنشطة في منطقة قاع البحار، وكذلك شؤون استكشاف وتعدين المعادن البحرية بشكلٍ عام لصالح البشرية، وذلك بهدف إنشاء إطار قانوني شامل لتنظيم استخدام مياه البحار والمحيطات على مستوى العالم، وضمان حماية الموارد البيئية والبحرية، فضلًا عن تحقيق استفادة عادلة من هذه الموارد.

كما يتناول هذا الجانب القضايا المتعلقة بسيادة الدول على البحار والمحيطات، وحق الانتفاع في المناطق البحرية، بالإضافة إلى الحقوق المرتبطة بالملاحة.

القوى الكبرى تجهز قواعد اللعبة قبل بدء تعدين البحار

أوضح التحليل أنه على الرغم من أن التعدين في قاع البحار لم يُمارس بشكل تجاري حتى الآن، فإن العديد من الحكومات الوطنية وشركات التعدين تخطط للبدء في هذا المجال في أقرب وقت ممكن، وهو ما يستغرق سنوات قليلة. وما زال الأمر يعتمد على السلطة الدولية لقاع البحار (ISA) وكيفية تنظيمها لعمليات التعدين في قاع البحار.

ومن جهة أخرى، يمكن للدول أن تنطلق بمشاريع التعدين في قاع البحار ضمن مياهها التي تخضع لسيطرتها المحلية، والمعروفة باسم "المناطق الاقتصادية الخالصة".

عكس التحليل اتجاه الدول الكبرى للاستثمار بشكل كبير في البحث عن المعادن في قاع البحار، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى اغتنام الفرص للمشاركة في عملية وضع قواعد التعدين في قاع البحار واعتمادها من قبل السلطة الدولية لقاع البحار (ISA)، إلى جانب عقد الشراكات مع الدول الحلفاء في السلطة الدولية لقاع البحار (ISA)، من أجل تعزيز المصالح المشتركة، واستكشاف الفرص المشتركة للشركات الأمريكية والحلفاء للمشاركة في التعدين المنظم في قاع البحار.

وفي إطار جهود الولايات المتحدة الأمريكية لزيادة إمدادات المعادن لديها، قرر الكونجرس الأمريكي في مايو الماضي تخصيص 2 مليون دولار لتمويل دراسة حول التعدين في قاع البحار، كما طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بضم حوالي مليون كيلو متر مربع إلى الجرف القاري التابع لها في بحر بيرنج، والمحيطين الأطلسي والهادئ، وخليج المكسيك.

الصين في قلب المنافسة، سباق نحو أعماق البحار للهيمنة على معادن المستقبل

ومن ناحية أخرى، قامت الحكومة الصينية بوضع هدف "التعدين في قاع البحار" كأولوية أمنية واقتصادية ضمن استراتيجيتها الشاملة للسيطرة على سلاسل توريد المعادن بمختلف أنواعها، وأصبحت واحدة من الدول الرائدة في مجال التعدين في قاع البحار، وذلك من خلال توسيع مبادرة الحزام والطريق إلى المحيط الهادئ، وعقد شراكات استراتيجية ذات صلة، وذلك من أجل الوصول إلى الموارد وكسب تأييد دول جزر المحيط الهادئ.

أفاد التحليل بأن الصين تمتلك خمسة تراخيص لاستكشاف قاع البحار في المياه الدولية من أصل 30 ترخيصًا قامت بإصدارها السلطة الدولية لقاع البحار (ISA) حتى أوائل عام 2024، وذلك للاستعداد لبدء عمليات التعدين في قاع البحار بحلول عام 2025، وبذلك فإن الصين لديها حق استكشاف ما يقرب من 92 ألف ميل مربع من المياه الدولية، وهو ما يعادل 17% من إجمالي المساحة المصرح بها حاليًّا من قبل الهيئة الدولية لقاع البحار. ومع زيادة نفوذها، تقوم الصين بصياغة اللوائح الدولية للتعدين في قاع البحار، وتأمين وهيمنة الوصول إلى المعادن اللازمة لتقنيات الطاقة الخضراء وأنظمة الدفاع، والسيطرة على الطرق البحرية الاستراتيجية، ومن المحتمل إنشاء كيان عسكري في المنطقة.

أشار التحليل إلى أن أنصار التعدين في قاع البحار يعتقدون أن هذه العمليات يمكن أن تساعد في تلبية حاجة العالم الملحة للمعادن الحيوية، والتي من المرجح أن تستمر في النمو مع قيام البلدان بتوسيع نطاق جهود إزالة الكربون، وتشير التقديرات إلى أن الطلب العالمي على بعض هذه المعادن قد يرتفع بنسبة تصل من 400% إلى 600% في العقود المقبلة مع زيادة اعتماد العالم على طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والمركبات الكهربائية، والبطاريات، وغيرها من التقنيات الخالية من الكربون.

صراع المعادن الأرضية النادرة مع الصين: هل تحسمه أميركا بسلاح بيولوجي جديد؟ — **صراع القوى الكبرى**

بين العوائد الاقتصادية والمخاطر البيئية، تحديات التعدين في أعماق المحيطات

وفي حين أن التعدين يوفر فوائد اقتصادية كبيرة، فإنه يتضمن مجموعة من التحديات والمخاطر البيئية التي تهدد النظام البيئي، ويستمر العلماء في التحذير من وجود مخاوف جدية بشأن التأثيرات المتعددة التي قد يخلفها التعدين البحري، ومن ذلك فقدان الأحياء البحرية المختلفة بما يهدد التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى فقدان بنية النظام البيئي ووظيفته، ومن المرجح أن يكون الضرر الذي يلحق بالنظام البيئي في قاع البحار طويل الأمد.

وليس قاع البحر فقط هو المعرض للخطر، حيث يمكن أن تنتشر النفايات من سفن التعدين على مسافات كبيرة، وربما على بعد كيلومترات من المناطق التي يتم التعدين فيها. وقد يشكل هذا تهديدًا للأسماك واللافقاريات في المحيطات المفتوحة، والتي تعد بالغة الأهمية لمصايد الأسماك الدولية.

بالإضافة إلى ما ذُكر، يواجه التعدين في قاع البحار مجموعة من التحديات الرئيسة، أبرزها كونه عملية معقدة ومكلفة من الناحية الفنية، حيث تتراوح تكلفة مركبات الاستخراج ما بين 1 و5 ملايين دولار، علاوة على ذلك، تقع معظم موارد التعدين خارج حدود سيادة الدول.

ختامًا

أوضح التحليل إن التنافس على الموارد المعدنية في أعماق البحار يعكس أهمية هذه الموارد في سياق التحولات العالمية نحو الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الحديثة، ومع تزايد الحاجة إلى المعادن النادرة، أصبح من الضروري تعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الدولية لضمان استغلال هذه الموارد بشكل مستدام وعادل.

ومع ذلك، فإن استغلال هذه الموارد يحمل في طياته مخاطر بيئية كبيرة تهدد التنوع البيولوجي والنظام البيئي البحري، وهو ما يستلزم مراعاة تلك المخاطر، لضمان حماية التنوع البيولوجي للنظام البيئي البحري. وبالتالي، فإن إرساء إطار قانوني محكم لتنظيم عمليات التعدين في قاع البحار سيكون نواة حاسمة نحو تحقيق التوازن بين الاستفادة الاقتصادية وحماية البيئة البحرية.

Short Url

أخبار متعلقة