السعودية تتصدر مستقبل الخدمات اللوجستية، نمو ضخم لقطاع 3PL في ظل رؤية 2030

الخميس، 03 أبريل 2025 05:18 م

قطاع الخدمات اللوجستية

تحليل/كريم قنديل

يشهد قطاع الخدمات اللوجستية الطرف الثالث (3PL) في السعودية تحولاً جذريًا في ظل التطورات الاقتصادية الكبرى التي تقودها رؤية 2030، حيث يُتوقع أن ينمو السوق من 14.57 مليار دولار في 2025 إلى 19.86 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 6.38%.

الخدمات اللوجستية الطرف الثالث (3PL)

الخدمات اللوجستية الطرف الثالث (3PL) هي حلول لوجستية تقدمها شركات متخصصة لإدارة جزء من العمليات اللوجستية أو كلها لصالح الشركات الأخرى، في البداية كانت هذه الشركات تقتصر على تقديم خدمات الشحن والنقل فقط، ولكن مع مرور الوقت توسع نطاق خدماتها ليشمل التخليص الجمركي، التخزين، التوزيع، بالإضافة إلى الوفاء بالطلبات من المخزون حتى وصول المنتجات للعملاء النهائيين أو تجار التجزئة.

وعلى الرغم من أن التحكم الكامل في العمليات اللوجستية يظل في يد الشركات نفسها، إلا أن 3PL تساهم بشكل كبير في تنفيذ العمليات اللوجستية، مما يخفف عبء العمل على الشركات ويسهم في تسريع العمليات وتقليل التكاليف.

غالبًا ما تفضل الشركات الصغيرة والمتوسطة الاعتماد على مزودي خدمات 3PL نظرًا لأن مستوى العمليات اللوجستية الاستراتيجية فيها معتدل، مما يسمح لهم بتوفير حلول مرنة وفعالة دون الحاجة للاستثمار في إنشاء بنية لوجستية كبيرة.

البنية التحتية والتنمية الصناعية تُعززان الطلب على الخدمات اللوجستية

تشهد السعودية طفرة في مشاريع البنية التحتية والتصنيع، إذ حقق قطاع التصنيع نموًا بنسبة 10.1% في يونيو 2023، ما يعكس ارتفاع الطلب على حلول لوجستية متطورة، وتساهم المشاريع العملاقة، مثل مشروع مترو الرياض ونظام الحافلات السريعة بقيمة 22.5 مليار دولار، في إعادة تشكيل مشهد الخدمات اللوجستية، مما يفتح المجال أمام مزودي الخدمات الطرف الثالث لتوسيع نطاق عملياتهم وتحسين خدماتهم.

التجارة الإلكترونية تقود التحول الرقمي في القطاع

مع نمو التجارة الإلكترونية بوتيرة سريعة، حيث بلغ عدد الشركات المسجلة في هذا المجال 36,330 شركة بحلول الربع الثالث من 2023، بزيادة سنوية قدرها 12%، أصبحت الرقمنة ضرورة لمقدمي الخدمات اللوجستية، وشهدت المستودعات اعتمادًا متزايدًا على الروبوتات والذكاء الاصطناعي لتعزيز الكفاءة التشغيلية، حيث قامت شركات مثل Geek+ وStarlinks بنشر أكثر من 250 روبوتًا ذاتي الحركة في مراكز التخزين الجديدة، مما يساعد على تلبية الطلب المتزايد على سرعات توصيل أعلى ودقة تشغيلية أفضل.

الموقع الجغرافي يعزز مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي

تمثل السعودية حلقة وصل رئيسية بين آسيا، أوروبا، وأفريقيا، ما دفع الحكومة إلى إطلاق خطة طموحة لإنشاء 59 مركزًا لوجستيًا بمساحة تفوق 100 مليون متر مربع، بهدف تعزيز كفاءة سلاسل الإمداد ودعم نمو التجارة العابرة للحدود، خاصة مع الأسواق الناشئة.

النقل البري.. لاعب رئيسي في منظومة اللوجستيات

يظل قطاع النقل البري مكونًا أساسيًا للخدمات اللوجستية، حيث يُقدَّر عدد الشاحنات العاملة في السوق بحوالي 40,000 شاحنة في 2022، ما يخلق بيئة تنافسية تعتمد على تكلفة تشغيل منخفضة نسبيًا، كما شهد القطاع شراكات استراتيجية هامة، مثل إطلاق مشروع ASMO في فبراير 2024، وهو مشروع مشترك بين DHL وأرامكو، يهدف إلى تقديم حلول لوجستية متكاملة لصناعات الطاقة والكيماويات والصناعات الثقيلة، مما يعزز مرونة سلاسل التوريد على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

نمو التجارة الإلكترونية يعزز قطاع الخدمات اللوجستية في السعودية

يشهد قطاع الخدمات اللوجستية الطرف الثالث (3PL) في السعودية نموًا متسارعًا، مدفوعًا بازدهار التجارة الإلكترونية والتحول الرقمي السريع في المملكة، ومع وصول نسبة انتشار الإنترنت إلى أكثر من 90% في 2023، إلى جانب معدل اختراق للهواتف المحمولة يبلغ 97%، وهو من بين الأعلى عالميًا، أصبحت البنية الرقمية في المملكة بيئة مثالية لازدهار التجارة الإلكترونية، حيث يُقدّر أن 80% من مستخدمي الإنترنت النشطين في السعودية يقومون بالتسوق عبر الإنترنت، وهو معدل يقارب الأسواق العالمية الرائدة مثل الصين.

تحول المستهلكين يفرض تطورًا في الخدمات اللوجستية

أدى تغير سلوك المستهلكين وتوسع عمليات البيع بالتجزئة عبر الإنترنت إلى زيادة الحاجة إلى حلول لوجستية متطورة من قبل مزودي الخدمات الطرف الثالث، وفي يناير 2024 أشارت إدارة التجارة الدولية الأمريكية إلى أن قطاع التجارة الإلكترونية السعودي أصبح قناة مبيعات واعدة للشركات العالمية، مستشهدة بترتيب المملكة العاشر عالمياً في سرعة الإنترنت، مما يعزز من كفاءة عمليات الشحن والتوصيل.

الاستثمارات في اللوجستيات الذكية تدعم نمو السوق

مع هذا النمو السريع، استثمرت شركات الخدمات اللوجستية في أنظمة تتبع متقدمة، وحلول التوصيل السريع، وتوسيع شبكات النقل لدعم هذا النظام المتكامل، بينما لعبت المبادرات الحكومية دورًا محوريًا في تحديث البنية التحتية اللوجستية بالشراكة مع القطاع الخاص، مما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة.

المملكة.. مركز إقليمي للتجارة الإلكترونية واللوجستيات

في ظل هذه التطورات، أصبحت السعودية لاعبًا رئيسيًا في مشهد التجارة الإلكترونية الإقليمي، حيث تتجه البلاد نحو تعزيز مكانتها كمركز لوجستي عالمي، معتمدةً على التكنولوجيا والابتكار لدعم الطلب المتزايد على الخدمات اللوجستية الحديثة.

ويعد مشروع ميناء الملك عبد الله نموذجًا بارزًا لهذا التوجه، حيث تبلغ قيمة الاستثمارات فيه 40 مليار ريال سعودي (10.66 مليار دولار أمريكي)، مما يجعله أول ميناء في المنطقة مملوكًا بالكامل للقطاع الخاص، ويعمل وفق نماذج تشغيل مبتكرة ساهمت في رفع كفاءة العمليات وتحسين جودة الخدمات، وقد انعكس ذلك على نمو حركة الحاويات بنسبة 2.3% في الربع الأول من عام 2023، مما يعزز قدرة المملكة على التعامل مع أحجام التجارة الدولية المتزايدة.

شراكات دولية لتعزيز الترابط التجاري

حظيت استراتيجية تطوير البنية التحتية السعودية بزخم إضافي من خلال الشراكات الدولية والمبادرات التجارية الكبرى، ففي سبتمبر 2023 انضمت المملكة إلى الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، إلى جانب قوى اقتصادية عالمية، في خطوة من شأنها تعزيز الترابط التجاري، وتقليل العوائق التجارية، وفتح آفاق جديدة لمزودي خدمات سلاسل الإمداد.

شبكة لوجستية متكاملة لتعزيز التجارة الداخلية والدولية

في إطار رؤية 2030، تخطط السعودية لإنشاء 59 مركزًا لوجستيًا بمساحة تتجاوز 100 مليون متر مربع، ما يعكس التزام الحكومة ببناء شبكة لوجستية متكاملة تدعم حركة التجارة الداخلية والدولية، كما يُتوقع أن يسهم التحول نحو الأتمتة وتبني أحدث ممارسات إدارة سلاسل التوريد في رفع كفاءة العمليات وتعزيز الإنتاجية في قطاع الخدمات اللوجستية، مما يرسّخ مكانة المملكة كوجهة لوجستية رائدة على المستوى الإقليمي والعالمي.

إدارة النقل المحلي.. العمود الفقري للقطاع اللوجستي

يهيمن قطاع إدارة النقل المحلي على سوق الخدمات اللوجستية الطرف الثالث في السعودية، حيث يستحوذ على 56% من إجمالي السوق في 2024، ويعود ذلك إلى توسع التجارة الإلكترونية والشراكات الاستراتيجية بين شركات 3PL ومتاجر التجزئة الإلكترونية لتقديم حلول متكاملة تشمل الخدمات العكسية، التخزين، والتوزيع.

تدعم المملكة هذا القطاع من خلال تطوير بنية تحتية متقدمة تشمل:

73,000 كم من الطرق الوطنية
4,900 كم من الطرق السريعة
4,500 كم من شبكات السكك الحديدية بطاقة سنوية 11 مليون طن

كما تلعب الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية دورًا أساسيًا في رقمنة وتحسين الاتصال بين النقل البحري والجوي، والسكك الحديدية والطرق البرية، مما يعزز كفاءة إدارة النقل المحلي.

الخدمات ذات القيمة المضافة.. الأسرع نموًا في السوق

يُعد قطاع الخدمات ذات القيمة المضافة الأسرع نموًا في سوق الخدمات اللوجستية الطرف الثالث، حيث يُتوقع أن يسجل معدل نمو سنوي يبلغ 7% بين 2024-2029، ويعود ذلك إلى الطلب المتزايد على الحلول اللوجستية المخصصة والمبتكرة، حيث تتجه الشركات إلى الاستعانة بمزودي الخدمات اللوجستية لتقديم خدمات متخصصة مثل:

التعبئة والتغليف الذكي
إدارة المخزون
خدمات التخزين المضافة

يسهم هذا القطاع في تقليل التكاليف التشغيلية وزيادة كفاءة سلاسل الإمداد، مما يجعله خيارًا استراتيجيًا للشركات الباحثة عن حلول مرنة وفعالة.

إدارة النقل الدولي.. ربط المملكة بالتجارة العالمية

يلعب قطاع إدارة النقل الدولي دورًا محوريًا في دعم مكانة السعودية كمركز لوجستي عالمي، ويشمل هذا القطاع خدمات الشحن العابر، التخليص الجمركي، والتنسيق اللوجستي العالمي، مستفيدًا من موقع المملكة الاستراتيجي عند تقاطع ثلاث قارات ومن استثماراتها الضخمة في تطوير الموانئ والمطارات.

تسهم أنظمة التتبع الذكية، تحسين المسارات الدولية، وتسهيل الإجراءات الجمركية في تعزيز قدرات هذا القطاع، مما يدعم تحقيق رؤية المملكة في أن تصبح مركزًا لوجستيًا عالميًا متكاملاً.

نظرة مستقبلية.. سوق واعدة في ظل رؤية 2030

مع استمرار الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية وتوسيع المرافق اللوجستية، يبدو أن قطاع الخدمات اللوجستية الطرف الثالث في السعودية ماضٍ في مسار تصاعدي، مدفوعًا بزيادة الطلب على الخدمات المتخصصة، وتنامي التجارة الإلكترونية، وتكامل التكنولوجيا الحديثة في العمليات التشغيلية، هذه العوامل مجتمعة تضع المملكة في موقع ريادي كمركز لوجستي عالمي، في إطار طموحها للتحول إلى قوة اقتصادية غير نفطية بحلول 2030.

Short Url

أخبار متعلقة