ترامب يشعل حرب الرسوم مجددًا، والصين ترد بثقة البحر الذي لا تهزه العاصفة
الأربعاء، 09 أبريل 2025 10:19 م

دونالد ترامب
تحليل/كريم قنديل
في مشهد يذكّرنا بلعبة شد الحبل التي لا تنتهي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تعليقًا مؤقتًا للتعريفات الجمركية الجديدة لمدة 90 يومًا، مشيرًا إلى تخفيض كبير بنسبة 10% على الرسوم المتبادلة، القرار الذي بدا في ظاهره كهدنة تهدف إلى تهدئة الأسواق، لكنه لم يلبث أن انقلب إلى تصعيد ناري مع إعلان رفع الرسوم على الصين إلى 125%.

أسواق تنتعش وسط عاصفة
الرسالة كانت واضحة، فالمستثمرون يراهنون على أن هذه الهدنة، قد تفتح نافذة جديدة للمفاوضات، أو على الأقل تمنحهم فرصة لالتقاط الأنفاس، في ظل تقلبات تجارية أثقلت كاهل الاقتصاد العالمي.
لكن فرحة الأسواق لم تدم طويلًا، فالمفاجأة الكبرى جاءت في السطر التالي من خطاب ترامب، حيث أعلن رفعًا فوريًا للرسوم على الصين، مبررًا القرار بما وصفه بـعدم احترام الصين للأسواق العالمية، وملمحًا إلى أن أيام الاحتيال على أميركا قد انتهت.
الصين ترد بالمثل وبلغة أقسى
بكين لم تتأخر كثيرًا في الرد، بل رفعت الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية من 34% إلى 84%، في خطوة انتقامية تعكس حجم التوتر بين أكبر اقتصادين في العالم، كما أدرجت وزارة التجارة الصينية 6 شركات أميركية في قائمة الكيانات غير الموثوقة، في إشارة رمزية إلى أن الحرب، لم تعد تقتصر على التعريفات، بل باتت تمس ثقة الصين في الشركاء الأميركيين.

من الاقتصاد إلى الجيوسياسة، حرب بمقاييس جديدة
وما يجري يتجاوز لغة الأرقام والتعريفات؛ فنحن أمام إعادة رسم لقواعد اللعبة الاقتصادية العالمية، فترامب عبر هذه القرارات المتضاربة، يبدو ويكأنه يختبر حدود الصبر الصيني، ويدفع بكين إلى تنازلات تجارية وسياسية في آنٍ معًا، لكنه في المقابل، يخاطر بجرّ الاقتصاد العالمي إلى مزيد من الضبابية.
من جهة أخرى، تشير القفزات المفاجئة في مؤشرات الأسهم إلى حالة من الترقب المشوب بالأمل، بأن الحرب التجارية ستبقى في إطار "العضّ دون القضم"، لكنها أيضًا تكشف هشاشة الأسواق أمام التصريحات الرئاسية، خاصة عندما تأتي من ترامب، والذي يتقن استخدام التغريدة كسلاح تفاوضي.
إلى أين تتجه الأمور؟
الصين، البحر الذي لا تهزه العواصف في خطاب لافت ومشحون بالرمزية، وصف الرئيس الصيني شي جين بينغ بلاده بأنها كالمحيط، قد تأتي العواصف، لكن البحر الواسع لا يتأثر كما يتأثر النهر الصغير، لم يكن هذا التشبيه محض استعارة أدبية، بل رسالة سياسية واقتصادية دقيقة للعالم، وتحديدًا للولايات المتحدة.
الصين ليست مجرد مصنع العالم.. بل عموده الفقري
من يظن أن بإمكانه تجاوز الصين أو تجاهلها، يُخطئ في قراءة الواقع، نحن لا نتحدث عن اقتصاد ناشئ يمكن تطويقه، بل عن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومسؤول عن 29% من إجمالي التصنيع العالمي أكثر من أمريكا، اليابان، وألمانيا مجتمعة.

في عصر العولمة، الصين ليست حلقة في سلسلة الإمداد، بل مفصلها الرئيسي:-
- تنتج 63% من الهواتف الذكية، و72% من الحواسيب المصدّرة عالميًا.
- تتحكم في 75% من إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية.
- تُزوّد أوروبا بـ98% من العناصر الأرضية النادرة.
وتُعتبر المورد الأهم للمواد الأولية في الصناعات الدوائية الأميركية والأوروبية، كما أن أي خلل في العلاقة معها، يعني اهتزاز الأسواق، وتأخر الإنتاج، وارتفاع الأسعار في أقصى الأرض وأدناها.
الحزام والطريق، أكثر من بنية تحتية
وتتجاوز الاستثمارات الصينية في البنية التحتية حول العالم 1.17 تريليون دولار، ضمن مبادرة الحزام والطريق، وهذه ليست مجرد مشاريع طرق وموانئ، بل شبكة نفوذ اقتصادية، تعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية، كل ميناء تديره الصين في إفريقيا أو جنوب أسيا، هو عقدة جديدة في شبكة الربط الاقتصادي العالمي.
والعالم، لا يحتاج مزيدًا من الحروب التجارية، بل إلى سياسات عقلانية تعترف بأن استقرار الصين من استقرار العالم، وأن الحلول لا تأتي من فرض التعريفات، بل من بناء الجسور.
ترامب.. الصين تريد اتفاقًا، لكنها لا تعرف كيف
وفي خضم توترٍ متصاعد بين بكين وواشنطن، عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ليرسل رسائل متناقضة تكشف مرة أخرى عن أسلوبه التفاوضي الحاد والغامض، ففي حوار صحفي أعقب قراره بتعليق الرسوم الجمركية التي كانت قد فُرضت بنسبة 10% على عدد من الدول، قال ترامب إن "الصين تريد التوصل إلى اتفاق، لكنها لا تعرف كيف تفعل ذلك"، مضيفًا: "قد نبرم اتفاقات عادلة مع الصين".

السوق يراقب.. والضبابية تزداد
الأسواق بطبيعتها لا تحب المفاجآت، ولا تتغذى إلا على وضوح الرؤية، وبين تعليق الرسوم بنسبة 10%، وتلميحات رفعها إلى 125%، وتصريحات تربك الخصم أكثر مما تطمئنه، أصبح من الصعب التنبؤ بمسار العلاقة التجارية الأكبر في العالم.
ووسط هذه الضبابية، يبقى المستثمرون بين مطرقة التوترات التجارية وسندان آمال الهدوء، أما سلاسل الإمداد العالمية، فهي تواصل التحوّط، وتعيد ترتيب أوراقها، بما يتناسب مع واقعٍ جديدٍ، حيث لا شيء يبدو مستقرًا.
التنين الذي أصبح عملاقًا اقتصاديًا
الصين اليوم، ليست مجرد شريك اقتصادي، بل لاعب لا يمكن تجاوزه، وصوت لا يمكن إسكاته في صياغة مستقبل الاقتصاد العالمي. من يختار تحديها بدلًا من التعاون معها، لا يهدد بكين وحدها، بل يهدد استقرار سلاسل التوريد، أمن الطاقة، والابتكار الصناعي لعقود قادمة.
العالم اليوم، لا يحتمل أن يُقسم إلى جبهات اقتصادية متناحرة، فإِما أن نبحر معًا في هذا "المحيط الواسع"، أو نغرق فرادى في أنهار ضيقة تحاصرها الأزمات.

التفاوض كمعركة.. أو لعبة
في النهاية، يبدو أن ترامب لا ينظر إلى المفاوضات التجارية كعملية اقتصادية فقط، بل كمعركة سياسية يجب أن يُظهر فيها اليد العليا، أما الصين فهي تواصل لعب دور الصبور الهادئ، معتمدة على ثقلها الاقتصادي وشبكة تحالفاتها الطويلة الأمد.
لكن بين التصعيد والتخفيض، والتصريح والنفي، تظل الحقيقة الثابتة، أن أي اختلال في هذه العلاقة لا يصيب الطرفين فقط، بل يصيب النظام الاقتصادي العالمي برمته.
السيناريوهات مفتوحة، لكن المؤكد أن هذه الخطوات، ستنعكس على سلاسل التوريد، أسعار السلع، وتوجهات المستثمرين في المدى القريب، إن لم تُستثمر هذه الهدنة المؤقتة في محادثات حقيقية تعالج جذور الخلاف، فقد نشهد فصلًا جديدًا أكثر حدّة، وربما أكثر تكلفة.
Short Url
معلومة تهمك.. الفرق بين الأسهم والسندات وإزاي تستثمر فيهم؟
20 يناير 2025 12:30 ص
مركز المعلومات: 10 مليارات دولار هدف الاستثمار المباشر وفق استراتيجية 2026
13 أبريل 2025 12:05 م
«الذهب» يلمع مجددًا و«البيتكوين» يغرق في أزمة ثقة تهدد مستقبله
13 أبريل 2025 10:57 ص


أكثر الكلمات انتشاراً